ذهبت الأسبوع الماضي إلي منطقة سجون طره لزيارة بعض الموكلين الذين وكلت للدفاع عنهم في إحدي القضايا المهمة، وأثناء انتظاري بغرفة الاستراحة لأستقل سيارة تدخلني إلي سجن عنبر الزراعة، تلاحظ لدي وجود رجلين في الغرفة المجاورة، تقدم نحوي أحدهم وبادرني فجأة ودون مقدمات بسؤال: لماذا تهاجمنا؟ ابتسمت ابتسامة لطيفة أهدئ بها اندفاعة محدثي وكأني فهمت للوهلة الأولي انتماءه غير أني سألته بلطف ومن تقصد؟، فأجاب بوضوح يماثل عتابه الصريح وعرفني بنفسه هاني طلعت مصطفي شقيق هشام وطارق!! وهنا انضم إليه من عرفني بأنه عمه، أجبت باقتضاب ووضوح لا يقل عما تحدثا به معي ليست لدي نوايا عدوانية أو مشاعر كارهة لآل طلعت مصطفي، بالعكس أحمل لوالدكم أجمل المشاعر التي ما غابت عن أي مقال من المقالات التي كتبتها وحوت بعض الانتقادات لأوضاع نقلت إليّ من بعض الشخصيات المحترمة التي تقطن بمدينة الرحاب، دائما أشير إلي فضل المرحوم بإذن الله المهندس طلعت مصطفي وعصاميته. قال الأستاذ هاني شقيق طارق وهشام ولم يكن قد هدأت نبرته رغم مقدمتي الهادئة والمطمئنة ولماذا تهاجمنا إذًا؟ أنت عاوز إيه بالضبط؟ قلت مثلي لا يريد إلا الحقيقة، فلست أعمل بمهنة المتاعب صاحبة الجلالة، ولا أبتغي من نشري إلا المصلحة العامة، الملاك الذين يقطنون مدينة الرحاب بعضهم أعني أرسلوا لي عبر بريدي الإلكتروني في صفحتي الخاصة رسائل تحوي وجهة نظر محترمة في بعض المشكلات التي يواجهونها، ظنا منهم أني أنقل للرأي العام المشكلات المهمة أو الاجتماعية وأنني قادر علي إثارتها رغبة في دعمهم أدبيًا وإعلاميًا هكذا يرون في شخصي الفقير فنقلتها دون تدخل مني بالرأي علي الأقل في ثلاث مقالات منها، كنت أنسخ ما يكتبون نسخا وألصقه في المساحة المخصصة لي بجريدة الدستور الغراء. بادرني الرجل الثائر ولماذا لم تحاول أن تسمع منا وتكتب رأينا مثلما كتبت عن السكان؟ واصلت هدوئي معه لأن هذه ليست مهمتي، أنا لا أعمل صحفيا لكنني كاتب لا يملك إلا قلمًا يكتب به وأفخر بأنني أنحاز دوما إلي الشعب إلي عامته والمظلومين منه، كان عليكم أن تبادروا أنتم بالاتصال بي أو إرسال رأيكم مكتوبا. عند هذا الحد كانت السيارة قد جهزت وعلينا أن نفترق هم إلي أخيهم في سجن المزرعة، وأنا إلي سجن عنبر الزراعة الملاصق لسجن المزرعة وافترقنا علي وعد باللقاء والحوار. دخلت إلي سجن عنبر الزراعة وأنا في حالة أكتئب، ففكرتي عنه سيئة، ومنذ قطنت نزيلا في السجون المحيطة به فترات مختلفة من شبابي في المزرعة وملحق المزرعة لم نكن نري من سكان عنبر الزراعة ونزلائه غير مساجين الخدمة!! الذين يخرجون للزراعة والمواشي وحلب الألبان منها وهلم جرا!! دلفت من الباب واستقبلني مأمور السجن العميد مدحت بابتسامة كبيرة ومعه وحوله نائبه وضباط السجن ومباحث المصلحة فهذا قدري كلما دخلت سجنا من السجون تقوم الدنيا ولا تقعد، استضافني المأمور لإتمام الزيارة في مكتبه وألقيت عيني فإذا بي أري منطقة فسيحة تحوي مكان الزيارة وأراهم أمامي أعني المساجين والمحبوسين وسط أسرهم وذويهم يرتشوف معا المشروبات الباردة والساخنة من البوفيه، ومناطق الإدارة والخدمات وبالداخل بدت لي العنابر، رأيت المنظر مشمسا مرئيا، الحوائط مزينة بطلائها الجميل، وكأنه سجن غير الذي دونته ذاكرتي منذ قديم الأزل، أبديت سعادتي لمأمور السجن وضباطه، غير أن المأمور المبتسم أوضح في تواضع شديد أن الفضل يرد إلي أهله وقصد به مساعد الوزير لشئون السجون، أوضح مأمور السجن أن هذا الرجل يعني مدير مصلحة السجون أحدث نقلة كبيرة في وظائف وطبيعة أداء ضباط السجون، ومبانيها وزنازينها وأضفي لمسة إنسانية مهمة علي أداء كل من يعمل في مصلحة السجون. الحقيقة أنني انقطعت عن زيارات السجون منذ سنين طويلة لكن أثر شهادة مأمور سجن عنبر الزراعة كان باديا أمامي منذ مدخل منطقة سجون طرة حتي غادرت الزيارة في ذلك اليوم الصعب. في اليوم التالي تلقيت مكالمة علي هاتفي من السيد جمال الجندي وهو أحد أبرز مسئولي مجموعة شركات طلعت مصطفي، تحدث برفق ولطف يختلف عن حديث هاني طلعت مصطفي، وبعد أن عرفني بنفسه أوضح مباشرة سبب عدم اتصال أحد من شركة الرحاب بي وأكد أن ذلك لم يكن تعاليا كما كتبت ولا تعازفا عن تحقيق شكاوي الشاكين، وأوعز السبب لأمرين أولهما عزوف كل المسئولين منذ قضية هشام طلعت مصطفي عن التواصل مع الإعلام والإعلاميين الذين لم يرحموا هشام ولا أسرته ولا العاملين بشركاته ورغبة العاملين في الشركة في توجيه المبالغ المحددة في الميزانية للدعاية والإعلان في أعمال الصيانة والتحديث بمبان المدينة وعمارتها، أما السبب الثاني فارتباط ما كتبت بأزمة أثارها أحد كبار الصحفيين والإعلاميين المصريين الذي ارتبط بصداقة عميقة به وإشارته أثناء عرض المشكلة من وجهة نظره إلي أني سأكتب سلسلة مقالات عن معاناة السكان والملاك في مدينة الرحاب فلم نشأ أن نعقد الموقف وانتظرنا حتي جاءت الفرصة تلقائية بلا ترتيب. كانت طريقة حديث الأستاذ جمال الجندي وتدفق المعلومات في فمه توحي بإطلاعه علي كل ما كتبت، قال الجندي «ميزانية المدينة تضم تقريبا بندا ب 50 مليون جنيه للدعاية والإعلان قررنا العام الماضي والحالي إلغاء هذا البند وخصصنا منها 30 مليوناً لإعادة طلاء العمارات في المدينة بعد ست سنوات من طلائها لأول مرة فإذا حصلنا من كل ساكن بتلك العقارات 500 جنيه هل يعد هذا جباية كما تقولون!! فطن الرجل المهذب لسكوتي وأن الحديث عبر الهاتف لم يكفي للرد علي كل ما أثرته فدعاني لزيارة مدينة الرحاب علي الطبيعة، وقال ضاحكا مثلما ذهبت والتقيت ببعض الشاكين واستمعت لشكايتهم حقنا عليك أن تزور المدينة وتستمع للعاملين فيها والمسئولين وتشاهد علي الطبيعة وكان لزاما أن أوافق عدلا وحقا وأمانة فانتظرني أيها القارئ الكريم أحقق لك من الواقع دفاعات وحجج كل طرف في تحقيق موسع قادم.