كعادة وزارة الإعلام، تخبطت، وأكد الوزير أحمد أنيس أنه لم يُصدر أمرًا بالمنع، وأن الشيخ حازم أبو إسماعيل مرحَب به على شاشة «ماسبيرو»، وأنه لا وجود للقوائم السوداء، كما أن مدير «الفضائية المصرية» علاء بسيونى سارع أيضا إلى تأكيد أنه لا توجد أى ممنوعات.. كل هذا تعودنا عليه، الجديد أن مذيع الهواء أسامة كمال الذى يقدم برنامج «هنا العاصمة» هو الذى هاجم الوزير على الهواء، وأكد أنه بالفعل أصدر هذا القرار!! وهكذا عدنا إلى المربع رقم واحد قبل ثورة يناير، باستخدام سلاح المنع الذى لا يزال مشرّعا فى الإعلام الرسمى.. مثلا أغنية «مطلوب دكر» التى أذاعتها محطة الأغانى قبل نحو شهر صدرت تعليمات بعدم إذاعتها.. كالعادة صرح الوزير أنه لم يمنع شيئا، ولكنها شائعات تريد ضرب الإعلام الرسمى، والغريب أننى قبل أيام استمعت بالصدفة إلى مذيع البرنامج الذى تلقى طلبا من أحد المستمعين بإذاعتها، فقال له إنه لا يستطيع، لأن هناك تعليمات علوية بالمصادرة!!
إذا كنت مثلى ترى فى قضية حازم أبو إسماعيل جنوحا غير مبرر، وكنت أيضا لا ترتاح إلى كلمات أغنية «مطلوب دكر» التى تتحدث عن مواصفات رئيس الجمهورية القادم، فإن هذا لا يمكن أن يبرر ذلك المصادرة.
الحقيقة هى أننا لا نزال نعيش فى ظل زمن رقابى لم تتغير معالمه بعد، حتى لجنة مراقبة الانتخابات فضائيا هى فى النهاية لجنة حكومية شكّلها الوزير وأسندها إلى صفوت العالم، أحد معالم هذا الزمن فى «ميديا» الإعلام، الذين يعرفون بالضبط ما الذى تريده الدولة الرسمية، ولهذا تُسند إليهم مسؤولية هذه اللجان الرقابية التى تصب فى النهاية لصالح الحاكم العسكرى.
لا أحد من الممكن أن يتصور تغييرا حادثا فى إعلام تعود أن يصبح صدى لما تريده الدولة.. أتصور أن اللقاء الممنوع بين حازم وأسامة كان سيصب فى صالح الاتجاه الكاشف لتجاوزات أبو إسماعيل، ولكن الإعلام المصرى الرسمى لا يزال فى علاقة ملتبسة مع النظام الحاكم، فهو تابع له، ولكن عليه بين الحين والآخر أن يلعب مع النظام «كده وكده»، يقدم إشارة إلى الناس أنه ليس مع النظام، ويشاغب، وعلى النظام الموافقة على قواعد اللعبة، وهكذا يصبح الشرط هو عدم المساس بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأحيانا يخضع الأمر لقدر من الاجتهاد.. هل هذا اللقاء سيلقى ترحيبا من المجلس الأعلى؟ وهل منع فلان أو تلميع علان هو المطلوب الآن؟ وفى تلك المساحة من الممكن أن يلجأ الوزير إلى إصدار قرارات -غالبا شفهية حتى لا تحسب مباشرة عليه- يقرأ من خلالها ما يعتقد أنه يصب لصالح الحاكم العسكرى!!
الإعلام الرسمى بعد الثورة تراجع بخطوات عما كان قد وصل إليه.. نعم كنا فى ذيل القائمة مع اندلاع الثورة، ولكنه فقد الآن حتى اللحاق بالذيل.. عنصر واحد فقط أراه يلعب دورا إيجابيًّا، ومن الممكن أن يغير فى المعادلة. إنه تضاؤل حالة الخضوع المطلق للقيادة التى كانت فى نهاية الأمر تملك الكثير من الأوراق، وهكذا رأيت أكثر من مذيع ينتقد وزير الإعلام على الهواء.. المذيع الآن أصبح يشعر أنه ليس موظفا ولكنه أمام الناس له ثمن ورأى، وليس عبدا للمأمور، فهو حتى لو كان يتعامل مع قطاع جماهيرى محدود، فإنهم يشكلون فى كل الأحوال قاعدة يحرص عليها لتأكيد مصداقيته ولإبراء ساحته من الخضوع لما يريده الإعلام الرسمى.
لم يعد أحد يتقبل مبدأ المذيع الذى يتحرك على طريقة «زكى قدرة»، يقولون له «ادبح يا قدرة يدبح».. دخل فى المعادلة حرص المذيع على اسمه أو صناعة اسمه، وهكذا شاهدنا مذيعين داخل وخارج «ماسبيرو» وهم يعلنون مواقفهم ضد أصحاب المحطات التى يعملون بها وعلى الهواء!!
«ماسبيرو» يظل آخر الخط، لأنه لا يعترف سوى بالرئيس العسكرى.. من المؤكد أن أحمد أنيس يعلم أن قوته تكمن فى رضا المجلس العسكرى، والحفاظ على وجوده فى الوزارة مرهون بشىء واحد فقط هو ولاؤه للقيادة العسكرية، سواء جاءت التعليمات مباشرة أو اعتمدت على قدرته على الاجتهاد، فهو فى النهاية صوت لهم ولا يملك سوى الرقص على إيقاعهم.. «ريما» لا تنسى أبدا عادتها القديمة وسكّتها اللئيمة!!