في أثناء طريقها إلى مصر، كانت الأحلام تتداخل في رأس الفتاة الصغيرة وردة محمد فتوكي، بعد أن تركت بلدها الجزائر، وهى تحلم بتفاصيل لا يعرف ملامحها سواها. عند وصولها كانت الصدمة الأولى عندما نصحها المقربون بإعادة تقديم الأغاني القديمة بصوتها، وتحديدا أم كلثوم، وإلا فلا نجاح لها فى مصر، فكان ردها سريعا وحاسما: «أُفضِّل أن أكون وردة على أن أكون أم كلثوم ثانية». رفضت وردة أن تغني لغيرها وداخلها إيمان قوي بذلك اليوم الذي سيعيد فيه كبار المطربين تقديم أغانيها بأصواتهم وقد كان.. فاستحقت عن جدارة لقب: «أكثر مطربة غنى لها الآخرون»، فمن الأسهل أن نذكر أسماء المطربين الذين لم يغنوا لوردة على أن نحصر عدد من غنوا لها، أغنيتها «أكدب عليك» هى الأكثر تداولا بأصوات المطربين سواء فضل شاكر أو شيرين عبد الوهاب أو جنات أو ديانا كرزون، وكذلك «حكايتى مع الزمان» التى غناها كل من منير وآمال ماهر ونوال الزغبى، أما فضل شاكر ونانسى عجرم فهما أكثر من غنى لها. فقد اختارت نانسى أن تغنى «قال إيه بيسأل عليا»، و«لو سألوك»، و«اللى كان»، و«اسمعوني»، بينما غنى فضل بصوته «ماعندكش فكرة»، و«في يوم وليلة»، و«العيون السود»، و«احضنوا الأيام»، و«لو سألوك»، أما أصالة فغنت لها «والله والله»، و«اسمعونى» ،و«خليك هنا»، و«لولا الملامة»، و«فى يوم وليلة»، بينما غنت لها إليسا «مالى»، واختار كل من خالد سليم وأنغام أغنية «فى يوم وليلة»، وغنت لها شيرين عبد الوهاب «بتونس بيك»، و«العيون السود»، أما جورج وسوف فغنى لها «خليك هنا»، هذا بجانب نبيل شعيل، وهيفاء وهبى، ومحمد الحلو، وأحمد سعد، وعبد الفتاح الجرينى، وهيثم شاكر، وأبو الليف، وغادة رجب وغيرهم.
والحقيقة أن عدد أغنياتها بأصوات الآخرين لم يكن الرقم القياسى الوحيد فى حياة وردة الغناء العربى، فقد امتلأت حياتها بأرقام قياسية لم يحققها مطرب عربي غيرها، يكفي أنها أول مطربة جزائرية احترفت الغناء في مصر، فقد كانت لبنان هى المحطة الأولى التى يصل منها الفنانون (وما زالت)، أما الجزائر فلم تدخل المنافسة الفنية فى مصر إلا بظهور وردة، لذا كان من السهل أن «يعلمها» الجمهور فى بدايتها بالجزائرية.
لم تتوقف وردة الجزائرية بعدها إلا لتلتقط أنفاسها لاستكمال الطريق، ومع ذلك كانت أكثر مطربة عربية قد طالبوها بالاعتزال، سواء مطالبات من الجمهور أو زملائها الفنانين، وذلك حرصا منهم على تاريخها الفنى فى أيامها الأخيرة. الجمهور الكويتى فعلها بعد حفل ليالى فبراير الأخير، كما سبقهم فضل شاكر ووليد توفيق والملحن صلاح الشرنوبى حين أعلنوها صراحة: «يا وردة أرجوكي اعتزلي الغناء»، وذلك مراعاة لظروفها الصحية الأخيرة وعدم قدرتها على الغناء بنفس الكفاءة. الغريب أن وردة وعلى الرغم من إجرائها عملية قلب مفتوح وأخرى لزرع الكبد لم تنطلق حولها شائعات الوفاة كغيرها من الفنانين، فشائعة الوفاة الوحيدة التى انتشرت حولها بقوة كانت قبل عدة أسابيع من وفاتها، ونفتها وردة بقولها: «سأغنى لآخر نفس فى عمرى» وكان لها ما تمنت.