تنام ابنتى بنفسية الشرطة العسكرية، غدّارة.. تهاجم من ينام إلى جوارها عندما لا يتوقع.. تتقلب فى الفراش ثم ترفع رأسها وتميل ناحيتى، ثم تنزل بها فجأة فوق رأسى فأصحو على صرخة واحده «يوووه»، أبتعد عنها فتقترب منى بحنوٍّ بالغ فأحتضنها، وما إن أروح فى النوم حتى تكرر ضربتها بقوة.. شرطة عسكرية عسكرية يعنى. قررت منذ يومين أن أترك لها الميدان وأعتصم نوما فى غرفة المكتب، قبل أن أصحو عليها يوما و هى تسحلنى بملابسى الداخلية، بالأمس كانت تعانى من أرق ما فدخلت علىّ غرفتى فى صحبة المجلس العسكرى نفسه «أمها»، وطلبتْ منى أن أساعدها على اجتياز الأرق، فى العادى أغنى لها بكل ما وهبنى الله من صوت قبيح «ماما زمانها جاية» فتسترخى تماما، وتروح فى النوم، ليلتها لم أكن قادرا على الغناء بعد يوم استنفدتنى فيه الأحداث وملحقاتها فى التليفزيون وعلى «تويتر» ومكالمات الأصدقاء ومحاولات تأمل ما نعيشه، لذلك فتحت النت وشغلت الأغنية من مصدرها الرئيسى.. محمد فوزى نفسه، و تركته يغنى.
كان فوزى يغنى فى وادٍ و ذهنى فى وادٍ آخر..
تحتوى أغنية فوزى على 3 قصص لثلاثة أشخاص «عادل وأحمد وسعاد»، كانت كل قصة بالنسبة إلىّ تعبر عن كتلة ما فى المجتمع.
قصة عادل تنطبق حرفيا على الثوار، فالدكتور لا يرضى عنه وبالتالى حصل عادل على «حقنة كبييييرة»، لقد حصل الثوار على الحقنة كما ينبغى، والمبرر أن عادل «مابيشربش اللبن الصبح»، وهى أسطورة طبية مضللة تشبه مبرر أن الحقنة حصل عليها الثوار لأنهم «خربوا البلد».. فلا اللبن لوحده كفيل بأن يصبح عادل عملاقا ولا البلد خربت بسبب الثوار، لأنها خربت بالفعل عندما ابتعدوا عن الميدان، عادل ولأنه لا يشرب اللبن الصبح «كل أصحابه ضحكوا عليه». رقة حسين السيد وفوزى بالتأكيد منعتهما من أن يقولا الحقيقة، وهى أن أصحاب عادل فشخوه مثلما فعل أصحاب الثوار مع الثوار بالضبط، كانت الصورة درامية بالنسبة إلىّ، لم يكسرها سوى البُشرى التى حملها فوزى فى نهاية المقطع والتى تقول إن عادل تعلم الدرس وكبر «واتربى له عضل فى إيديه» وهى قفلة أؤمن بها تماما، ولا بد أنها بثَّت الرعب فى قلوب أصحاب عادل.. واخد بالك؟!
أما قصة أحمد فتنطبق على الداخلية، أحمد «إيده مربوطة ومامته عارف ليه مخاصماه؟». الداخلية أيضا يداها مربوطتان، ومامته «مصر، بما إن مصر هى أمى» تشعر بالضيق إزاء هذا الوضع، لكن ما السبب فى ما وصل إليه أحمد؟ يقول فوزى إن أحمد «كان تمللى بيحب يلعب بالكبريت ويشيله معاه»، وهو توصيف حرفى لحال الداخلية اللاعبة بالنار فى عهد مبارك دون أن تفكر يوما فى عواقب الأمر، قوم إيه؟ قوم أحمد «ف يوم جاب كام عود ولعهم راحت النار ملهلبة إيده» -فلاش باك على 28 يناير قبل الماضى-، وتأكيدا لكل هذا التطابق يحدِّثنا فوزى عن مصير هذا اليوم «لسه إيديه الاتنين واجعاه»، لدرجة أن كل مرشحى الرئاسة يضعون فى مقدمة برامجهم الانتخابية بند «علاج أحمد، عودة الأمن»، إذا كنت لا تصدق كل ما فات يا صديقى استمع إلى قفلة القصة من فوزى «واهو من يومها لا بيتعفرت ولا بيشيل كبريت وياه».. ولا بنشوفه أصلا.
سعاد تذكِّرنى بالجماعة المحظورة، يقول فوزى إن «وسعاد أبلة زعلت منها خالص خالص من شهرين».. طيب ما الذى جعل الأبلة التى هى بمثابة القائد الأعلى للفصل تغضب منها؟ ستجد الأسباب واحدة لا بد أن تأخذك من حيز سعاد إلى حيز التفكير فى الجماعة «مابتحفظش الدرس.. وتكذب.. وبتتشاقى جوّه الفصل.. وكمان ضاع منها كتابين»، المبررات الثلاثة الأولى لا يمكن الشك فيها، أما موضوع الكتابين اللذين ضاعا منها فربما عبد المنعم أبو الفتوح وكمال الهلباوى.. ربما، حتى مصير سعاد هو مصير الجماعة حاليا، لأن فوزى يقول إن سعاد شدت الحيل «وبقت حلوة.. وأبلة خدتها مع الشاطرين» فى البرلمان، ويكمل أنه «جت شهادتها آخر مرة وكانت الأولى من تلاتين»، الأمر الذى ساعدها على الاستئثار بكتابة دستور الفصل دون أن يكشف لنا فوزى عن مصير الأبلة.
نامت رقية..
ربما قبل أن يبدأ فوزى فى الغناء، وضعتها فى الفراش وعدت إلى مكانى أحاول أن أخرج من دوامة الأفكار التى ضعت فيها، قررت أن أشغل شيئا من طفولتى أنا شخصيا يساعدنى على النوم، كان عبد المنعم مدبولى يغنى «كان فيه واد اسمه الشاطر عمرو»، وعند كوبليه «فيه قرد نبيه.. صاحبه يناديه.. ييجى يلبيه.. وكمان يقدر يمشى على السلك.. ولا أجدع بلياتشو فى السيرك»، عندها دخلت فى المتاهة من جديد وظهر الأستاذ قرد نبيه وأطل علىّ بعينه من بين وجوه كثيرة على الساحة السياسية الآن.. لم أر غيره فصرخت من جديد «يوووه» وقررت أن أغلق باب الأغنيات تماما قبل أن أُجَنَّ.
كنت أحاول الاستسلام للنوم بينما تبقَّى السؤال يؤرِّقنى: هل دماغى هى اللى اتخرمت أم أن أغنيات الطفولة لم تكن تخلو أبدا من دلالات مستقبلية بداية من «ماما زمانها جاية» إلى «جدو علِى عنده.. حمار»؟