«إن ثمة تغييرات جذرية تحدث فى مصر، بدأت عملية التغيير تلك في 25 يناير 2011، وما زالت مستمرة، ولا بد أن يفهم أصدقاؤنا أن مصر لن تكون أبدا مثلما كانت قبل 25 يناير، وأن هذه ثورة مصرية والشعب المصري سوف يتحكم بنتيجتها»، بدأت وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا بهذه العبارات مقالا في صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية تحاول أن تشرح فيه للإعلام الأمريكي «لماذا تحركت مصر ضد المنظمات غير الحكومية غير المسجلة» حسبما عنونت مقالها. تقول الوزيرة المصرية التي كانت في بؤرة الانتقادات الأمريكية في قضية التمويل الأجنبي إن «التوترات الأخيرة في العلاقات الأمريكية المصرية بسبب المنظمات غير الحكومية غير المسجلة التي تعمل في هذا البلد تثير الأسف، هذه التوترات لا تفيد أيا من البلدين، لكن الخطوة الأولى الضرورية لتجاوز هذه الاختلافات هي أن تتفهم الولاياتالمتحدة مخاوف الحكومة المصرية، التي يشاركها فيها غالبية ساحقة من المصريين». المشكلة لم تبدأ، والحديث للوزيرة المصرية، في 29 ديسمبر، عندما تم تفتيش 17 مكتبا ل10 منظمات تعمل في أنحاء مصر، بل إنها بدأت قبل عدة سنوات، وإن بدء تحركات القضاء المصري لم تكن بهدف الإضرار بالعلاقات مع الولاياتالمتحدة، أو التضييق على المجتمع المدني، إن الخلاف يتضمن مجموعة من المنظمات غير الحكومية التى تعمل بصورة غير قانونية في مصر، لكن هناك أكثر من 35 ألف منظمة مصرية و83 منظمة أجنبية من بينها 23 منظمة أمريكية تعمل جميعا فى مصر من دون أي مشكلة، والمجتمع المدنى المصرى الذى يعود تاريخه إلى 200 عام منتعش. ومستقبله لن يقرره تحرك القضاء نحو مجموعة من المنظمات التى تعمل خارج القانون، إن القانون المصرى يشترط تسجيل جميع المنظمات غير الحكومية قبل بدء عملها، والعام الماضي وحده، تم تسجيل 4500 منظمة غير حكومية، أما المنظمات التى يتم التحقيق معها فهي غير مسجلة، ومن ثم فإن نشاطاتها غير قانونية. وسواء كانت تقدمت للتسجيل وفي أي وقت حدث هذا، أو كان ينبغي أن يحدث، لا يغير من حقيقة أنها تعمل بشكل غير قانوني. في عهد النظام السابق، عملت المنظمات غير الحكومية على مستوى أدنى، وتلقت تمويلا مباشرا من وزارة الخارجية الأمريكية، حاولت الحكومة السابقة أن تتعامل مع القضية من خلال الدبلوماسية الهادئة، ولم تنجح في هذا. وبعد بداية الثورة المصرية الشتاء الماضى، قررت الحكومة الأمريكية أن هذه المنظمات يجب أن توسع نشاطاتها. ولكي تمول هذا التوسع، اختارت واشنطن أن توجه المساعدات الاقتصادية التي كانت مخصصة فى السابق وفق الشروط التي تم التفاوض عليها فى الاتفاق الثنائي الموقع عام 1978 وفي خطابات متبادلة متفق عليها. اشترطت هذه الخطابات أن يذهب التمويل الأمريكى فقط إلى المنظمات غير الحكومية المسجلة بعد التشاور مع الحكومة المصرية، كان هذا هو الإجراء القائم، لكن في فبراير 2011، أعلنت واشنطن بشكل أحادى أن المنظمات غير الحكومية غير المسجلة سوف تتلقى تمويلات، وفي الشهور ال10 الأخيرة، أعادت واشنطن توجيه 150 مليون دولار كانت مخصصة في السابق لمساعدة الشعب المصري الذي يمر بأوقات صعبة للغاية، إلى هذه المنظمات غير الحكومية الأمريكية والمصرية. وإن هذه المبالغ تفوق ما كان مخصصا للمنظمات غير الحكومية على مدار السنوات ال6 الماضية. اعترضت الحكومة المصرية على تجاهل الولاياتالمتحدة للاتفاق الثنائى الذى يحكم طريقة توزيع المساعدات الأمريكية، كان التحرك مربكا بشكل خاص، لأن المسؤولين الأمريكيين كانوا فى مقدمة من أشادوا بتصميم الحكومة الانتقالية المصرية على الوفاء بكل التزاماتها الدولية القائمة. إن كل الدول تقيد النشاطات السياسية الأجنبية والتمويل الأجنبى لهذه النشاطات داخل حدودها. إن بعض النشاطات المزعومة للمنظمات غير الحكومية كانت ستعتبر انتهاكا للقوانين الأمريكية لو أن كيانات أجنبية قامت بها داخل الولاياتالمتحدة. لم نتلق أى ردود على المطالبات المتكررة من الحكومة المصرية للحكومة الأمريكية للنظر فى هذا الوضع. والأكثر من هذا، فقد تقدم عديد من الموظفين فى إحدى المنظمات غير المسجلة باستقالات جماعية، حيث قالوا على محطة تليفزيونية مستقلة إن المنظمة كانت منخرطة فى «نشاطات مريبة وخاطئة، وتميز ضد المسلمين وتنتهك قانونين أخرى»، وإن هذه الادعاءات يجرى التحقيق فيها. وجذب إعلان المسؤولين الأمريكيين نهاية يونيو الماضى أن واشنطن قدمت 40 مليون دولار لمنظمات غير مسجلة، اهتمام الشعب المصرى. وفى يوليو الماضى كلف مجلس الوزراء المصرى وزير العدل بتشكيل لجنة تقصى حقائق فى كل أعمال التمويل الأجنبى، وسلمت اللجنة النتائج التى توصلت إليها فى سبتمبر الماضى. وبالنظر إلى خطورة النتائج، فقد رأى مجلس الوزراء ضرورة إجراء تحقيق قضائى. وكجزء من هذا التحقيق، طلب قاضى التحقيق بشكل مستقل من المحققين تفتيش مكاتب المنظمات غير المسجلة فى 29 ديسمبر ومصادرة الأدلة، وأعلم أن هذه التحركات لا تختلف عن التحركات التى يقوم بها مسؤولو تنفيذ القانون الأمريكيون. لم يكن للمجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره القائم بأعمال السلطة التنفيذية الوطنية، ولا مجلس الوزراء يد فى هذا القرار. والمصريون يشعرون بالحيرة إزاء الدعوات التى تطالب المجلس العسكرى بالتدخل فى تحقيق قضائى مستمر، وبينما يعد رفع حظر السفر مؤخرا عن الموظفين الأجانب العاملين بالمنظمات الأجنبية المتهمة حقا قانونيا، فإن تقليص السلطات التنفيذية يعد تغييرا أساسيا يحاول المصريون مأسسته. وكما تظهر انتخاباتنا البرلمانية، فإن المصريين يعملون بجد لتحويل مجتمعنا. هم يختارون قادة جددا، ويدعمون سيادة القانون، ويحترمون الالتزامات الدولية ويعاملون جميع الناس بالتساوى أمام القانون. وعندما يتم ارتكاب مخالفات، لا يجب أن يعفى أحد من التحقيق القضائى. إن إعطاء امتيازات للبعض كان طريقة النظام السابق. والمصريون يتطلعون الآن للكثير.