.. للانتخابات الرئاسية «الأولي» في تاريخ مصر التي أجريت في السابع من سبتمبر 2005! .. ذكريات عظيمة، وأليمة، مشرفة، ومؤسفة، مبشرة، ومحزنة، تخزنها الذاكرة لهذا اليوم! .. كان بالإمكان أن يصبح 7 سبتمبر 2005 عيداً حقيقياً للديمقراطية في مصر ومولداً لعصر جديد! .. إلا أن غربان الشؤم والفساد والاستبداد نجحت في تحويله لسرادق نتلقي فيه العزاء في الحرية والديمقراطية! أسوأ ما حدث كان الصياغة الإبليسية في تعديل المادة 76 من الدستور بهدف التضييق علي حق الترشيح، ثم التضييق - مرة أخري - علي من تسمح لهم بالترشيح في مدة الدعاية «18يوماً» أو الحق في الطعن «24 ساعة»، بل تحظر الطعن - بأي شكل - علي قرارات اللجنة الانتخابية الرئاسية التي نسفت العملية الانتخابية من أساسها. ..الخطأ الأفدح كان قصر الدعوة لانتخاب رئيس الجمهورية علي 10% فقط من المصريين - وهم المقيدون في الجداول الانتخابية وهو إجراء لا مبرر له في الانتخابات الرئاسية، حيث كل الجمهورية دائرة انتخابية واحدة، وهو ما يحدث في كل بلدان العالم، حيث يتم انتخاب الرئيس بالبطاقة الشخصية!! .. الأغرب هو أن اللجنة رفضت أن تفتح باب القيد في الجداول بالإعلان عن الانتخابات الرئاسية المتعددة. وكان في نهاية فبراير 2005 أي عقب إعلان باب القيد الانتخابي الذي تحدد له وزارة الداخلية شهري ديسمبر ويناير فقط من كل عام، وهو ما حال دون حق 90% من الشعب المصري أن يشارك بصوته واختياره. .. أجريت الانتخابات علي جداول انتخابية «فاسدة» الأموات فيها أكثر من الأحياء، حيث إن هذه الجداول أعدت من منتصف الخمسينيات من القرن الماضي! حيث جانب ليس بالقليل من المسجلين هم من مواليد العشرينيات من القرن الماضي! أي أن أعمارهم يوم انتخابات الرئاسة بين 75 و85 عاماً! وهو أعلي من متوسط الأعمار الطبيعي في مصر! .. الأكثر إثارة للدهشة والأسف أن وزارة الداخلية التي سبق أن أعلنت أنها تقوم بالقيد التلقائي لكل مواليد أعوام «1981، 1982، 1983، 1984، 1985، 1986» وهم يمثلون 13% من الشعب المصري، إلا أنها امتنعت عن تسليمهم بطاقاتهم الانتخابية قبل الانتخابات الرئاسية في 7 سبتمبر 2005، لأنها بالطبع كانت تعلم أن هذا الجيل لن يصوت لمبارك. .. أضف إلي ما سبق أن اللجنة الانتخابية رفضت حق التصويت لخمسة ملايين مصري هم المقيمون بالخارج عبر السفارات المصرية، وهو ما يحدث في معظم دول العالم التي تتحول سفاراتها لمقار لجان انتخابية، حيث يتم التصويت والفرز وإعلان نتائج في حضور مندوبي المرشحين. .. إذا كان كل ما سبق هو مما يمكن تسميته بالتزوير المسبق، فما حدث يوم 7 سبتمبر نفسه كان مأساة من نوع «خاص»، حيث كانت سيارات «الدولة» والمحليات تطوف في القري بمكبرات الصوت، لتقول: «كل من لا يذهب لانتخاب الرئيس مبارك ستوقع عليه غرامة 100 جنيه»! في إشارة معلومة لغرامة المتخلف عن التصويت التي لا توقع ولا تنفذ وتم ربطها بانتخاب مبارك! .. في المدن كانت المهزلة مختلفة، حيث تم فتح ما يسمي بلجان «الوافدين» للحافلات الجوالة والتي تنقل عمال بعض المصانع والمصالح للتصويت المتكرر من لجنة إلي لجنة، في حين أعداد ضخمة من حاملي البطاقات الانتخابية لم يتمكنوا من الوصول لأماكن تصويتهم التي تم تعديلها للحيلولة دون تمكن الناخبين من الوصول لمقار الانتخاب ليقولوا كلمتهم. .. في نهاية 7 سبتمبر 2005 كانت لدينا مئات البلاغات عن وقائع تزوير مفضوح وتجاوزات خطيرة من الإسكندرية لأسوان، ولم يكن لدينا غير ساعات وفقاً للقانون العجيب لتقديمها للجنة الانتخابات الرئاسية. .. عندما ذهبت لتقديم الطعون أبلغني أحد المسئولين باللجنة أنه لا داعي للطعن وأنني حللت ثانياً وفقاً للنتائج الأولية وبنسبة تتجاوز 22% من الأصوات، رفضت نصيحة المسئول وقدمت الطعن. .. وقبل أن أصل إلي مكتبي كانت اللجنة تعلن في التليفزيون رفض الطعن وتعلن أن النتيجة هي فوز الرئيس وحلولي ثانياً ب 8% فقط! ويبدو أن الباقي خصم عقاباً علي الإصرار علي الطعن. .. لم يتح لنا ولليوم استلام النتائج ومراجعة العد والرصد - خصوصاً - للنتائج العامة التي يبدو أن اللجنة مارسته علي طريقة نجيب الريحاني.