دون شك أدخلنا المجلس العسكرى وجنرالاته المعاشات ومستشارو اللواء ممدوح شاهين فى متاهة الدستور.. وقد شاركهم فى تلك المتاهة جماعة الإخوان المسلمين الذين أصروا على سحب الاتجاه نحو الانتخابات أولا والاعتماد على ترقيعات دستورية تافهة لم تفرق كثيرا عما كان قد طرحه مبارك المخلوع أيام الثورة.
وأصر الطرفان، «العسكرى» والإخوان، على المُضىّ قُدُمًا فى إعمال تلك الترقيعات الدستورية بالدعوة إلى التصويت بنعم فى استفتاء 19 مارس، والكل يغنى على ليلاه فى ذلك، فالمجلس العسكرى كان يعتبره استفتاءً على شرعيته فى إدارة شؤون البلاد، والإخوان ومن معهم من قوى إسلامية اعتبروه انتصارا لهم وشرعية لوجودهم والاعتراف بهم بعد أن كانوا «محظورة»، والإسراع بالحصول على نصيبهم من «تورتة» الثورة، بعيدا عن الثوار الأصليين الذين قامت على أيديهم الثورة وسقط منهم الشهداء الذين كانوا -ولا يزالون- وقودا للثورة فى ال18يوما فى ميدان التحرير وميادين مصر. واعتبرت تلك القوى الإسلامية من قالوا «لا» على تلك الترقيعات الدستورية علمانيين وكفارا، وطلب بعض دعاتهم من أصحاب غزوة الصناديق من هؤلاء العلمانيين والكفرة البحث عن مجتمع آخر والهجرة إليه.
ومن ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب وبعدها الشورى التى حرسها المجلس العسكرى فى وقت كان يطلق فيه الرصاص على الثوار أمام ماسبيرو وفى شارع محمد محمود ليحصل الإخوان والسلفيون القادمون حديثا إلى عالم السياسة على الأكثرية فى ظل لجنة المستشار عبد المعز إبراهيم الذى افتضح أمره فى ما بعد فى قضية التمويل الأجنبى الذى داس على كل القيم الباقية من القضاء المصرى واحتقره، منفِّذًا أوامر تنفيذية والاستجابة لضغوط داخلية وخارجية لنصل إلى أنه لم يعد «الراجل» محل الثقة.. سواء فى قراراته أو غزوته فى الانتخابات التى كان يصف مراحلها بأنها أعظم من مليونيات الثورة ولنصل فى النهاية إلى انتخابات الشورى التى لم يعبِّرها أحد وأصر المجلس العسكرى على إقامتها بفتاوى من مستشاريه الملاكى ونسبة المشاركة الهزلية فيها التى لم تتعد ال7٪، ومع هذا يزعمون أنه برلمان «شرعى» ربما لسيطرة الإخوان والسلفيين عليه.
وبذلك حصلنا على برلمان محدود الاختصاصات لم يفعل شيئا منذ انتخابه اللهم إلا منح الغرور لجماعة الإخوان المسلمين وتخيلهم أنهم أصبحوا بديلا للحزب الوطنى.. ووصل الأمر بأحد أعضائه مثل أبو العز الحريرى ليشكك فى دستوريته، وأن يصفه عضو آخر هو عصام سلطان بأنه أصبح مجلسا «محتقَرًا» بدلا من موقر!
فلم يفعلوا شيئا خلال 3 أشهر من عمرهم فى هذا البرلمان، اللهم إلا المحافظة على المكتسبات التى كان يحصل عليها نواب مبارك فى الحزب الوطنى فى مجالس فتحى سرور وصفوت الشريف والامتيازات والمِنح والسيارات والبدلات والمكافآت التى لا يعرف عنها أحد شيئا.. وكأن الثورة لم تقم أو تصل إلى مجلسى الشعب والشورى.. فما زال على رأس الهيئة الإدارية لكل منهما نفس الأشخاص الذين كانوا فى خدمة فتحى سرور وصفوت الشريف.. ولكم عبرة فى المستشار سامى مهران المتهم بالكسب غير المشروع فى مجلس الشعب.. والمستشار فرج الدُّرى فى مجلس الشورى.
فلم يعرف الإخوان الشفافية بعد.. ولم يتعلموا أن هناك ثورة قامت من أجل ذلك، فما زالوا يسيرون على طريقتهم القديمة فى تنظيمهم السرى!
وأدخلونا فى متاهة الدستور من خلال استقوائهم وغرورهم بأكثريتهم «الميكانيكية» ليشكلوا جمعية تأسيسية لوضع الدستور على مزاجهم وبتفكيرهم مع استبعاد المقاييس والأعراف والخبرات فى تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور لتكون باطلة فى النهاية ليدخلونا أيضا فى التباطؤ والتلكؤ والتعطيل، كما فعل جنرالات معاشات المجلس العسكرى خلال المرحلة الانتقالية التى أطالوها.. وربما يستفيدون من تلك الإطالة!
وأصبح هناك مأزق حقيقى فى الدستور الجديد للبلاد الذى كان على رأس أولويات الثورة.
وأصبح البحث الآن عن مخرج من هذا المأزق.. وقد كان الأمر فى البداية سهلا وبسيطا لكنه العناد والصفقات واللف والدوران!
لكن يظل السؤال مطروحا على السادة مرشحى الرئاسة وبينهم شخصيات محترمة وقديرة: أين أنتم من الدستور، خصوصا أن المجلس العسكرى يتعلل الآن باختصاصات للرئيس قبل الانتخابات الرئاسية؟
فالسادة مرشحو الرئاسة المحترمون لا يُدلُون برأيهم فى ذلك الأمر.. وإن أدلوا يكون رأيهم أو طرحهم كأى مواطن عادى وليس كمرشح لهذا المنصب الرفيع الذى عليه تبعات كثيرة.. وعليه أن يقود البلاد للانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية وليس على غرار ما حدث -ويحدث- فى البرلمان. أيها المرشحون للرئاسة أين أنتم من الدستور؟