عهدنا بجريدة الدستور جرأتها وموضوعيتها في تناول الموضوعات مهما كانت خطورتها وحساسيتها، ومن هذه الموضوعات ما نشر في الجريدة (العدد الأسبوعي) يوم الأربعاء بتاريخ 17 فبراير 2007 م تحت عنوان : «أسرار العلاقات العاطفية بين الرجال في مصر» وهو ملخص لرسالة ماجستير في الجامعة الأمريكية للباحثة أمنية أباظة، ولما كان الموضوع يمثل وجهة نظر مؤيدة أو متعاطفة مع حرية المثليين في التعبير عن ميولهم وكأن ذلك حق من حقوق الإنسان يسلبه المجتمع العربي والمصري من المثليين، لذا وجب أن نوضح الحقائق المتصلة بهذا الموضوع بشكل علمي محايد لتتضح جوانب الصورة المختلفة. هناك أعداد متزايدة من حالات الجنسية المثلية (أو ما يطلق عليه الشذوذ الجنسي) ظهرت وترعرعت وعبرت عن نفسها من خلال مواقع الإنترنت وغرف الدردشة والمدونات، وأصبحت تأتي إلينا مئات الاستشارات تصور تنويعات هائلة للسلوك الجنسي في عصر ما بعد الإنترنت والقنوات الفضائية المفتوحة منها والمفضوحة، ولم يكن يخطر ببالنا وجود هذا العدد الكبير من المثليين في مجتمعاتنا وفي غيرها، ولم نكن نتصور علو صوتهم وحماسهم إلي هذه الدرجة، فعلي قدر ما يلقونه من وصم ونبذ في المجتمع علي قدر ما يبالغون هم في الاستعراء والتباهي والتفاخر بما يفعلون. وقد بعث أحدهم بمجموعة من الأسئلة والتساؤلات ربما من قبيل حب المعرفة، أو من قبيل توصيل رسائل معينة للمجتمع، أو من قبيل التحدي للقوانين والأعراف والأخلاقيات السائدة والمضادة لميولهم، المهم أنها كلها تستحق التوقف والتأمل والمراجعة في عصر لم يعد يكفي فيه الزجر والنهي والكف. وأسوق إليك أيها القارئ العزيز بعضا من هذه التساؤلات : هل لم تعرف البشرية الجنسية المثلية قبل قوم لوط؟ وهل كانت زوجة لوط سحاقية؟.. وهل تسمية السحاق لها علاقة بالنبي إسحاق؟... وما ذنب المثليين في مشاعر وغرائز وجدوها في أنفسهم تجاه أمثالهم ولم يجدوا أي مشاعر تجاه الجنس المقابل؟.. ولماذا يعيشون محرومين من تحقيق رغباتهم الحقيقية تجاه من يحبون ثم يرغمون علي علاقات بجنس لايجدون في أنفسهم أي رغبة أو ميل تجاهه لا لشيء إلا لإرضاء المجتمع والخضوع لمعاييره؟. لماذا لا تترك الحرية للمثليين يعبرون عن أنفسهم في بلادنا كما حدث في أمريكا والدول الأوروبية بل حتي بعض الدول الشرقية؟. ألم تذكر الجنسية المثلية كأحد ألوان النعيم في الجنة وذلك في صورة «الولدان المخلدون»؟. هل يحاسب المثلي علي ميوله الجنسية التي ليس له دخل فيها؟.. وهل يكون الحساب علي مجرد الميول والرغبات أم علي الممارسة؟. هل الجنسية المثلية مرض أم انحراف أخلاقي أم اختلاف عن الأعراف السائدة في السلوك الجنسي، أم خيار جنسي شخصي؟. هل هناك علاج حقيقي للجنسية المثلية أم أن المجتمع يكلفنا مالا نطيق دون أن يقدم لنا الحلول والمساعدات؟ كيف تحول الاستثناء إلى وباء؟ فلنبدأ القصة من البداية : يقول تعالي في كتابه الكريم: «ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون» (الأعراف 80- 81) ورد في تفسير ابن كثير ما يلي: «بعث الله لوطا إلي أهل سدوم وما حولها من القري يدعوهم إلي الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم حتي صنع ذلك أهل سدوم... قال عمروبن دينار في قوله «ما سبقكم بها من أحد من العالمين» قال ما نزا ذكر علي ذكر حتي كان قوم لوط، وقال الوليد بن عبدالملك الخليفة الأموي باني جامع دمشق : لولا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا ولهذا قال لهم لوط عليه السلام «أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء»، أي عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلي الرجال وهذا إسراف منكم وجهل لأنه وضع الشيء في غير محله ولهذا قال لهم في الآية الأخري قال «هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين» فأرشدهم إلي نسائهم فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن «قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد» أي لقد علمت أنه لا إرب لنا في النساء ولا إرادة وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك، وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغني بعضهم ببعض وكذلك نساؤهم كن قد استغنين بعضهن ببعض أيضا». ونفهم من هذه الآيات سبق قوم لوط إلي هذا السلوك وأنه لم يكن سلوكا فرديا لديهم بل كان ظاهرة جماعية، والظاهرة لا تعني الحصر أي أنه لا يستطيع أحد أن يقول بأن العلاقات الجنسية في قوم لوط كانت مثلية علي الإطلاق وأن العلاقات الغيرية قد توقفت تماما وإلا لما تناسلوا. وقوله تعالي «ما سبقكم بها من أحد من العالمين» قد تفهم علي أن ظاهرة الجنسية المثلية لم تكن موجودة قبل قوم لوط، أو أنها كانت موجودة ولكن الحياء العام في ذلك الوقت كان يمنع التصريح بها وبذلك تظل حبيسة القلوب أو الأماكن المغلقة وهذا يجعلها في حدود الاستثناءات الفردية، أو أنها كانت موجودة ولكن لم تكن ظاهرة اجتماعية بهذا الحجم الذي ظهر في قوم لوط، أو أنها كانت موجودة ولكن مستنكرة ومنبوذة وأن قوم لوط أعطوها قبولا وتصريحا في الممارسة فتفشت وانتشرت بشكل وبائي جماعي بحيث تبقي العلاقة الجنسية الغيرية هي الاستثناء. وقد ساد العرف في قوم لوط بالممارسة المثلية وهذا يتضح في استنكارهم لكلام لوط عليه السلام واعتباره غريبا عليهم وعلي أعرافهم بل ونبذهم له : «وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون» (الأعراف 82) وواضح أن وباء الجنسية المثلية كان قد تفشي في قوم لوط بشكل لم يعد يجدي معه علاج أو إصلاح، وأن هذا السلوك مضاد للفطرة ومضاد لطبيعة الحياة لذلك حدث استئصال لقوم لوط بعقاب إلهي كما ورد في الآيتين التاليتين : «فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ، وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين » (الأعراف 83-84). وواضح من الآية أن امرأة لوط لم تكن علي عقيدته بل كانت تنتمي إلي عقيدة وعرف من هلكوا، ولم يصرح القرآن إن كانت تمارس ما يمارسون أم لا، ولهذا نقف عند ما تعطيه الآيات من معان دون تجاوز، وهذا من أدب الإسلام حتي مع الهالكين. وقوله «وأمطرنا عليهم مطرا» مفسر بقوله «وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد»، وقد جرم الله هذا الفعل جل وعلا فقال «فانظر كيف كان عاقبة المجرمين». وقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلي أن اللائط يلقي من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط، وذهب آخرون من العلماء إلي أنه يرجم سواء كان محصنًا أو غير محصن، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله، والحجة ما رواه الإمام أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه من حديث الدراوردي عن عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به». وقال آخرون: هو كالزاني، فإن كان محصنا رجم، وإن لم يكن محصنا جلد مائة جلدة، وهو القول الآخر للشافعي (تفسير ابن كثير صفحة 240-241، الجزء الثاني، دار المعرفة بيروت ). ومن الخطأ نسبة هذا الفعل إلي اسم النبي لوط فنقول مثلا «فلان لوطي»، وإنما نقول كما قال الرسول محمد صلي الله عليه وسلم « يعمل عمل قوم لوط »، ومن هنا لا يجوز أيضا ربط كلمة «السحاق» بالنبي إسحاق عليه السلام، فليس هناك مبرر لغوي أو اصطلاحي أو تاريخي لذلك، فالمعني اللغوي للفظ سحاق هو البعد، واصطلاحا يعني البعد عن السواء والبعد عن الفطرة السليمة والبعد عن العرف الصحيح، ولم يعرف في التاريخ أي ارتباط بين السحاق والمجتمع الذي عاش فيه النبي إسحاق، وأي ربط لهذا السلوك بالنبي إسحاق عليه السلام يصدر إما عن جهل لغوي وتاريخي أو عن سوء نية بقصد ربط تلك الظواهر الشاذة بأسماء الأنبياء تمهيدًا للطعن فيهم في مرحلة تالية أو في جولة لاحقة. وقصة قوم لوط تعطي درسًا مهمًا، وهو أن القبول الاجتماعي يوسع دائرة الجنسية المثلية ويفتح لها الطريق، ويشجع من لديه بعض الميول الكامنة أن يفصح عنها ويضاعفها، وهذا يؤدي إلي تنشيطها في طرف آخر مقابل سيتعامل معه، وهكذا تسري المثلية كالنار في الهشيم حين لا تجد حواجز تحدها. وإذا كانت هناك نسبة من المثليين مدفوعين برغبات تعود إلي عوامل بيولوجية، فإن هذه النسبة تتضاعف حين يفسح لها المجال للظهور المفاخر والمتباهي في المجتمع بدلاً من أن تحاصر كأي انحراف مرضي أو خلقي في حيز ضيق لحين تهذيبها أو تعديلها. ويبدو أن ما فعله قوم لوط يتكرر في هذا الزمن، حيث تبذل جهود هائلة لجعل الجنسية المثلية سلوكًا مقبولاً علي المستوي الفردي والجماعي، بل قد يتجاوز بعضهم مسألة القبول إلي مسألة الفخر والخروج في مظاهرات علنية تفخر بهذا السلوك. والنتيجة المتوقعة لذلك هو أن تتفشي الرغبات المثلية الكامنة وتتوسع وتتحول إلي ممارسات مثلية يفخر بها صاحبها ويدعو إليها فتزيد مساحة الجنسية المثلية يوما بعد يوم حتي نصل إلي ظاهرة قوم لوط، حيث يستغني الرجال بالرجال وتستغني النساء بالنساء. وربما يقول بعضهم : ولم لا إذا كانت هذه هي خيارات الناس وتفضيلاتهم؟.. ويقول آخر : ولماذا لا تتغير الأعراف والتقاليد فتصبح الخيارات الجنسية كلها مقبولة علي أنها تنويعات في السلوك الجنسي لا صلة لها بالدين أو بالأخلاق؟ وقد يروج البعض لمقولة بأن المثليين مثلهم مثل الغيريين لهم حياتهم التي يعيشونها بطريقتهم، وأنهم لو لم يتقبلوا مثليتهم فإنهم سيعيشون في عذاب مستمر.. وأن الحل الوحيد لهم هو أن يتقبلوا سلوكهم الجنسي المثلي ويمارسوه، وأن يسعدوا به ولا يخجلوا منه أو يداروه، فهم قد وجدوا أنفسهم هكذا ولا يملكون تغيير خياراتهم الجنسية. هذه كلها قفزات خاطئة من الناحية العلمية الموضوعية بعيدا عن المداهنات الاجتماعية والسياسية، فالمثليون ليسوا سعداء حتي وهم يمارسون مثليتهم، وهناك فشل كبير في علاقاتهم، ففي كتاب «التنظيم الاجتماعي للجنس » يتضح أن متوسط عدد الشركاء الجنسيين طوال العمر للأشخاص المثليين 50 شريكًا بينما هو للغيريين 4 شركاء فقط، ونسبة الملتزمين بشريك واحد في المثليين أقل من 2% وهي في الغيريين 83،5 %، ونسبة الجنس الشرجي في المثليين 65% وفي الغيريين 9%. ومن المعروف والمؤكد أن هناك علاقة قوية بين زيادة عدد الشركاء الجنسيين وبين الإصابة بالإيدز وسائر الأمراض الجنسية، وهذا أيضا قائم في العلاقات الشرجية. يضاف إلي ذلك كثرة فشل علاقات المثليين وعذاباتهم حتي في المجتمعات التي اعترفت بوجودهم ومنحتهم القبول بكل درجاته، بل منحتهم الفخر في كثير من الأحيان. المثلية الجنسية النفي للآخر! الجنسية المثلية في التفسيرات الدينامية هي تثبيت أو نكوص عند مراحل بدائية في النمو النفسي، حيث يحدث تثبيت علي المرحلة الشرجية أو الفمية، أو يحدث فشل في تجاوز المرحلة الأوديبية، وبهذا يصبح السلوك الجنسي المثلي هو المقابل للعصاب -في رأي فرويد- ولكن الفرق بينهما أن العصاب يحتوي كبتًا أما الجنسية المثلية ففيها إطلاق للغريزة، ولكن كليهما يشترك في التثبيت أو النكوص أو عدم النضج. والجنسية المثلية من منظور علاقاتي هي نفي للآخر، فالمثلي لا يبحث عن آخر يتكامل معه وإنما يبحث عن ذكورته المفقودة في ذكر مثله أو تبحث عن أنوثتها المفقودة في أنثي مثلها، وهذا يفسر فشل المثليين في الوصول إلي علاقات مشبعة وثابتة لأنهم يجرون وراء سراب، أو كمن يشربون من ماء البحر. وتقول الباحثة «إليزابيث موبرلي» أن سبب عدم مشروعية العلاقات المثلية نابع من كونها في واقع الأمر علاقة جنسية بين أطفال». وهذا المفهوم يؤكد عدم نضج العلاقات المثلية وعدم قدرتها علي منح السعادة أو الطمأنينة لأصحابها حتي في حالة استبعاد المعايير الاجتماعية أو الأخلاقية أو الدينية. والعلاقة المثلية علاقة غير منتجة فهي أقرب للاستمتاع الترفيهي منها إلي علاقات البناء النفسي والأسري والإجتماعي. وهي علاقة أقرب للتملك منها للحب، وليس مستغربا بناءاعلي ذلك وغيره أن تكثر في المثليين الاضطرابات النفسية وتزيد معدلات الانتحار. ومتصل الجمال - الحب - الجنس عند المثلي ليس مكتملا ولا متكاملا، فالمثلي يعشق الصور الجميلة في نظره، والشكل لديه هو الأهم، وهو لا يعرف الحب بمعناه السليم وإنما يعرف الافتتان، وهو لا يمارس الجنس مع آخر مختلف وإنما يمارسه مع نفسه أو صورة نفسه المثالية. ومما يؤكد فشل الحل المثلي أن 67% من المثليين يتحولون إلي السلوك الغيري في مراحل نضجهم والتي تختلف من شخص لآخر، وأن 75% ممن تزوجوا من جنس غيري عبروا عن ارتياحهم للعلاقة الغيرية في الزواج. وبعضهم يتزوج وهو لا يحمل أي رغبة حسية في الشريك الزواجي من الجنس الآخر ولكنه يتزوج بدافع تكوين أسرة وإنجاب أطفال، وشيئا فشيئا تتكون لديه مشاعر معقولة تجاه الجنس الآخر مع تكرار العلاقة الزوجية في جو مفعم بالسكينة والمودة والرحمة. وكون المثلي يشعر بميل لا إرادي تجاه مثله لا يعني كون هذا طبيعيًا، وكونه يشعر بالرغبة في هذا الشيء والارتياح لفعله لا يعطيه مشروعية البقاء، فبالقياس نجد أن المدمن يحب المخدرات والمسكرات ويسعد بتعاطيها وربما لايسعد بشيء غيرها، والمقامر يجد سعادته في المقامرة، ومع هذا لم يقل أحد بالتسليم لرغبة المدمن أو رغبة المقامر لا لشيء إلا لأن هذه الأشياء حتي وإن كانت ممتعة إلا أنها ضد قوانين الحياة وفطرتها، فهي تهدم ولا تبني وتعزل ولا تتكامل، وهذا نفسه هو شأن الجنسية المثلية. وليس فقط المثليون هم المطالبون بضبط غرائزهم وتهذيبها بل كل الناس مطالبون بذلك فالجميع لديهم غرائز جنس وعدوان بدرجات وأشكال متباينة، والحياة السليمة في أي مجتمع تستدعي تنظيم وتهذيب هذه الغرائز بما يخدم حياة الجميع وسعادتهم. المقاومة على طريقة «الإيدز» وليس «إيزنهاور»! والخطأ يحدث حين يتم وصم المثليين واضطهادهم ونبذهم كما حدث في أمريكا حين أصدر الرئيس الأمريكي إيزنهاور مرسوما سنة 1953 بحرمان أي مثلي أو مثلية من الحصول علي وظيفة فيدرالية كما بدأ البوليس يتعقب المثليين ويتحرش بهم وأغار علي إحدي حاناتهم في نيويورك عام 1969 م واندلعت مظاهرات عنيفة عندما بدأ المثليون في الرد علي هذه المعاملات القاسية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ ظهور الجمعيات التي تدافع عن حقوق المثليين، وكأي جمعيات تنشأ في مثل تلك الظروف الساخنة بالغت تلك الجمعيات في مطالبها وضغوطها علي المجتمع الأمريكي وعلي المجتمع الدولي (بحلول سنة 1973 بلغ عدد جمعيات الضغط السياسي للمثليين 800 جمعية وفي سنة 1990 تجاوز الرقم عدة آلاف كلها تضغط للحصول علي مكاسب للمثليين)، وهذا جعلهم يأخذون موقفا مضادا من المجتمع، وهكذا أصبحت المعركة بين المثليين ومجتمعهم بدلا من أن تصبح بين الجميع وبين الشذوذ أو المرض أو الانحراف الحادث. فمثلا لا يصح وصم مريض الإيدز أو استبعاده أو اضطهاده، ولكننا نوجه الجهد للإيدز نفسه لمقاومته، ولا يصح أيضا أن نحتفي بالإيدز ونقرر التعايش معه والفخر به، وكذلك الحال في الإدمان والقمار. ويقول الدكتور أوسم وصفي في كتابه الرائع «شفاء الحب» : «هذا بالطبع رد فعل مفهوم لكل سلوك مجتمعي يتميز بالوصم والتمييز، فالمشكلة تنبع أساسا من ميلنا البشري للوصم والعزل والتمييز. فالوصم هو نوع من أنواع الخلط بين الإنسان ومرضه أو سلوكه، والنتيجة الطبيعية لهذا الخلط هي العزل والتمييز حيث يقوم المجتمع -خوفا من المرض- بمحاربة المريض بدلا من محاربة المرض، وكرد فعل للوصم والعزل والتمييز تتشكل حركات الدفاع والتحرير وتمارس ما يمكن أن نسميه ب«الوصم المضاد» لكونه يتميز أيضا بالخلط بين المريض والمرض، ومن أجل الحفاظ علي حقوق المريض يدعو إلي الحفاظ علي حقوق المرض». وقد استطاعت جماعات ضغط المثليين في حذف الجنسية المثلية من الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية(النسخة الثالثة) ولم يكن ذلك عن قناعة علمية وإنما بسب ضغوط إعلامية وسياسية جبارة، وقد عبر عن ذلك الدكتور باير في مقال بعنوان «سياسات التشخيص» سنة 1981بقوله: «لم تكن هذه التغيرات (يقصد حذف الجنسية المثلية من قائمة الأمراض واعتبارها اختيارا شخصيا) نابعة من استيعاب الحقائق العلمية التي يمليها المنطق، وإنما علي العكس كان هذا العمل مدفوعا بما كان يمليه المزاج الأيديولوجي العام في تلك الحقبة من التاريخ». وقد ذكرت لجنة الصحة العامة بأكاديمية نيويورك الطبية في تقريرها عن الجنسية المثلية ما يلي : «الجنسية المثلية هي بالفعل مرض.. والمثلي إنسان مضطرب وجدانيا بحيث لم تتطور لديه القدرة الطبيعية لتكوين علاقات مشبعة مع الجنس الآخر... وبعض المثليين قد ذهبوا إلي ما هو أبعد من مجرد الدفاع عن المثلية وهم الآن يحتجون قائلين أن المثلية هي أسلوب محبب ونبيل ومفضل للحياة» (موضوع السياسات الجنسية والمنطق العلمي، في مجلة التاريخ النفسي 10، رقم 5 عام 1992 م صفحة 102، نقلا عن كتاب شفاء الحب - دكتور أوسم وصفي ). ولقد كان لحذف الجنسية المثلية من التشخيصات المرضية أثر سلبي فقد توقفت الجهود العلمية لمساعدة المثليين في مواجهة مشكلاتهم الناشئة عن توجهاتهم المثلية، ولم يبق متاحا للأطباء غير مساعدتهم لتقبل مثليتهم ومساعدتهم علي التكيف معها وإقناع المجتمع بقبول السلوك الجنسي المثلي. وهذا وإن كان مقبولا في الغرب بنسب مختلفة إلا أنه غير مقبول في المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية بوجه عام والتي لديها قناعات ومعتقدات دينية في اليهودية والمسيحية والإسلام تحرم السلوك الجنسي المثلي، وليس من المتوقع محو هذه المعتقدات لطمأنة المثليين (الذين لا يزيدون عن 3% في المجتمع ). وقد استراح الأطباء لهذا الأمر لما يعانونه من مصاعب في التعامل مع المثليين في الموقف العلاجي، ولما يواجهونه من فشل في هذا المجال، ولكن الواقع يؤكد أن عددًا كبيرًا من المثليين يعانون من مثليتهم بشكل شخصي بعيدا عن أي ضغوط اجتماعية ويبحثون عن علاج لها لدي الأطباء فلا يجدون من يقدم المساعدة، نظرا لخلو المراجع الطبية الغربية من تقنيات علاجية لهذا الأمر ونظرا لاعتياد الأطباء في بلادنا علي التطفل علي تلك المراجع كمصادر لعملهم دون إبداع حقيقي يضع احتياجات مرضانا بثقافتهم وتوجهاتهم واحتياجاتهم المختلفة في الحسبان. ومن المعروف طبيا أن المثليين نوعين : نوع متوافق مع مثليته ومتقبل له Ego syntonic وهذا لا دخل للأطباء به فهو أصلا لا يأتي إليهم ولا يسألهم مساعدة، ونوع آخر رافض لمثليته ومتألم منها Ego dystonic وهو يأتي بحثا عن المساعدة ويكون في حالة ألم شديد بسبب جنسيته المثلية حتي ولو كانت علي مستوي المشاعر الداخلية فهو يشعر أنه يحمل بداخله شعورا مقززا لا يحتمله وبعضهم يصل ألمه ورفضه إلي التفكير في الانتحار، وهذا النوع يحتاج للمساعدة بشدة لأنه يعاني معاناة شديدة.