أصالة تغنى للوطن لنصرة شباب الثورة، بينما شقيقها «أيهم» يشهّر بها فى دمشق ويعتبرها هى والشيطان سواء.. نعم النظام السورى بلغ به حد القسوة أنه لا يقبل إلا مثل هذه المواقف التى من الممكن أن نرى فيها الإنسان ينهش لحم وعرض أقرب الناس إليه.. إنه الترغيب والترهيب، النظام السورى يملك السلاحين معا، وهو لا يجد غضاضة فى أن يصل فى عنفه إلى أقسى درجة، لأن الصراع الآن لم يعد الكرسى، ولكنه حياة أو موت، فلا يمكن أن يتكرر سيناريو اليمن فى سوريا ويلقى الأسد مصير على عبد الله صالح، ويغادر البلاد معززا مكرما، ولن يتكرر ما يحدث فى مصر من محاكمة ورعاية خاصة لمبارك، ولا يمكن أن يهرب مثل بن على إلى أى دولة مجاورة، حتى ولو كانت إيران، فهى لن تستطيع حمايته من غضب الجماهير.. خارطة الطريق الوحيدة الممكنة التى تتوافق مع الحالة السورية هى ليبيا، وينتظره هو ومن معه مصير القذافى، ولهذا فإن المعركة سوف تطول، والمعاناة ستستمر، لا أعتقد أن النظام لديه حل آخر، فهو لا يستطيع أن يتراجع عن المواجهة الدامية. الدولة تواجه مأزقا اقتصاديا، فلا دول الخليج معها، ولا أوروبا، ولا توجد أى صفقات تجارية آمنة، والليرة السورية تفقد كل قوتها تدريجيا، وتركيبة السورى التاجر الذى يحسب الربح والخسارة سوف تسيطر عليه فى لحظة، إذا وجد أن خسائره تتجاوز حتى خوفه من النظام، فى هذه الحالة سوف يجد بشار أن أقرب أصدقائه يتمردون عليه.
فى ظل كل ذلك، ما دور الفنان؟ أصالة تغنى قصيدة عشق، كتبها نزار لدمشق.. هل لو كان نزار على قيد الحياة سيختار الأسد أم الشعب؟ يقينا كان الرجل الدمشقى الهوى والهوية سيختار الشعب.. نزار لم يشهد توريث الحكم السورى إلى بشار، مات قبلها بعامين، ولكنى أتصور أنه ربما التزم الصمت وقتها خوفا، إلا أنه مع اندلاع الثورة كان حتما سيخرج عن خوفه وصمته وينحاز إلى الشعب.
وهذا هو ما كنت أتوقعه من الفنان السورى، ولكن على أرض الواقع ستجد أن الأغلبية تؤيد الأسد مباشرة وصوتها يعلو فى أجهزة الإعلام مثل سلاف فواخرجى ورغدة ودريد لحام، هؤلاء هم المباشرون فى التأييد والمبايعة، وهناك قطاع يبقى على شعرة معاوية مع الشعب، وهو لهذا يعلن أنه مع إيقاف نزيف الوطن، ويطالب بهامش أكبر من الحرية، ولكنه لا يقترب مباشرة من الأسد، ومن هؤلاء تجد مثلا جمال سليمان وكندة علوش وجومانة مراد ينحازون إلى الشعب، ولكنهم لا يحمّلون النظام المسؤولية!!
لا أعتقد أن السلطة الباطشة ترحب بمن يقف على الحياد، ولكن النظام فى نفس الوقت لا يستطيع أن يشرع الآن فى محاسبتهم، هو فقط ينتظر أن يلملم أشلاءه، وبعدها يصبح على كل منهم أن يسدد الثمن، ولكن مع أصالة الأمر يختلف، هى الآن تحت مرمى نيران الأجهزة السورية، وتبدأ الضربات الأولى من الأهل، كثيرا ما رأينا كيف يتبرأ الأب من ابنه أو ابنته فى مقابل الحفاظ على مكاسبه، وإذا لم تنفع حكاية المكاسب فإنه على الأقل سوف يستجيب خوفا على حياته.
أصالة قدمت حفلا تذهب حصيلته لدعم الثورة والثوار.. كانت تبكى وهى تردد شعر نزار قبانى فى قصيدته الشهيرة «أنا الدمشقى» فى الحفل الذى أقيم فى روتردام فى هولندا قبل أيام.. «هذى دمشق.. هذى الكأس والراح.. إنى أحب وبعض الحب دباح.. أنا الدمشقى لو شرّحتم جسدى لسال منه عناقيد وتفاح.. ولو فتحتم شرايينى بمُديتكم سمعتم فى دمى أصوات من راحوا.. زراعة القلب تشفى بعض من عشقوا.. وما لقلبى إذا أحببت جراح».
أصالة اتخذت موقفا لا يعرف المهادنة ولا الحلول الوسط، صحيح هى فى مصر بعيدا عن مخالب الأسد، إلا أنه بين الحين والآخر يرسل دائما زئيره إليها، بعد أن قرر الإعلام السورى أن يحيلها إلى لوحة «تنشين»، كل من يريد إثبات ولائه لبشار يوجه ضرباته إلى أصالة.. منذ اللحظة الأولى وهى تعرف بالضبط أن دورها أن تقول لا للطاغية، وأن تنحاز إلى الشعب، وهى موقنة أن «بعض الحب دباح»!!