يؤمن كثيرون بأن ترشيح عمر سليمان ينقذ الوطن من هذه المتاهة، وعندما تتأمل أسبابهم ستجدها مختصَرَة فى الرعب الذى دبَّ فى قلوبهم على أثر عنترية المتأسلمين الزائفة، فبخلاف أن الأزمة تصاعدت على كل الأوجه ظهر أيضا أن المتأسلمين نسخة ديكتاتورية جديدة من النظام السابق، وإذا كان النظام السابق يقهر معارضيه بأمن الدولة فإن النظام الجديد يقهر منافسيه بدم بارد بما لا يخالف شرع الله.
فالاحتكار الذى ثار الشعب عليه ما زال قائمًا، والكذب والمراوغة ولحس الوعود وقهر الآخر ما زالت كلها أشياء قائمة، أضف إليها أن اعتراضك عليها يضعك فى خانة كارهى الإسلام و«شرع ربنا مضايقك فى إيه» و«خايف ليه من تطبيق الحدود؟»، فإذا كان التكفير فى عهد النظام السابق فكرة مَجَازيَّة فإنه يبدو فى ظل حكم المتأسلمين فكرة حرفية.
الكارثة التى وضعنا فيها المتأسلمون ستطيح بنا، وستجعلنا مثار سخرية العالم كله من الشعب الذى ثار على النظام فأزاحه ثم فشل فى العثور على باس وورد تشغيل البلد فاستعان بالنظام القديم من جديد، لأنه شعب يؤمن بنظرية «إدِّى العيش لخبَّازه ولو سرق نصه».
سنكون عبرة لكل ثورات العالم المقبلة، سيكتبون فى كتب التاريخ أن للمصريين أجدادًا هم الفراعنة، بينما الفراعنة ليس لهم أحفاد.
(2)
عودة عمر سليمان إهدار تام لعام ونصف ضاعا من عمرنا وضاع بالتوازى معهما زهرة شبابنا وأنقى من فينا، عام ونصف تحملنا خلالهما مئات المصائب من كل نوع أملا فى الوصول إلى اللحظة التى نتمناها وننتظرها، عام ونصف دفع كل واحد فينا ثمنًا غاليًا خلالهما ولا أستثنى أحدًا، عام ونصف لا يوجد فيهما مصرى واحد لم يتعرض لمعاناة زرعت فى وجدانه أمراضًا عصبية وزرعت فى رؤوس شبابه شعيرات بيضاء متناثرة، فيمَ كان كل هذا الألم وكل هذا الصبر؟
إننا بظهور عمر سليمان نشبه شابًّا قضى فى الغربة سنوات يتحمل كل ما فيها من أجل أن يعود إلى بيته فيعوِّض أباه وأمه ونفسه عن مرارة السنين السابقة، وإذا به يفاجأ عند عودته إلى منزله أن «جوز أمه» هو الذى يفتح له باب الشقة.
عمر سليمان ليس لديه مشروع أو فكرة، وسبق له أن فشل فى إدارة الأزمة التى واجهت نظامه القديم فسقط وسقط هو معه، لا أعرف شيئا عن كواليس عمله السرى، لكن ما عايشته بنفسى فشله فى احتواء شعب ثائر متوحِّد على كلمة حق، كيف له أن يحتوى شعبا تفرَّق على عشرين كلمة حق؟
عمر سليمان يتحدث عن حماية مكاسب الثورة وهو يؤمن أنها ليست ثورة وأن العناصر الأجنبية والإخوان هم الذين غرروا بالشباب وأضاعوا مصر.
عمر سليمان لم يكن ليظهر لولا الانحطاط السياسى الذى نعيشه، ولولا حزمة المصالح التى تبنتها كل فرقة سياسية، ولولا الاستهتار بفكرة الثورة ومعاداتها، لم يكن ليظهر لو قلنا «لا» حاسمة فى الاستفتاء، لو كنا كتبنا الدستور قبل الانتخابات، لو كنا حمينا مصر وهى تئن من الضباع الذين التفوا حولها، لو كنا أدنَّا قاتلا واحدا من قَتَلة المتظاهرين، لو لم يختر البرلمان حَمَلَة دبلوم معهد التمريض لكتابة الدستور، لو لم تتشكل أحزاب دينية متجاهلةً نَصَّ دستور يمنع ذلك، ومتعالية عليه دون أن يجرؤ أحد على منع هذه المأساة، لو كانت الثورة ممثَّلة فى الحكومة تمثيلًا حقيقيًّا، لو كان للثورة مجلس قيادة، لو لم يغادر الثوار الميدان، لو لم يتفتت الثوار فى حركات ومبادرات وأحزاب تتفرق قبل أن تجتمع على كلمة واحدة، لو لم يتعامل المصريون بكل طوائفهم مع الثورة وكأنها وجهة نظر يطبقها كل واحد بمعرفته وبطريقته.. عمر سليمان لم يكن ليظهر لولا أن رجال السياسة لم يضعوا الثورة فى حساباتهم، ولولا أن شباب الثورة لم يضعوا السياسة فى حساباتهم.
(3)
انتخاب عمر سليمان لن يحل أزمة، بل يضيف إلى أزماتنا واحدة جديدة، بالضبط كمن يواجه تراكم القروض وفوائدها عليه بقرض جديد.
(4)
ظللتم تقولون لنا «موتوا بغيظكم.. موتوا بغيظكم» وتشهرونها فى وجوهنا كلما لفت أحدنا نظركم إلى بحور الدناوة الوطنية التى تسقون منها رجالكم دون أن تنتبهوا إلى أن الطمع يقل ما جمع، ظللتم تتمنون لنا الموت بما لا يخالف شرع الله.. فماذا كانت النتيجة؟ سنموت بغيظنا وستموتون أنتم ب«عمر سليمان».