حاورت إيلاف الكاتب والروائي السعودي هاني نقشبندي، الذي تحدث في شؤون كثيرة، كاشفاً سر مغادرته الصحافة إلى الرواية والعودة لها مجددًا من خلال مجلة نسائية، واعتبر نقشبندي أن المرأة السعودية اكملت اول كليومتر من طريق يمتد ألفا، ومضيفا أن الخوف هو هوية الوطن العربي كله بعد الربيع العربي. هاني نقشبندي الذي بدأ رحلته في بلاط صاحبة الجلاله منذ اكثر من عقدين ماضيين وانقطع عنها متفرغاً للرواية والقراءة، اعادته مطبوعته (ماي مول) إلى بلاطها مجددًا وإلى زاوية مقال اجتماعي راغباً من خلالها التواصل مع قراء ابتعد عنهم لأكثر من خمسة أعوام. هاني نقشبندي الصحافي القديم وصاحب التجربة الثرية في عالم الصحافه اين هو الان؟..وحدثنا عنه بما تشاء؟ هاني نقشبندي انصرف في أغلب وقته الى قراءة الكتب، مع اجتهاد متواضع في الكتابة الروائية. حاولت مرارا الهرب من الصحافة. حاولت مرارا الهرب من هاني الاعلامي. لكنه انتصر في النهاية، وأعادني الى بلاطها. هكذا، وجدت نفسي انساق بلا إرادة منسلا من بين كتبي الى الاعلام من جديد. ولما كنت قد تخطيت البدايات، فقد قررت أن اكون اقرب للنهايات دفعة واحدة، فأصبحت ناشرا. هكذا انتهت عملية الشد والجذب بين هاني القارئ وهاني الإعلامي لأصبح هاني الناشر صاحب امتياز مجلة "ماي مول". حدثنا بتفصيل عن هذه المجلة اللتي تديرها وتشرف عليها منذ السنتين (ماي مول)؟ أنا لست رجلا ثرياً، ولست أيضاً بالفقير والحمد لله. كنت بجوار حبي للقراءة والسفر، بل والكثير من السفر، اهوى اقتناء الاشياء الجيدة. لنقل الفاخرة ان شئت الدقة. لكن كانت لي فلسفة في ذلك، وهي أن الاشياء الفاخرة لا تعني الثمينة في قيمتها المادية بالضرورة، بل تلك التي تملك لغزًا، وسرا، وعبقرية صانع حقيقي يقف ورائها. لدي مقتنيات بعضها قديم واكثرها حديث، تقوم على المبدأ ذاته. ماركات عالمية حديثة وقطع قديمة صنعت يدوياً لا يمكن ان تتكرر. هكذا جمعت بين هوايتي الغريبة هذه، ونداء الاعلام الذي انتصر، فكان أن اتت مجلة "ماي مول"، لتكون مجلة كل ما هو فاخر ومميز وفريد. لا قيمة للمال أن لم ينعكس على صاحبه. لا قيمة للثراء ان لم يسعدنا فيما نلبس ونأكل ونفعل. من هنا فإن "ماي مول" تجمع المعادلة التي قد يراها البعض سهلة، لكنها صعبة، وهي انعكاس الثراء على اسلوب حياتنا وفق مقاييس التلذذ الحقيقي بقيمة الاشياء الراقية. وهذا ما جعلني اتخذ من عبارة "الحياة كما تحب" لتكون شعارا لهذه المجلة. هاني النقشبندي الذي ترأس مجلة "سيدتي" لمدة ستة أعوام استطاع أن يبرز ككاتب إجتماعي من خلال عموده الأسبوعي في الصحفة الأخيرة للمجلة حتى توقف عن الكتابة عام 2005 متفرغا للرواية.. هل اعادته (ماي مول) للكتابه عن هذا الشأن من جديد؟ كتابتي، او عودتي للمقال الاجتماعي، سببها ليس حباً في كتابة المقال، بل رغبة في التواصل مع قراء ابتعدت عنهم منذ اكثر من خمسة أعوام. لكن تبقى الرواية هي الأساس بالنسبة لي، بعدها المقال ومجلة "ماي مول". تجربتك مع الروايه رغم قصر عدد سنواتها إلا أنه صدر لك حتى الان أربع روايات بظرف خمس سنوات تقريباً.. وسؤالي هنا هل تجربتك مع الروايه تناولها النقاد؟ فعلا لي اربع رويات وهي إختلاس، سلاّم، ليلة واحدة في دبي، ونصف مواطن محترم. تناولها بعض النقاد بعمق وكثيرون تجاوزوها بصمت، ولعلهم لم يسمعوا بها، لا أعلم ولا أهتم. فأنا لست اكتب منتظرا لناقد او كاتب يقيم عملي. في داخلي انسان اناني. هو يكتب ليرضي نفسه فقط. لك ان تقبل او ترفض ما كتبه، هذا شأنك. لكن المهم بالنسبة له هو ان يكتب. أنا مثل رجل يحب الغناء. لست اهتم كثيراٍ ان احببت صوتي أو لا، فأنا أحب الغناء وسأبقى اغني وحدي فوق جبل أو في الحمام. هكذا هي الكتابة بالنسبة لي. رواياتي اليوم انتشرت في العالم العربي باستثناء السعودية. ومعها بات كثيرون يكررون السؤال ذاته: هل تعتقد انك قد نجحت روائياً؟ هذا سؤال لا ينبغي ان يطرح. ذلك انه لا يوجد مقياس للنجاح و الفشل في الرواية. هل لو بعت مائة الف نسخة سأكون روائيا عظيما ولو بعت عشر نسخ فقط اكون فاشلا؟ لا.. على الاطلاق. نجاح الرواية يتحقق منذ اللحظة التي يختم فيها كاتبها اخر سطر له. إن كتب ما هو مؤمن به، فقد حقق نجاحا عظيما ولو لم يقرأ له سوى انسان واحد. لقد طلبت من ناشري، ان يزيل عبارة "الطبعة الثانية والثالثة والعاشرة" من أغلفة رواياتي. لأني ارفض اسلوب التسويق الرخيص هذا. الروائي ليس تاجرًا، بل صاحب رسالة، ولو كانت رسالة فردية خاصة به وحده. لا بأس ان شاء ان يكون له هدف مادي، لكن دون أن يتحول الأدب الى سلعة يروج لها برأي ناقد او كاتب أو بعدد طبعات. لا أريد ان أتباهى أمام أحد بعدد ما صدر لي من روايات، او عدد مرات طباعتها، لأني سعيد في داخلي بما صدر وفخور به امام نفسي. لقد دفعت ثمن بعض الكتابات التي رآها آخرون تجاوزا للخطوط الحمراء. أنا لم اتجاوز شيئا اكثر من كتابة ما أنا مؤمن به فقط. حينما يتحول المثقف الى تاجر تشغله اسعار العملات وظروف الربح والخسارة وغيرها ..الا يؤثر ذلك على انتاجه الأدبي أو يحد من ابداعه؟ أولاً، لست تاجراً ولو كنت صاحب مشروع اعلامي تجاري. ثانيًا، هل ينبغي على الروائي أو الأديب بصفة عامة لأن يكون فقيرا معدما كي يصبح مبدعا؟ نحن نعتقد ان الفقر يخلق الإلهام. في الحقيقة، فإن الفقر يخلق العدم. والمعاناة هي الأخرى لا تخلق اكثر من الأسى. فأي شيء يولد من الأسى والعدم؟ للإنسان تجاربه. قد يراها البعض مؤلمة. لو كانت كذلك ما كتب الانسان أو أبدع. لكن ما نراه مؤلما بالنسبة لشخص قد يكون هو مصدر تلذذ له، ومن التلذذ يأتي الابداع. الآن، أنا إعلامي ومشروع ما يزال في أوله كي أكون روائيا، ولا شيء قادر على ابعادي عن قلمي وكتبي، كما لا شيء قادر على ابعادي عن مجلتي "ماي مول" التي امضيت في تأسيسها قرابة ثلاثة اعوام. طريقان مختلفان هما، لكنهما مكملان لبعضهما. المادة تغذي قدرتي على الاستمرار كجسد. والكتابة تغذي قدرتي على الاستمرار كإنسان. بعد الربيع العربي الذي كان عام 2011 عامه الذي لن تنساه الذاكره العربية.. هل مازال المواطن العربي الذي قلت عنه سابقًا أن الخوف هويته الوطنيه كذلك؟ كنت أقول ذلك بالفعل: ان الخوف هو هوية المواطن العربي. اليوم اقول ان الخوف هو هوية الوطن كله. لا أعلم إلى أين نحن نسير. نعم، انا ضد الظلم ومع الحرية بكل ذرة في جسمي. لكني ضد الفوضى. حائر انا مما أراه، هل هي فوضى ام هي طريق وعرة للحرية؟ المرأة السعوديه اللتي طالما طالبت بحقوقها في مقالاتك.. كيف ترى وضعها الان وهل وصلت لشيء؟ نعم.. فقد اكملت اول كليومتر من طريق يمتد ألفا. قلت أخشى أن يكون الربيع العربي سبباً في أن تحافظ الدول على الدين وأن الربيع العربي هو فرصة التيار الديني ليجذب التيار السياسي نحوه.. بماذا تعلق على هذا الكلام الصادر منك؟ ما قلته هو أني اخشى أن تكشف هذه الثورات عن اجتياح اسلامي لكل المنظومة العربية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. لو تحقق هذا فأنا ضد الاثنين: الثورات واجتياح الدين. قراءة تاريخنا الممتد لألف وأربعمائة عام، لا تشجع على خلق نموذج اسلامي صرف في عصرنا الحاضر. لم يكن في تاريخنا الكثير من الايجابيات، خاصة عندما نرجح كفة التشدد على العقل والسياسة. كل صعب وسيء كان يحدث باسم الدين. استعباد باسم الدين. فوضى باسم الدين. وقتل باسم الدين. حتى المسيحية لم ترحم احدا عندما اصبحت هي القول الأول والأخير في المجتمع. كلنا مسلمون. كلنا مؤمنون. لندع كل انسان يؤمن بالطريقة التي يحب. لسنا في حاجة الى من يؤسس حكومة تخبرنا كيف علينا أن نأكل دون ان يشاركنا الشيطان طعامنا، وكيف نوقع معاهدات مع اهل الذمة الكفرة، وكيف نتعامل مع الاقتصاد العالمي الربوي الشيطاني. قلت في حوار سابق ان الإعلام الحكومي ميت والإعلام الخاص، نصف ميت ونصف خائف، وما بين الخوف والموت خيط رقيق يحاول البعض السير عليه بحذر وجرأة..ما هي نظرتك كصحافي واعلامي لمستقبل الإعلام في الوطن العربي وخاصة بعد الربيع العربي الذي عشنا ومازلنا نعيش احداثه؟ هل في نظرك أن الاعلام العربي قد تطور بعد الاحداث الأخيرة؟ انا لست ارى ذلك، حتى الآن على الاقل. انظر حولك. لقد تحول الاعلام الرسمي، من التمجيد لحاكم واحد، الى متاهة التمجيد لأكثر من متنفذ. لا يمكن أن تتوقع من اعلام رسمي، سار على نفس الوتيرة في العالم العربي منذ عقود طويلة ان يتغير بين ليلة وضحاها. العقول التي تدير الاعلام الرسمي ما تزال موجودة، بل وراسخة في مواقعها. قل لي أنت كيف ترى الاعلام الخليجي على سبيل المثال. بدلا من الاستفادة من ميزات ما حدث، واستخلاص العبرة من اخطاء ما حدث، نجده يغرد ممجداً برامج التنمية المحلية التي وكأنها وهبت لنا بلا استحقاق. ثم، وحتى بافتراض وجود برامج تنمية تطور العقول، لماذا لا يدخل الاعلام الرسمي، وغير الرسمي ايضا، ضمن هذا التطور؟ ما جديد هاني نقشبندي في الصحافه وفي الأدب؟ في الصحافة، سأطلق قريبا موقعا كبيرا لمجلة "ماي مول" والمجموعة ككل. ومؤخرا تم تسجيل اسم المجلة وشعارها كعلامة تجارية دولية، بما يمكننا من اصدار نفس المجلة، ولكن بطبعات مختلفة ومضمون مختلف لكل بلد عربي، وفق اتفاقيات خاصة مع دور نشر محلية. اما على صعيد الأدب، فأعمل على رواية جديدة قد تصدر مطلع العام 2014. ان سألتني ما عنوانها فلست أعلم. وان سألتني ما مضمونها فلست اعلم ايضا. كل ما أراه الآن هو ملامح بعيدة لها تتحدث عن علاقة روحية تربط بين امرأة قوية ورجل ميت.