يخبرنا تاريخ الإسلام أن أول من رفعوا المصاحف في خلاف سياسي تورطوا في أفظع الجرائم التي ارتكبت طوال 14 قرنا من الزمان سماهم المعاصرون لهم المُحًكًمة لأنهم رفعوا شعارا يقول : "لا حكم إلا لله" ..شعار رائع وجميل ويشبه شعارات تطرحها تيارات تعيش بيننا الآن مثل "الإسلام هو الحل" و "ماذا رأيتم من الله حتى تكرهوا شريعته" .. ولكن هذا الشعار كان عنوانا للفتنة الكبرى .. ويكفي ما قاله علي بن أبي طالب عنه : "كلمة حق يراد بها باطل" .. فكان أول من حارب رافعي هذا الشعار الذين عرفهم التاريخ فيما بعد باسم "الخوارج" لم يكن الخوارج خارجين عن الإسلام بمفهومه الواسع .. كانوا يؤمنون بالله الواحد الأحد وملائكته ورسله ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة .. ولكنهم كانوا يتشددون في فرض منطقهم ورؤيتهم ..فهم وحدهم على حق وغيرهم على باطل (ألا يذكرك ذلك بتيارات دينية معاصرة ترفع المصاحف أيضا) ..
وبفضل هذا الحماس الديني الإيماني الذي تم توجيهه في الإتجاه الخطأ أقدموا على أول جريمة إغتيال سياسي منظم في تاريخ الإسلام .. فاتفقوا على قتل ثلاثة من الصحابة في ليلة واحدة .. علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص .. وشاء الله أن ينجو معاوية وعمرو من الإغتيال ويسقط الإمام علي كرم الله وجهه شهيدا بسيف عبد الرحمن بن ملجم الخارجي .. والمثير والمدهش والعجيب أن عبد الرحمن بن ملجم لم يكن يرى فيما يفعله جريمة بل لعله كان يحتسب نفسه شهيدا يتقرب إلى الله بمهمة إنتحارية وهو يتسلل في صلاة الفجر ويوجه طعنته للإمام علي داخل جامع الكوفة..
حدث هذا عندما رُفعت المصاحف في خلاف سياسي .. حدث هذا عندما دغدغ الشعار الديني البراق العقول والقلوب ونفخ فيها حماسا فاسدا.. وإعتقد فريق من الناس أنهم وحدهم على حق وغيرهم على الباطل حتى لو كان (غيرهم) هو علي بن أبي طالب بكل علمه وقامته وسابقته ومكانته في الإسلام
في كل العصور كان رفع المصاحف وشعارات الدين في السياسة يؤدي إلى نفس النتيجة .. لا نحتاج إلى العودة في الزمن 14 قرنا لنضرب الأمثلة الكثيرة والمتعددة .. يكفي أن نعود بالزمن 33 سنة فقط.. لنرى جماعة من الناس إنقادوا لرجل طويل اللحية يرفع شعارات دينية يغسل بها العقول فيقودهم إلى جريمة من أغرب وأفظع ما جرى في القرن العشرين .. جريمة جهيمان العتيبي الذي تسلل برجاله وأسلحته إلى المسجد الحرام فقتل من قتل من الطائفين والعابدين والركع السجود وأعلن أن زوج أخته هو المهدي المنتظر ..وتحصن في الكعبة المشرفة أياما مع المئات من أنصاره المغيبين المسلحين .. حول فيها ساحة المسجد الحرام لساحة حرب .. توقفت الشعائر والصلوات والطواف والدعاء في قبلة المسلمين أياما لتفسح المجال لدوي الرصاص ورائحة الموت وأنين المحتضرين .. كل ذلك لأن جماعة من الناس آمنت "بكذاب" وباعت عقولها وبايعته تحت تأثير شعارات رنانة تشبه ما قال عنه الإمام علي "كلمة حق يراد بها باطل"
في كل الديانات كان إرتباط الدين بالسياسة بابا لفسادهما معا .. مزج الدين بالسياسة حول اليهودية من ديانة توحيد يؤمن أتباعها بالوصايا العشر ورسالات الأنبياء إلى الصهيونية البغيضة العنصرية المغتصبة للأرض والتاريخ.. وحول المسيحية من دين الحب والسلام والتسامح إلى الحملات الصليبية ومحاكم التفتيش .. ولم يعدم الإسلام كذابين طوال اللحية يرفعون شعارات براقة يوجهون بها الإيمان في الإتجاه الخطأ ويستثمرون الحماس الديني في تحقيق أغراضا خاصة بهم .. ويجدون من تستخفهم الشعارات المقدسة فيبايعون مشايخ أمن الدولة على الجهاد في "غزوة الصناديق" أو "غزوة الباسبور" أو "غزوة المناخير" وغيرها من الغزوات التي يتم طبخها في سراديب لاظوغلي وتصديرها إلى البسطاء لشق الصفوف وتفريق الكلمة وضرب الشعب بالشعب والناس بالناس ليبقى أهل الحكم فوق رقابنا يضحكون .