هنا وفي هذا المكان ومنذ شهور قليلة توجهت باستغاثة للمهندس حسن يونس - القائم بأعمال وزير النقل في ذلك الوقت بجانب عمله وزيرًا للكهرباء والطاقة - وكان محور الاستغاثة عن الإهمال الموجود داخل أبراج الإشارة بمحطات السكك الحديدية وكان ذلك بعد كارثة قطار العياط وبعد أن أثبتت كل كوارثنا السابقة أن أبراج الإشارة بالسكة الحديد هي المتهمة الأولي في كل كارثة، وأنها - كما قيل عنها - تمتلك مفاتيح بوابة جهنم وأيضا بوابة السلام، أي أنها أول طريق الموت وأول طريق الحياة وأن عمالها هم اللاعبون الرئيسيون في تلك الكوارث وأكدت لنا أن تلك الأبراج تعيش عيشة بائسة بعمالها ومبانيها فمنها تخرج الروائح الكريهة مثل الروائح الخارجة من المراحيض العامة ولوحات المراقبة الإلكترونية التي يتم من خلالها تحديد مكان القطار وسرعته، ومن خلال جهاز فيها يتم إيقاف القطار، كل ذلك يوجد داخل كراكيب خشبية مع أنها المسئولة عن تشغيل لوحات التحكم المركزية وحركة القطارات والإشارات وفتح المزلقانات وتشغيل السيمافورات التي تعطي لسائق القطار الإشارة لاستمرار السير.. كل ذلك في كراكيب خشبية ناهيك عن المكان غير الآدمي ويواجه العمال فيه الأمراض وكل أنواع انتهاك الإنسانية، وأبراج الإشارة لا يوجد بها أي وسائل للجلوس أو الراحة وتلك المشكلة أوصلت بعض العمال إلي ابتكار وسيلة استخدام بعض الفلنكات القديمة سريرًا للراحة عليها، ناهيك عن أنه لا توجد سيارة للطوارئ مع أن تلك الأبراج تبعد عن بعضها مسافات طويلة، وكانت المفاجأة التي انكشفت بعد حادثة قطار العياط أن شبكة أبراج الإشارة في مصر تعدت عمرها الافتراضي منذ الثمانينيات وحذرنا وأكدنا أن ذلك كارثة قومية وتوجهنا إلي المهندس حسن يونس والذي كان قائما بأعمال وزير النقل حتي يتم تعيين وزير للنقل، بصفته من المسئولين القلائل في مصر الواعي دوره مما أدي لنجاحه الباهر في إدارة وزارة الكهرباء.. توجهنا إليه أن يدرس حالة تلك الأبراج التي تحولت إلي سجون مثل سجني القلعة وأبو زعبل، ولم تكن مفاجأة لنا أن يتم الاتصال التليفوني من المستشار الإعلامي للمهندس حسن يونس ليؤكد لنا أن موضوع المقالة برمته قد أحاله السيد الوزير إلي لجنة لدراسته، وبالطبع لم يكن تسليط الضوء منا علي مشكلة الأبراج هو الأول من نوعه، فمنذ فترة طويلة قد بُح صوت الكثيرين لتحديث هذه الأبراج، ومما أسعدني هذه الأيام أن تصلني معلومات مؤكدة أن وزارة النقل الآن قد طرحت مشروع تطوير محطات إشارات خط السكة الحديد بين القاهرة والإسكندرية في مناقصة عامة لبدء أعمال هذا التطوير، ولقد أعلن ذلك المهندس علاء فهمي - وزير النقل الجديد -، وهذا يدل دلالة كاملة علي أن الأمل مازال موجودا في بلدنا وأن هناك من في الحكومة يسهر علي مصلحة الناس ويسعي بكل جهده أن يصل إلي حلول لمشاكلهم، فمع بداية الانفراجة وهي مشروع تطوير محطات خط السكة الحديد، لابد أن نتوجه بالشكر والامتنان إلي ذلك الرجل المحترم وزير الكهرباء الحالي والقائم بأعمال وزير النقل السابق علي اهتمامه البالغ بتلك القضية المهمة، وأيضا لابد أن نشكر المهندس علاء فهمي لأنه استمر في النهج ويقود الآن عمليات التطوير، فعلي الشهداء الذين سالت دماؤهم علي قضبان السكة الحديد في مصر في السنوات الأخيرة أن يشعروا بالراحة لأن دماءهم لم تسل هباءً بل كانت بداية للحل، وللأسف فقد تعودنا في مصر أن تسال الدماء قبل الحل، لكن نحمد الله أننا بدأنا الحل وأنا شخصيا لا أؤمن بالسواد في التفكير بل أؤمن بأننا لابد أن نناضل من أجل حل مشاكلنا بكل قوة وعقل وعيون ثاقبة للمشاكل وحلولها، ولابد أن نؤمن بأننا قادرون في مصر بالعقل وبالإمكانات التي نملكها حتي لو كانت متواضعة علي أن نبدأ في حل مشاكلنا ونحترم آدمية مواطنينا، وبهذه المناسبة نود أن نتوجه مرة أخري إلي وزيرنا المحترم المهندس حسن يونس بأن يكون هو البادئ مع أنه ليس مسئولا عن المشكلة، ولكن هناك وزراء آخرين هم المسئولون، ومع ذلك نتوجه له بالرجاء في أن يبدأ حل مشكلة سكان الضغط العالي في مصر، وقد كتبت له قبل ذلك عن تلك المشكلة متمنياً أن تكون البداية من عنده وآملا من الله أن يحذوا حذوه الجميع لتعيش آلاف الأسر في أمان بدلا من انتظار إسالة الدماء والحرائق حتي نبدأ في الحل.