سأحكي قصة واقعية عشتها ورأيتها بعيني وكانت وقتها ملء السمع والبصر وجسّدت لي العدل في أسمى معانيه متمثلا في شخص الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وقتها وحتى يومنا هذا. الحكاية كانت في عام 1981 وكنت وقتها أعمل بجريدة الشرق الأوسط في مكتب الرياض .. وكانت الصحف السعودية في ذلك الوقت تتعامل مع الحوادث بدرجة من الحساسية مفرطة ، رغم أن الجريمة هناك مثلها في أى مجتمع راق آو غير راق .. لكن هذه الجريمة التي سأحكيها لم تظهر للعلن إلا بعد ان وصلت تفاصيلها إلى الأمير سلمان الذي أمر يقص رقبة 10 من أفراد الأمن في ساحة العدل بالرياض لأنهم ارتكبوا جريمة فيها من الفحش والقذارة ما لا يستطيع أحد تصوره.
رجل لبناني ومعه زوجته كان عائدا إلى بيته على طريق الخرج " تبعد عن الرياض مسافة 30 كم تقريبا " ، وكانت الساعة قد تخطت منتصف الليل بساعة تقريبا .. وطريق الخرج في عام 81 طريق موحش ، وكانت تقع فيه حوادث مرورية كثيرة .. المهم كان اللبناني ومعه زوجته يمشي بسيارته على هذا الطريق فأوقفته دورية شرطية .. عادي كان هذا الأمر طبيعيا ، وتعرضنا له مئات المرات ، وكانت هذه الدوريات تبث في نفوسنا طمأنينة وأمانا ، اننا في بلد آمن ، ورجال شرطته " صاحيين ".
لكن أفراد هذه الدورية وكانوا كلهم مابين عريف ومساعد شرطة بعد أن أوقفوا سيارة الرجل ورأوا زوجته ، اخرجوا الاثنين .. وسحبوا الرجل اللبناني وربطوه في عامود إنارة ، وهو لا يعلم ماذا فعل ، ولماذا يتعاملون معه بهذه الطريقة اللا أدمية ، وزوجته المسكينة من هول الصدمة أصابها الخرس ، حتى أنها لم تستطع الصراخ ، عسى أن يسمعها أحد وينقذها مما نوى عليه أفراد الدورية الوحوش.
أمسكوها وجرّدوها من ملابسها كاملة ، وزوجها مربوط مذهول يصرخ ماوسعه الصراخ : " حرام عليكم ، بتعملوا كده ليه .. وهم ينظرون إليه باستهزاء وشماتة كما لو كانوا مخدرين أو غرقانين في برميل خمر قذر ، وراحوا يتناوبون عليها اغتصابا ونهشا في لحمها والمسكينة شبه ميتة .. والزوج المصدوم بُح صوته من الصراخ فأصيب بإعياء شديد ، فمالت رأسه على صدره ، كأنه قد فارق الحياة شنقا.
انتهى أفراد الدورية الكلاب من نهش وليمتهم ، وتركوا الضحية عارية ودماؤها الطاهرة تنزف وهى يعلم الله وحده ان كانت ماتت ام لاتزال على قيد الحياة. وبدأت خيوط النهار تشق ظلام الليل الكئيب ، ودبّت الحركة على الطريق مع ساعات اليوم الأولى ، فلمح أحد المارة بسيارته - وكان سعوديا - اللبناني مربوطا ورأسه مدلاة على صدره فظن ان أحدا قتله ، ثم وهو في طريقه إليه مسرعا تعثرت قدامه في جسد سيدة عارية ، فعاد مسرعا برجولة إلى سيارته قبل ان يصل إلى الرجل المربوط ، واخرج منها عباءة أو بشت مثلما يطلقون عليها هناك ، ليغطي الجسد العاري الذى تم نهشه وهتك عرضه.
حاول إفاقة الرجل اللبناني الذي بمجرد أن عاد إليه وعيه وتذكر ماحدث ، وكان قد فك عنه الرباط ، فجرى على زوجته وارتمى عليها يقبل يديها ورجليها أن تسامحه لعدم قدرته على حمايتها أمام وحوش أدمية ، لو رآهم لأكل ونهش لحمهم بأسنانه مثلما فعلوا بزوجته.
حمل الاثنان .. السعودي " الرجل " والزوج اللبناني الزوجة إلى المستشفى وقد منّ الله عليها بالنجاة ، وطلب زوجها من السعودي الشهم ان يذهب به فورا إلى إمارة الرياض .. وهناك دخل وطلب مقابلة الأمير سلمان .. ووقتها لم يكن سهلا على اى عابر طريق ان يقابل الأمير ، حيث هناك على حد علمي وقتها يوم مخصص أظنه الخميس يتيح الأمير فيه الفرصة لمقابلة من يريد مقابلته وتقديم مظلمته أو شكواه .. لكن أمام إصرار الرجل اللبناني على المقابلة وعدم فتح فمه بكلمة إلا أمام الأمير أدخلوه .. وبمجرد أن رآه الأمير سلمان على هذا النحو من الإرهاق والاعياء والاحساس الرهيب بالظلم والإهانة ، أجلسه و" طبطب " عليه بحنو بالغ ، حتى هدأ الرجل وبدأ يحكي.
سمعه الأمير بإنصات وذهول تام حتى انتهى المكلوم من روايته ، فسأله الأمير : كم كان عددهم ؟ فأجاب الرجل عشرة .. فسأله : هل تستطيع التعرف عليهم ؟ فرد ولو من بين مليون.
أمر الأمير وبسرعة بإحضار كل أفراد الدوريات التي كانت خدمتها أمس على طريق الرياض - الخرج.. وخلال ساعة أو اقل أحضرهم قائد الشرطة المرورية وكان عددهم فوق العشرين .. وبمجرد أن رأى اللبناني أحدهم الذي أوقفه ، هجم عليه يريد قتله ، لولا تدخل الأمير نفسه الذي هدأه واستطاع الرجل أن يُخرج العشرة من بين أفراد الدورية ولم ينكر واحد منهم الواقعة من هول الرعب وهم في حضرة الأمير.
ماذا فعل الأمير سلمان ؟ .. أمر على الفور بقطع رقبة الأفراد العشرة في محاكمة عاجلة ، وذهب بنفسه مع اللبناني إلى زوجته وآمر بنقلها فورا إلى مركز طبي عالمي في العاصمة وتقديم كافة الرعاية الصحية والنفسية لها .. وقيل بعد ذلك أن الأمير عرض على اللبناني مبلغا رهيبا للتعويض والترضية بعد تنفيذ حكم الله فيهم ، غير أن الرجل رفض وقال للأمير شاكرا باكيا : عوضي الوحيد انك إنسان عادل ، تحكم بما أنزل الله . وفعلا تم تنفيذ حكم القصاص في أفراد الشرطة العشرة ، وكان هذا الحكم حديث الرياض وكل مدن السعودية وقتها.
لماذا أحكي هذه الواقعة الآن ؟ .. بالتأكيد أن السبب هو هذه القضية التي تشغل بال كل المصريين والسعوديين على حد سواء والخاصة بالمحامي الجيزاوي .. وكلامي عن الأمير سلمان الذي أشبهه دون أدنى مغالاة بالفاروق عمر بن الخطاب ، لا يسري بالضرورة على باقي الأمراء او من بيدهم القصاص ، وإرساء العدالة في المجتمع السعودي .. هناك تجاوزات ولا شك في أمور كثيرة .. وفيما يخص قضية الجيزاوي تحديدا عورات القضية كثيرة تثير القلق والشك.. واخشي ما أخشاه أن تسبّب هذه القضية قطيعة شديدة بين البلدين " مصر والسعودية " ، وتتبارى الأقلام غير المسئولة هنا وهناك مثلما حدث منذ سنوات للطبيب المصري الذي تم الاعتداء جنسيا على ابنه في المدرسة وانتهى الأمر بجلد الأب الطبيب ، ولم يأت حقه وحق ابنه .. الأمور يجب أن تحركها عقول واعية .. إن كان الجيزاوي مخطئا فليأخذ جزاءه ، وان كان بريئا فليخرج فورا من محبسه ويصرف له تعويض عادل عما لحق به من إهانات. لكن من يقول ذلك ؟ .. انا وانت .. ماذا نملك ؟ .. لا شىء سوى الكتابة والصراخ على الورق .. وربما أخذت الحمية أحدنا فكتب بحماس مفرط ، كأنه ينفخ في الحريق ، فيزداد اشتعالا وتتحول القضية إلى قطيعة سياسية بين بلدين يدفع ثمنها ليس اقل من4 ملايين مصري يعملون هناك.
لا أوفق قطعا على شكل المظاهرات التي حدثت أمام السفارة في القاهرة .. ولا تلطيخ جدرانها ببذىء الكلام ولا الشعارات غير المهذبة التي قيلت في العاهل السعودي ولا رفع الأحذية في وجه السفارة .. ليست هذه أخلاقنا كمصريين قاموا بثورة نظيفة جعلت العالم كله ينحنى أمامنا تقديرا واحتراما .. واستغرب كيف ومديرية امن الجيزة في وجه السفارة مباشرة على الجانب الأخر .. كيف لم تؤمنها بالشكل الواجب حتى لا تظهر تجاوزات البعض على هذا النحو السىء أمام العالم.
أطالب الأمير سلمان شخصيا بالتدخل في الأمر ، ولاأعرف كيفية ذلك من الناحية السياسية او القانونية ، حيث الواقعة حدثت في جدة ، والرجل محبوس في هناك ، لكن ولا شك يستطيع الأمير سلمان وأعرف أن له شأنا كبيرا في هذا البلد الأمين .. وأعرف أيضا ولا تزال واقعة اللبناني وزوجته ماثلة أمام عيني كأنها حدثت بالأمس رغم مرور 30 عاما عليها .. أعرف عدله وخوفه الرهيب من خالقه وهو أكثر أمراء السعودية زهدا في الحكم والإمارة ، ويعتبرها عبئا تحمّله مجبورا ، ولم يعنه من المنصب وجاهته وعزوته فيه ومنه ، بل الذي يعنيه حق ربنا .. فالجاني أيا كانت جنسيته ، يُقتص منه .. وحق المجني عليه يأتي من حاكم البلاد ذاته لو كان في موضع الاتهام.
لقد عشت في السعودية 16 عاما متقطعة.. مابين جريدة الشرق الأوسط وعكاظ واليوم .. وأؤكد على الأقل فيما رأيته ولمسته بنفسي ، أن هناك كثيرين من السعوديين يعشقون تراب مصر ويحبون أهلها محبة خالصة .. وهناك أيضا من هو على النقيض حتى أكون منصفا .. لكنني أتكلم في العموم .. فلا يجب أن تأخذنا الحماسة المفرطة ونضيع عشرة سنوات طويلة من المحبة المتبادلة بين البلدين.. ولا أقصد بكلامي هذا أن نغض الطرف عن قضية الجيزاوي .. بالعكس لابد من تصعيدها إلى أعلى المستويات، لكن بالعقل.. وبالعقل وحده.. ولنا في حكاية مصر والجزائر عبرة ، فقد كاد أن يقضي على العلاقة الممتدة بين البلدين والتي لها جذور تاريخية وجهادية شديدة الأثر بسبب بعض الجهلة من رياضيين أصبحوا بقدرة قادر إعلاميين لا يفقهون شيئا ، ويتعاملون مع الأمور الحساسة بمنطق الصيّع والشوارعية .. والنسوان " الردّاحة".
موضوع الجيزاوي يحتاج تدخل الكبار وحكمة العقلاء .. وأرى أن سحب السفير السعودي من القاهرة وغلق السفارة ، جانبه الصواب إلى حد بعيد .. فعهدي بأمراء السعودية وكبار مسئوليها الحكمة والنزاهة والتصرف الحكيم ، وأتمنى من مسئولينا في مصر أيضا أن يكونوا على مستوى الحدث ، ويستخدمون عقولهم هذه المرة تحديدا بحنكة الكبار الغيورين على مصريتهم .. وكل من يحملها في جواز سفره دون " فرش الملاية والردح النسواني المقيت " ولن يدفع الثمن بعد ذلك إلا الجيزاوي وأكثر من 4 ملايين مصري يعملون هناك.
قبل ان اختم .. كان لي تجربتان شخصيتان في السعودية .. دخلت في إحداها السجن والأخرى كانت جديرة بإعدامي .. لولا دعاء الوالدين. غدا سأحكيها لكم.