من دون شك أن الورطة التى يعيشها المصريون الآن بعد ثورة عظيمة أسقطت حاكما ديكتاتوريا، تعود إلى جنرالات معاشات المجلس العسكرى وإدارته الفاشلة لشؤون البلاد، وكأن المصريين استبدلوا بمبارك مجموعة جنرالات المجلس العسكرى.. فما زالت نفس الوسائل التى كان يطبقها مبارك هى نفسها التى يسير عليها المجلس العسكرى ليزداد الفشل. ومع هذا لم يتعلم حتى الآن جنرالات المجلس العسكرى من أدائهم الفاشل.. وفضح صورتهم أمام الناس، وانتهاكاتهم لأهداف الثورة، وإجهاضهم لها، وتقسيم الناس إلى فرق وأحزاب وجماعات، وإثارة الفتنة بينهم، بعد أن اتفق كل الناس فى الثورة وبعدها على هدف واحد، هو إعادة بناء الدولة بشكل ديمقراطى بعد الإطاحة بمبارك.
وقد وثق الناس فى المجلس العسكرى لمساعدتهم فى فترة انتقالية قصرت أو طالت، فى تحقيق أهداف الثورة.. لكن لم يكن المجلس عند حسن ظن الناس به وثقتهم فيه.. فبدأ فى تطبيق نفس سياسات مبارك المخلوع.. وكانت الترقيعات الدستورية بديلا عن دستور جديد يليق بثورة عظيمة.. واستطاع أن يعقد صفقات مع قوى سياسية على رأسها جماعة الإخوان المسلمين والسلفيون من خلال الاستفتاء ب«نعم» فى 19 مارس 2011 على الترقيعات الدستورية.. ولحسم تقديم المجتمع بين تحالف قوى الإسلام السياسى مع العسكر فى مواجهة قوى الليبرالية واليسارية وشباب الثورة أصحاب الدور الأكبر فى خلع مبارك وفى الثورة التى كانت تريد التغيير بشكل كامل والتخلص من قوى الاستبداد ونظام مبارك بالكامل الذى سعى فى الأرض فسادا.. وليستمر الغزل بين الطرفين، القوى الإسلامية والمجلس العسكرى بجنرالاته المعاشات، للتخلص من القوى الثورية.. وكفى ثورة من خلال إجراء الانتخابات التشريعية أولا قبل وضع دستور جديد للبلاد يضع اختصاصات ذلك المجلس التشريعى.
ولأنهم اتفقوا، كقوى محافظة ضد القوى الثورية، فلم يكن هناك فارق كبير لكل منهما، فالبرلمان لهم (القوى الإسلامية) والرئاسة للعسكر.. ومن هنا ساعد المجلس العسكرى تلك القوى فى الوجود على الساحة بالشكل الذى تريده ومن خلال تشكيلها أحزابا دينية -وليست ذات مرجعية إسلامية فقط- مخالفة بذلك القانون، مع الحفاظ على التشكيلات الأخرى القديمة لتلك التنظيمات أو الجماعات كما حدث مع الإخوان، فتم الإبقاء على شكل الجماعة التقليدى بمكتب إرشادها ومجلس شوراها ومكاتبها الإدارية ودون أى ترخيص، مع منح رخصة حزب للجماعة أيضا تحت يافطة: حزب الحرية والعدالة.
وبعد انتخابات مجلس الشعب، ومجلس الشورى (الذى أصر المجلس العسكرى على إبقائه دون أى فائدة اللهم إلا استنزاف أموال الشعب)، وحصول جماعة الإخوان وحلفائهم من السلفيين على الأكثرية فى ذلك الوقت، الذى رفضوا فيه دعوات تحملهم المسؤولية وتولى أمور الحكومة.. وذلك حتى لا يغضب منهم المجلس العسكرى.. وتحالف فى ذلك الوقت المجلس العسكرى والإخوان على القوى الثورية التى كانت تُقتل برصاص المجلس العسكرى فى شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وقصر العينى، وقبلها ميدان التحرير، حيث جَرَت تعرية أجساد النساء، وقبلها أيضا كانت تدهس بالمدرعات فى أحداث ماسبيرو، للتخلص من الثوار وإجهاض الثورة تماما.
فقد أصبح حكام هذا البلد الآن، المجلس العسكرى فى الرئاسة والحكومة.. والإخوان فى البرلمان والتشريع (دون دستور).. ورفض المجلس العسكرى ومعه الإخوان وحلفاؤهم حكومة إنقاذ وطنى بصلاحيات الرئيس للخروج من الأزمة وإعادة الثورة إلى مسارها من جديد، تلك الحكومة التى طرحها الثوار ليرفضها «العسكرى» ويصر على تشكيل حكومة كأى حكومة من حكومات مبارك برئاسة الجنزورى وبتأييد الإخوان لها.
تلك الحكومة التى يهاجمها الإخوان الآن بعد أن اتضح لهم أنه يمكن حل مجلس الشعب من خلال عدم دستوريته.. فبذلك قد خرجوا صفر اليدين من الثورة.. وبعد أن باعوا الثوار.
لقد حاولوا الطمع والسيطرة على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وتشكيل الحكومة.. وهو ما رفضه الشعب قبل المجلس العسكرى.. ليلتفوا حول اتفاقهم السابق مع جنرالات معاشات العسكر لترك سباق الرئاسة لهم ليعودوا إليه ويترشحوا له.. فى نفس الوقت الذى يفشلون فيه فى تشكيل الجمعية التأسيسية لطمعهم فى وضع دستور على مقاسهم.. ويعاندون الآن القوى الأخرى فى تشكيل الجمعية من جديد بعد جلستهم مع المجلس العسكرى.. ولتصبح الانتخابات الرئاسية فى مأزق.
وأصبح الجميع فى ورطة الآن، السبب فيها بالطبع المجلس العسكرى والإخوان، اللذان طمعا فى السلطة، على حساب القوى السياسية والثورية التى كان لها دور عظيم فى الثورة.. فلا تصدقوا الإخوان ومن معهم فى نزولهم إلى ميدان التحرير الآن.. فهم الذين قالوا للقوى الثورية: لقد انتهت شرعية الميدان وبدأت شرعية البرلمان المسيطرين عليه.. فلا تصدقوهم.