قبل ان تقرأ ما من احد قابلني أو هاتفني الا ويسألني : معقولة كانوا حيعدموك في السعودية لولا دعاء الوالدين .. وإيه الحكاية بالضبط .. وليه؟
شيء اخر أسعدني جدا جدا لما للحلقتين السابقتين من رد فعل جيد ، وكنت حقيقة اظن العكس .. حيث اتصل بي ابن اخي وهو مهندس في الرياض واسمه هاني سمير وقال لي : الذين يتابعون الدستور الاصلي ، وهم كثيرون جدا هنا في الرياض سواء كانوا مصريين او سعوديين او اى جنسية عربية اخرى ، مبسوطين جدا مما كتبته ويرونه عين العقل ، فلا انت " تطبل للسعودية " ولا انت تهاجمها بلا وعي .. فقط ذكرت حقيقة وتجربة مررت بها فيها من الصدق والعفوية بحيث لاتدع مجالا لأحد ان يشكك في صحة ما تقوله .. وأكد ابن اخي : ان حادثة الجيزاوي جاءت برد فعل ايجابي جدا على الطرفين .. السعوديين والمصريين هناك في الرياض حيث زاد التآلف بينهما ، وهناك حملة نبيلة من السعوديين الشباب الجميل على تويتر " مصري تعلمت منه " يعطيك دليلا قاطعا ان الاجيال الحاضرة الان في السعودية فيها من الوعي والنباهة الشيء الكثير.
كنت في مكتب جريدة الشرق الاوسط بالرياض اكتب في الشؤون الفنية والثقافية وعلاقتي بالسياسة مجرد قارئ متابع جيد لما يدور حوله وفي الوطن الكبير من احداث ، لكنني لم اتعرض في هذا الوقت في عام 81 تحديدا لأى موضوع سياسي لا من قريب ولا من بعيد .. " مش مجالي " .. الى جانب ومن " عشرتي " ومتابعتي لزملاء كثيرين من السعوديين كنت أدرك ان هناك خطوطا، لا أقول حمراء ولكن سوداء ، اذا اقتربت منها ، فليلة اللي خلفوا اهلك سودا .. لذلك فيما يخص الاسرة الحاكمة تحديدا فيعملون بمقولة : لتقل خيرا او لتصمت .. اتحدث عن فترة الثمانينات .. وزاد الحرص المغالى فيه من جانب الصحافة السعودية وكتّابها الكبار انهم يبتعدون عامة عن انتقاد اى جهة فيها مسؤول كبير ، وكما قلت امس أخرك تنتقد مدير ادارة تعليمية .. مسؤول في مؤسسة زراعية .. لكن ان يعلو سقف طموحاتك وتضرب في العلالي .. انسى.
المهم .. فوجئت وانا جالس في المكتب بالأستاذ الاديب السعودي الكبير عبد الله الجفري رحمه الله وكان مديري المباشر من جدة .. وهذا الرجل شهد له بعلمه ونبوغه وحلاوة اسلوبه ورقيه الكثيرون ، وكان له عمود يومي في الشرق الاوسط بالصفحة الاخير ة " ظلال " وكان ايضا اكثر الادباء والصحفيين السعوديين انتشارا في العالم العربي وله كتابات كثيرة في مجلات عربية منها " كل الناس " و " سيداتي انساتي " ، الى جانب " سيدتي " التابعة للمجموعة .. اقول فوجئت باتصال منه يقول فيه : احمد .. عايزينك في مهمة صعبة وانا واثق انك قدها ولن تخذل ثقتي فيك.
قلت : خير يا استاذ عبد الله .. قلقتني رد : تعرف الشيخ حمد الجاسر قلت : طبعا اعرفه فقال : هذا عباس العقاد بتاع السعودية ، نطلق عليه علامة الجزيرة .. رجل كبير سنا ومقاما وله تاريخ طويل وهو الذي انشأ مجلة اليمامة كأول مجلة في السعودية وصارت مؤسسة عملاقة خرج منها اصدارات كثيرة على رأسها جريدة الرياض . قلت : ما شاء الله .. المهم ايه المطلوب منى قال : طلبنا منه ان يكتب لنا مقالا اسبوعيا في الشرق الاوسط ونضمه ونتشرف بقامة كبيرة مثله في الجريدة ، لكنه اعتذر لعدم قدرته في سنه هذا - وكان يقترب في ذاك الوقت من السبعين - على الكتابة والالتزام .. ففكرت في وسيلة اخرى جديدة ومشوقة سبق ان فعلها عماد الدين اديب - وكان مدير مكتب الشرق الاوسط في القاهرة وقتها - حيث كتب سلسلة مقالات مع اسماعيل فهمي وكانت عبارة عن سؤال واحد فقط في موضوع محدد والاجابة تأتي على شكل مقال. ومطلوب منك ان تذهب الى الرجل وفي ذهنك موضوع محدد .. وتتحاور معه في شتى جوانب هذا الموضوع ثم اكتب سؤالك شاملا واجاباته كلها في شكل مقال متسق لا يقطعه سين وجيم.
شعرت بثقل المهمة وخطورتها لكنها ولّدت في تحديا محمودا .. فسوف اطرق مجالا لم يسبق لي ان طرقته ، وهو التحدث في الشأن السياسي العام ، وأنا أعرف يقينا ان هناك خطوطا حمراء وسوداء لا يجب الاقتراب منها .
في ذاك الوقت ، لم يكن هناك انترنت ولا يحزنون ، يتيح لي فرصة البحث عن كتابات الرجل للتعرف على رؤاه وفكره ، غير انني استعوضت ذلك بالسؤال عنه ، وأمدني زميل وصديق عزيز مصري كان يعشق هذا الرجل بمجموعة من مقالاته وبعض من كتبه .. فلممت بها على عجل وتوكلت على الله واتصلت به وكان عنده علم بالاتفاق مع الجفري عن الشكل الجديد الذي سننهجه في حواراتنا .
اعطاني الرجل موعدا في الخامسة .. فيها حاجة دي .. تعالى الساعة 5 .. اوكيه. وفي الخامسة بالضبط كنت على باب بيته وسألت عنه بالانتركم فردت على ابنته : ابويا نايم .. فقلت لها : ميعادي معاه الساعة 5 .. معقولة يكون نسي .. فاكتفت بالرد : هو نايم ومش ممكن يصحى دلوقتي.
مضطرا انصرفت ، وصبيحة اليوم الثاني اتصلت به اعاتبه بلين فقال لي : انت لم تأت في الميعاد فأكدت له : اقسم لك بالله خمسة بالدقيقة كنت عندك .. فضحك وقال : جئت 5 المغرب ، وانا اقصد الخامسة فجرا .
مندهشا سألته : 5 الفجر .. فيه ميعاد في الدنيا الساعة 5 الفجر؟ فرد : هذه هو الموعد الوحيد الذي استطيع مقابلتك فيه .. ان ناسبك حياك الله ، وان لم يناسبك حياك الله ايضا. .. ادي الله وادي حكمته .. 5 الفجر لازم اروح له واخوض التجربة واسأل الله التوفيق والسداد. بدأت اولى حلقاتي معه عن الاعلام .. هل بالضرورة كي تكون صحفيا نابغا ان تكون دارسا للصحافة والاعلام .. بمعنى الصحافة موهبة ام دراسة؟ .. وبدأت السلسلة تنشر تحت عنوان سؤال الاسبوع .. حلقتان " والتالتة تبتة " ليتني ما فكرت فيها وما تطرقت اليها. كان الملك فهد بن عبد العزيز في عام 81 وليا للعهد .. لكنه لكبر سن الملك خالد وقتها هو الملك الحقيقي والفاعل .. وكنت اعرف بالقطع ان القطيعة بين مصر والسعودية ايام السادات كانت بسبب معاهدة كامب ديفيد ، وكانت السعودية تحديدا على رأس المعترضين وبشدة على هذا الصلح الذي " جاب مناخير العرب الارض " .. وقرأت عن مؤتمر فاس في المغرب وفوجئت بوثيقة الفهد للسلام ذات البنود التسعة .. وفيها قناعة تامة بعملية السلام مع اسرائيل شريطة كذا وكذا .. بالضبط مثل معاهدة كامب ديفيد .. المهم الموافقة على مبدأ التصالح والسلام .. فكان سؤال الاسبوع للشيخ حمد الجاسر واذكره بعد 30 سنة كأنني لتوي كتبته : " قامت الدنيا ولم تقعد بعد ان وقّع السادات معاهدة كامب ديفيد ، واتهمته الدول العربية وعلى رأسها السعودية بالخيانة وبيع القضية .. وها نحن بعد مرور اقل من 4 سنوات على المعاهدة نجد ولي العهد السعودي الملك فهد يقر بمبدأ التصالح ويذهب الى فاس ومعه وثيقة السلام ذات البنود التسعة .. فكيف هاجمت السعودية السادات هجوما ضاريا ، وكيف تسير الان على نفس نهجه؟ " .. اى تناقض هذا وبماذا تفسره كرجل مخضرم لك تاريخ يشهد به الجميع؟
وفتح عمنا الشيخ حمد الجاسر النار كما لو انني بسؤالي هذا اعدت اليه سنوات شبابه وسهام كلماته النارية التي دفع ثمنها 11 عاما في السجن. قال الرجل عن السادات كلاما لو سمعه السادات نفسه بعد اغتياله لردت اليه روحه من الفخر والزهو والفرحة .. وفي المقابل انتقد وبضراوة سياسات وافكار ملوك وحكام الدول العربية الرافضة للسلام ، واتهمهم اتهامات اقلها انهم لا ينظرون الا تحت اقدامهم .. كلام كثير قاله الجاسر غير انني اكتب الخلاصة.
وانصرفت يومها وانا سعيد سعادة بالغة بحلقة هذا الاسبوع النارية .. ومنبع هذه السعادة - ودعوني اعترف لكم - قلة خبرتي وقتها وحماسي غير المحسوب خاصة وانا مغترب وفي بلد اعرف يقينا ماذا يمكن ان يحدث لو انك تعديت حدودك وتخطيت الخطوط السوداء واكرر وليست الحمراء .. ومن جهلي ايضا وقلة خبرتي حتى لحظة كتابة هذه الحلقة النارية لم اكن استخدم تسجيلا وكنت اكتفي بالكتابة وراء الرجل حيث انه كان يتكلم ببطء مريح لا يشتت ذهني ويجعل سؤالي حاضرا دون معاناة.
ونشر المقال الخميس وعدت الجمعة وانا من انتشائي كما لو كنت كسبت يومها مليون ريال .. ويوم السبت في الثامنة صباحا اتصل بي صديق عزيز وقبل ان يقول صباح الخير فاجأني : انت نايم والدنيا مقلوبة فقلت وانا ادعك عيني احاول ان افيق : يا اخي قول صباح الخير الاول .. فيه ايه ؟ رد : فيه مصيبة سودا مستنياك بعصبية قلت : اعوذ بالله من صباحك يا اخي .. ايه اللي حصل ؟ فرد : انزل اشتري جريدة الجزيرة وانت تعرف قلت : انا مش ناقص قلق .. فيه ايه بالضبط فرد : حمد الجاسر عامل حوار صفحتين في الجزيرة بيكدب كل الكلام اللي انت نشرته على لسانه وبيقول بالحرف الواحد بيني وبينه دليل مادي يثبت به ما قاله على لساني " يقصد بالطبع شريط تسجيل " قمت على عجل وارتديت ملابسي واشتريت الجزيرة وذهبت الى المكتب " بدري جدا" على غير المعتاد ففوجئت بالمدير الاداري واسمه عمرو حافظ في مكتبه وكان قبل اليوم لا يحضر قبل الثانية عشرة .. وبمجرد ان رآني وهو مرعوب طلب مني الاتصال فورا بالأستاذ عبد الله الجفري في جدة ، وسمعته يرددها مرارا : ربنا يستر .. ربنا يستر . اتصلت : ايوه يا استاذ عبد الله .. انا احمد .. فرد : اركب اول طيارة وتعالى على جدة .. ثم وهو يؤكد .. ومعك شريط التسجيل. لم ارد ، وادركت ان مصيبة سودا في انتظاري وانني حتما سأدفع ثمن جهلي وقلة خبرتي وحميتي الصحفية غير المحسوبة وفي المكان الخطأ. ساعتان في الطائرة عقلي يودي ويجيب ، وشياطين الدنيا تتنطط امام عيني .. وياترى ويا هل ترى حيعدموني ولا حيرموني في الربع الخالي " مكان معروف في السعودية .. سكة اللي يروح ما يرجعش " .. ولا اعرف لماذا تذكرت أمي رحمها الله في هذه اللحظة الصعبة الكئيبة ، وفي سمعي كلمة اختي قبل ان تفارق امي الحياة وكنت وقتها في الجيش ولم احضر حتى جنازتها – قالت لي اختي : والله يا احمد وهى بتطلع في الروح دعت لك انت بالذات.
وصلت الى جدة وقابلني الاستاذ الجفري مضطربا على غير عادته .. فقد اعتاد ان يأخذني في حضنه ويقبلني كلما التقيته هناك ، لكن هذه المرة – وله كل العذر – بمجرد ان رآني قال لي : فين التسجيل ؟ " بلمت " وبان على وشي ما زاده قلقا فأعاد السؤال : فين التسجيل يا احمد؟ فقلت : مفيش تسجيل .. للحظات كسي الذهول وجهه وكاد يُخرسه .. ثم بدهشة مصحوبة بقلق بالغ : بتقول مفيش تسجيل .. موضوع بكل هذه الخطورة وبتقول مفيش تسجيل .. انت بتهزر؟
فقلت له محاولا استجماع بعض من الشجاعة التي لحظتها لا املك منها شيئا : ايوه مفيش تسجيل .. ثم انا حافترض ان فيه تسجيل .. وحمد الجاسر مثلا بيسب الملك .. فهل في هذه الحالة سيكون حمد الجاسر وحده هو المُدان .. ام من سمح له بالسب ونشر ما قاله .. يعني عايز اقول مش التسجيل هو اللي حيطلعنا منها زي الشعرة م العجين .. ده الامير فهد يا استاذ عبد الله ولي العهد .. مش اى حد.
لم يمنع ابتسامة على شفتيه ارتسمت رغم ارادته وقال لي : ولما انت عارف ان ده الامير فهد ولي العهد ولو معاك تسجيل مش حيحميك .. كتبت الكلام ده ازاى ؟
قال الجفري : مش حا خلص منك ومن " لماضتك " .. احنا جريدة عربية نصدر من لندن وعندنا مساحة معقولة من الحرية ، ونستطيع ان نكتب ، شريطة الدليل وانت ببساطة شديدة " وتغيظ " تقول لي : مفيش تسجيل. والعمل يا استاذ عبد الله .. اسأله باضطراب اجاب باضطراب ايضا : العمل عمل ربنا .. اللي كاتبه يكون .. ثم سألني : اجبني بصراحة وانا واثق فيك .. حمد الجاسر قال لك كل ما كتبته؟ فأقسمت له بالله انني لم أزد كلمة واحدة .. كل ما فعلته وهذا حقي اعادة صياغة ما قاله بشكل لغوي وصحفي بعيدا عن اللهجة السعودية. فقال : وانا مصدقك. مبتسما قلت : مش مهم حضرتك تصدقني .. المهم ممكن يعملوا فيا ايه؟ فقال مبتسما ايضا : مش فيك لوحدك .. ربنا يستر علينا كلنا. .. وعدت الى الرياض .. وكلما صادفني شرطي اظنه سيقبض علي .. وكلما رن جرس الباب قرأت المعوذتين قبل ان افتح واجد المكوجي او الزبال .. ومر يوم واسبوع والجفري يتصل بي يسألني : حصل حاجة ؟ فأرد : لا .. وعندكم فيه حاجة فيرد : لأ.. الحمد لله.
ومر شهر وقد هدأت اعصابي الى حد بعيد وادركت ان الموضوع عدّى وخلص ولو كان هناك رد فعل لاتضح في 24 ساعة .. وكل مرة اتحدث فيها مع الجفري المس هدوءا يريحني حتى انتهى الموضوع تماما الذي كان كما قلت كفيلا بإعدامي " مش بقطع الرقبة كما هو معمول به في السعودية ولكن بنفيي الى الربع الخالي سكة اللي يروح ميرجعش.
المضحك في الامر ان الاستاذ الجفري بعد ان اطمأن قلبه مع اصحاب المؤسسة " الناشران محمد وهشام على حافظ " طلب منى طلبا عجيبا حيث قال : الحمد لله ان ربنا سترها و" عدّت " ، لكن يبقى شيء واحد ، وهو فرحة جريدة الجزيرة وهى تنشر حديثها مع الجاسر لتتهمنا بالضلال والكذب والتضليل. قلت له : مش مشكلة يا استاذنا .. ربنا يسامحها فرد : عندك انت مش مشكلة ، لكن عند الشرق الاوسط مشكلة .. ومشكلة كبيرة كمان. قلت : وايه المطلوب ؟ فرد : تفتكر نرد اعتبارنا ازاى ونؤكد اننا جريدة محترمة لا تكذب؟ قلت : مش عارف فرد : رد الاعتبار الوحيد - واعرف ان ما سأطلبه صعبا- ان يعود الجاسر مرة اخرى ليكتب في الشرق الاوسط .. في هذه الحالة سنثبت للقراء اننا كنا على حق والا ما عاد الرجل الينا مرة اخرى. قلت له: انت تطلب المستحيل فقال : اعرف لكن حاول ، واذا نجحت لك مني مكافأة شهر.
.. اغراني صراحة بحكاية المكافأة ولم يكن راتب شهر في 81 بالقليل ابدا .. فأدرت قرص التليفون واتصلت بحمد الجاسر .. وبمجرد ان سمع صوتي سألني بحنو غير مفتعل : حبيبي يا احمد انت لسه موجود .. فضحكت وقلت : هو المفروض اكون مت يعني .. فقال : صحيح يا ابني محدش قبض عليك ولا اتسجنت؟ .. قلت : واضح ان امي فعلا قبل ماتموت دعت لي .. المهم يا شيخ حمد انا عايز اشرب معاك الشاى فرد : يا اهلا يا حبيبي بيتك ومطرحك مثل مابتقولوا في مصر.
وشعرت ان نصف راتبي اصبح في جيبي من مجرد عدم ممانعته بالمجيء ، وعندما التقاني حضنني بمحبة شديدة وعاتبته برفق فقال لي ولن انسى ما حييت كلامه : انا دلوقتي في السبعين .. وكنت في سنك شجاع ولساني سيف باتر واتسجنت سنوات ليست ابدا بالقليلة ، اما الان وفي مثل هذا العمر - واعترف لك - لا املك من الشجاعة ما استطيع به ان انام على البرش تاني ، وابول واتبرز في جردل نتن .. ثم وهو يضحك : انت لسه صغير وشاب قوي تتحمل السجن وتكتسب خبرة حياتية شديدة لو تعرضت لمثل هذا الامر.
فقلت له ضاحكا : سجن ايه يا شيخ حمد .. انا جي اكل عيش مش ادخل السجن .. المهم ايه رأيك لو نستأنف المقالات تاني؟ .. فرد : انت صحفي شاطر وبتجر رجلي الى حيث لا اعرف اين ستحط .. مفيش عندي مشكلة .. لكن شرطي الوحيد بلاش كلام في السياسة .. فالتقطها منه فرحا وشعرت ان نصف الراتب الثاني دخل جيبي .. وعاد سؤال الاسبوع مرة اخرى .. لكن هل " حرمت وتبت " ؟ .. لأ .. يموت الزمار وصوابعه بتلعب .. اللي فيه داء مش ممكن يبطل ابدا.
اكيد سأحكي المزيد في اى مناسبة قادمة غير انني اريد ان اخلص من الحلقات الثلاث الى شيء واحد .. ليست السعودية على هذا النحو السيء الذي يتصوره البعض .. فها هو الامير سلمان وحكايته مع اللبناني وزوجته .. وها انا في المخابرات العامة السعودية لم اتعرض لأذى بدني ولا حد نفخني ولا حاجة .. صحيح اترميت في الحجز .. لكنه تصرف شخصي من ضابط لم تعحبه جرأتي ، وكان رئيس المخابرات مهذبا ولطيفا معى الى ابعد حد وهو يحقق - ومن حقه - في أمر يخصهم .. اما فيما انتهيت اليه بحكاية الشيخ حمد والملك فهد ، فقد اتضح لي ان الخوف في السعودية ليس من افعال الحكومة نفسها ولكن من الناس .. هم يخافون السلطة بالسليقة ، شأنهم شأن اى بلد عربي غير ديمقراطي .. يعني باختصار : الحاكم مش هو اللي سيء .. الناس هى اللي بتخاف. وطول ما انت خايف ، حيفضل الكبير مش مهتم .. والعكس صحيح .. اذا مخفتش وقلت .. لازم الكبير يراجع نفسه عشان يفضل كبير.
اطلت كثيرا غير انني لا اظنني كنت مملا .. وشكرا لكل من تابع الحلقات الثلاث بعناية ، ومن ردود العقلاء من القراء ادركت انني لم اكن ابدا " أؤذن في مالطة" .