لا أعرف ما هي علاقة الست نزيهة بإنتخابات الرئاسة التي تديرها لجنة منزهة عن الخطأ (بحكم الإعلان الدستوري) تحت إشراف مجلس عسكري لا يأتيه الباطل من قبل ومن بعد (بحكم إنه حمى الثورة) التصريحات التي تقحم الست نزيهة في كل حديث رسمي عن الإنتخابات سواء من اللجنة الموقرة أو من المجلس الموقر ليس لها أي محل من الإعراب إذا لم يواكبها إجراءات جدية على الأرض نلمسها.
الجواب يظهر من عنوانه .. والإنتخابات الرئاسية تظهر جديتها من بوابة المصريين في الخارج .. التي تمثل كشف العذرية الأول للست نزيهة "اللي كل تصريحات المسؤولين جايبة سيرتها بكل خير ".. حتى الآن ومن واقع تجربتي الشخصية أستطيع أن أؤكد أن الست نزيهة الإنتخابية "ملطوطة" وأن كل الطوابير المصطفة أمام قنصليات مصر وسفاراتها في الخارج لا تقدم سوى ديكور ديمقراطي جميل لعملية إنتخابية مليئة بالثغرات الإجرائية التي تجعل إفتراض نزاهتها هو من باب حسن النية المطلقة التي تقترب من "الهطل".
تم إفتتاح التصويت في القنصلية المصرية في دبي يوم الجمعة حيث يوجد 33 ألف صوت إنتخابي .. النظام رائع وبديع والإقبال كبير لكن هناك لمسة صغيرة مفتقدة .. لا توجد كشوف للناخبين يوقع عليها الناخب بعد الإدلاء بصوته .. هذا معناه ببساطة أن أي شخص يمكن أن ينهي عملية التصويت ثم يدور ليقف في الطابور من جديد ليعيد التصويت .. وإذا قال له الموظف "الكومبيوتر بيقول إنك قمت بالتصويت" سيقول له إثبت ذلك .. وفي غياب وجود كشوف الناخبين يصبح إثبات ذلك أمرا مستحيلا .. المهم تقدم المصريون بالعديد من الشكاوي حول هذه المخالفة في أول يومين من التصويت .. فاعتذر المسؤولون بالقنصلية .. "معلهش وإحنا ما نعرفش .. وتداركنا الخطأ" .. وفي اليوم الثالث أعلنوا أنه سيتم التوقيع على كشوف الناخبين .. وتوقعنا أنه كان مجرد سهو تم تداركه .. ولكن الذي حدث هو أن مسؤولي السفارة وضعوا دفتر أوراق بيضاء بجوار الصندوق .. وكل مواطن يدلي بصوته يقوم بعدها بكتابة إسمه .. "يكتب حسين يكتب محمد ما يهمش" .. هذه ليست كشوف الناخبين التي يفترض أن تحمل جميع المقيدة أسماؤهم في القنصلية.. هذا مجرد إجراء مرتجل ليس له معنى وكأنهم يتعاملون مع أطفال "عايزين توقعوا على ورق .. آدي ورق آهو وقعوا عليه"
ما أتفه الملحوظة لو تعاملنا معها بمنطق عدد الأصوات .. فعدد أصوات المصريين في الخارج لن يمثل 2% من إجمالي المصوتين .. ولكن ما أعظم الملحوظة لو نظرنا إليها من منطلق "الجدية" التي يتم التعامل بها مع إجراءات التصويت .. فليس من المفترض أن يتم التصويت في غير وجود مندوبي المرشحين .. وليس من المفترض ألا نعلم ماذا يحدث للصناديق التي تمتلئ وتفرغ كل يوم ..
هناك أسئلة جدية للجنة العليا للإنتخابات (المنزهة عن الخطأ طبقا للمادة 28 المعيبة) لم تجب عنها إلى الآن وتفتح أبواب النقد والإتهامات بالتزوير من قبل أن تبدأ الإنتخابات الأكثر حسما في تاريخ مصر
وهذه التساؤلات أطرحها على اللجنة وأرجو الإجابة عنها : ** السؤال الأول يتعلق بعدد من لهم حق التصويت في إنتخابات الرئاسة .. في الإستفتاء على الإعلان الدستوري الذي جرى في مارس 2011 كان عدد من لهم حق التصويت طبقا للتصريحات الرسمية هو 41 مليونا .. وفي الإنتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر 2011 قفز عدد من لهم حق التصويت إلى أكثر من خمسين مليون .. أي أننا نتحدث عن زيادة قدرها حوالي 9 ملايين صوت في ستة أشهر .. ولم يهتم أحد على الإطلاق بتوضيح كيف حدثت هذه الزيادة .. بالتأكيد هي ليست زيادة طبيعية في عدد السكان .. وبالتأكيد أن تطهير الكشوف الإنتخابية من أسماء الموتى والأسماء المكررة التي كان النظام السابق يعتمد عليها لتزوير الإنتخابات كان حريا بها أن تقلل من أعداد المصوتين وليس أن تزيدهم .. ولذلك فمن العبث الحديث عن أي إنتخابات حقيقة دون الإجابة عن هذا السؤال الفني الذي يفتح الباب أمام إتهامات لا حصر لها بالتواطئ والتزوير المسبق في كشوف الناخبين.
** السؤال الثاني يتعلق بإجراء الإنتخابات على يومين .. نحن لا نثق بمسألة مبيت الصناديق في حضن الحكومة وحراستها من قبل الشرطة أو المجلس العسكري فقد ثبت أنها أطراف غير محايدة .. والإنتخابات الرئاسية في معظم بقاع العالم تجري على يوم واحد فقط وهذا ما يجب أن تكون عليه الإنتخابات الرئاسية القادمة في مصر .. على يوم واحد وأن تتم عمليات الفرز فور إنتهاء الإقتراع.
** السؤال الثالث يتعلق بخرافة الغرامة المالية لمن يتخلف عن التصويت .. فقد توعدت اللجنة العليا المشرفة عن الإنتخابات البرلمانية المتخلفين بغرامة قدرها 500 جنية .. وإذا إفترضنا أن هناك أكثر من عشرين مليونا قد تخلفوا عن إنتخابات مجلس الشعب وأكثر من أربعين مليونا تخلفوا عن إنتخابات الشورى .. فمن المفترض أن ميزانية الدولة قد إنتعشت بأكثر من 30 مليار جنية إجمالي الغرامات .. وهذا بالطبع لم يحدث .. ولكن ما حدث أن الخوف من الغرامة دفع الملايين للذهاب إلى الصناديق بدون رغبة حقيقية أو وعي سياسي بأهمية الدور الذي يمارسه وكان هذا جزءا من الكارثة التي أفرزتها صناديق الإنتخابات البرلمانية بمجلسيها .. وتكرار هذه المهزلة في الإنتخابات الرئاسية أمر غير مقبول بالمرة.
للراحل العظيم توفيق الحكيم رواية شهيرة كتبها في الثلاثينيات من القرن العشرين هي يوميات نائب في الأرياف يروي فيها مشاهداته خلال عمله كوكيل نيابة في هذه الفترة .. يحدثنا عمنا توفيق الحكيم عن مأمور أحد المراكز الذي يعتبر نفسه "ديمقراطي جدا" في أيام الإنتخابات .. فهو لا يفعل مثل باقي رجال الشرطة الذين يجبرون الفلاحين على التصويت لمرشح الحكومة .. بل يتركهم يصوتون براحتهم .. وفي نهاية اليوم يلقي بالصناديق ويحضر صناديق جديدة فيها التصويت الذي تريده الحكومة .. هذه هي منتهى الديمقراطية في نظر المأمور الذي حدثنا عنه توفيق الحكيم في الثلاثينيات .. نرجو ألا يكون هذا المأمور قد تم إستنساخه لنا في القرن الحادي والعشرين ليقيم لنا إنتخابات ديمقراطية موديل سنة 1930