أحمد أبو دوح هزت المحكمة الإدارية العليا الأوساط السياسية والتشريعية والقانونية مؤخرا عبر قرارها بإحالة بعض نصوص قانون مجلسى الشعب والشورى إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر فى مدى دستورية هذه القوانين، وهو ما يهدد مجلس الشعب بالبطلان . والحقيقة أن كل هذا العبث الذى شاب المرحلة الإنتقالية منذ بدايتها قد لعب دورا أساسيا فى سيطرة حالة "التعثر السياسى" التى تسيطر الأن على المشهد، ومن ثم زيادة المخاوف من بناء نظام ديمقراطى مشوه تفتقر مؤسساته إلى بديهيات العدالة والمساواة بإعتبارها أحد الأعمدة الأساسية التى ترتكز عليها أنظمة الحكم المتقدمة . فلقد إرتأت المحكمة الإدارية العليا فى حكمها أن نصوص القانون التى تسمح للأحزاب بمزاحمة المرشحين المستقلين على مقاعد النظام الفردى غير دستورية لأنها قد أخلت بمبدأ دستورى هام "مبدأ تكافؤ الفرص"، وهو ما يضع المحكمة الدستورية العليا أمام ثلاثة خيارات : أولها: هو قبول الطعن المقدم من قبل المحكمة الإدارية العليا والحكم ببطلان عضوية ثلث المقاعد التى تتبع النظام الفردى، وفى هذه الحالة يتم إرجاء إنعقاد إجتماع نواب مجلسى الشعب والشورى المنتخبين لإختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور لحين تحديد موعد إجراء الإنتخابات التكميلية على هذه المقاعد والإنتهاء منها، وعندئذ يكون على المحكمة أن تصدر قرارها قبيل يوم السبت المقبل 3/3 /2012 وهو تاريخ إنعقاد هذا الإجتماع . ثانيها: هو عدم قبول الطعن على شرعية المجلس مراعاة للظروف الدقيقة التى تمر بها البلاد، وبالتالى يصبح المجلس كامل الشرعية، وكأن شيئا لم يكن . أما ثالث هذه الخيارات (وهو السيناريو الأقرب إلى التحقق): هو أن ترجأ المحكمة الدستورية العليا البت فى الطعن المقدم لها إلى ما بعد الإنتهاء من الإنتخابات الرئاسية،و بعد الإنتهاء أيضا من كتابة الدستور الجديد والإستفتاء عليه، مع إضافة "فصلا إنتقاليا" إلى الدستور يتضمن إستمرار المجلس فى عمله حتى إنتهاء دورته، وعندها تسقط الدعوى لإتفاقها مع ما جاء نصا فى الدستور، أو تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى وإستمرار المجلس فى عمله . ماذا سوف يحدث إذن إذا ما قررت المحكمة قبول الدعوى، وقضت بحل المجلس بأكمله إستنادا إلى أن "سقوط الشرعية عن ثلث المجلس كفيلة بإسقاطها عن المجلس كله"؟! من الجائز حدوث ذلك، وخصوصا أن المحكمة قد قضت من قبل بحل المجلس فى دورات 78و86 و90 لنفس الأسباب، ولكن الظروف التى كانت تحيط بالقرار الذى إتخذته المحكمة وقتذاك تختلف إختلافا جذريا عن ما نمر به نحن الأن، ففى حالة ما إذا تكرر هذا السيناريو مجددا فسوف يكون الخاسر هو الشعب الذى قام بالثورة من ناحية، وجماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى . ففى نفس الوقت الذى سوف ينجح فيه المجلس العسكرى فى كسب مزيد من الوقت فى السلطة لإعادة ترتيب أوراقه، سوف يتم حل المؤسسة الشرعية الوحيدة التى نجحت الثورة فى بناءها حتى الأن، وهو ما يترتب عليه أيضا توقف جميع الجهود المبذولة نحو تحقيق الإنجاز الأخر المتمثل فى كتابة الدستور نتيجة لتعطل إنتخاب جمعيته التأسيسية، ما من شأنه أن يؤدى (بالطبع) إلى سيطرة حالة من الإحباط وفقدان الأمل على جموع المصريين كنتيجة طبيعية للعودة إلى نقطة البداية مرة أخرى، وكنتيجة أيضا للإلتباس الذى سيؤدى إليه تجدد حالة الضبابية التى سوف تطغى على نظرتهم الجماعية للمستقبل . أما فيما يتعلق بالإخوان المسلمين فإن الجماعة بذراعها السياسية متمثلة فى حزب الحرية والعدالة سوف يكون عليها أن تعود إلى صفوف الجماعة الوطنية من جديد بعد موجة الإستقطاب الكبيرة التى سيطرت على علاقة الجماعة بالأحزاب والقوى السياسية الأخرى.. فهل سوف تقبل هذه الأحزاب بجماعة الإخوان المسلمين بين صفوفها من جديد، وخصوصا بعد توجيه بعض القوى السياسية لكثير من الإنتقادات للسياسات التى تتبناها الجماعة ووصفهم لهذه السياسات "بالبراجماتية التى لا تراعى المصلحة الوطنية" ؟! عموما، نتمنى ألا تصدر المحكمة قرارها بحل المجلس حتى لا نجد أنفسنا مضطرين إلا مواجهة مزيد من الإنقسام والتشتت، فبالرغم من معارضة قوى شبابية وثورية وبعض القوى السياسية لإستحواز التيار الإسلامى على أغلبية نسبية داخل البرلمان، إلا أن تلك اللحظة الفارقة التى فرضها علينا التخبط وغياب الرؤية فى إدارة المرحلة الإنتقالية تتطلب من جميع الأطراف عدم التوقف عند خلافات ضيقة مع أغلبية متغيرة، وإنما السعى لدراسة جميع السبل المؤدية إلى إنهاء الحكم العسكرى والحفاظ على ما حققته الثورة من مكتسبات .