هشام عبد الصبور شاهين يكتب: ثالثة الأثافي في ترسيخ الحكم العسكري هشام عبد الصبور الأثافيّ جمع أُثفية، وهي الحجر فوق موقد الحطب يوضع عليه إناء الطهو، وغالبا ما يكون عدد الأثافي ثلاثة ليستقر الإناء فوق الموقد، واستعمل العرب تعبير (ثالثة الأثافي) للدلالة على استكمال ذكر العوامل أو الأسباب في موضوع ما إذا ذُكر اثنان وبقي الثالث؛ فيقال عنه كعامل رئيسي أهم: ثالثة الأثافي. ثارت مصر على حاكمها ونظامه الفاسد المُفسد في 25 يناير 2011، وظاهر الأمور أن الجيش وقف مع الشعب في ثورته ضد مبارك، الذي تخلى عن منصب الرئيس في 11 فبراير وكلف المجلس العسكري بإدارة شئون البلاد، وانسحب الثوار من الميدان على اعتبار أن الثورة قد انتهت برحيل الرئيس، وكانت تلك الأثفية الأولى، ولم يستغرق وضعها سوى ثمانية عشر يوما، بدأت بعدها عملية وضع الأثفية الثانية. استغرقت هذه العملية عاما كاملاً؛ حتى حلول موعد الذكرى الأولى للثورة في يناير 2012، تمت خلال هذا العام تهيئة الأجواء لتقبل استمرار العساكر على قمة السلطة في جهاز الحكم، فالأمن لم يعد إلى حياة المصريين بعد انسحاب القائمين عليه، ومضت عدة أشهر عانى فيها المصريون من انعدام الأمن، ولولا أن شعبنا من خيرة شعوب الأرض؛ لسرنا في شوارع غارقة في الدماء، ولكن الله سلّم، وسمعنا في مصر عن جرائم لم نكن نسمع عنها من قبل، فحوادث اختطاف الكبار والصغار مقابل الفدية المالية ازداد عددها بطريقة ملحوظة، وعشنا وشفنا بنوك ودور صرافة وسيارات أموال تُسرَق بالأسلوب الأمريكي الذي لم نره إلا في أفلام الأكشن، ومحلات للصاغة والفضة تقتحم في وضح النهار لسرقة محتوياتها وقتل أصحابها، واختطف السياح في طرق السفر، وانتشر السلاح الآلي والخرطوش المسروق من أقسام الشرطة في أيدي البلطجية والمسجَّلين، وتحولت حياتنا جحيما لا يطاق من انعدام الأمن، والغلاء الفاحش والأزمات المتتالية في الغاز والبنزين والخبز، وتلاحقت أزمات ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، وقتل فيها من قُتل وأصيب من أصيب، كل هذا في جو ساد مصر من المشاحنات والإضرابات والمطالبات الفئوية، والمحاكمة الهزلية المتطاولة للرئيس المخلوع، ووضعه المَرضي المستقر في أكبر مراكز الجيش الطبية، ووضع باقي أركان حكمه في مزرعة طُرة حيث يستطيعون تدبير المكائد للثورة المضادة، وكثر الحديث عن الطرف الثالث واللهو الخفيّ والعناصر المندسّة، كل هذا؛ في جو من الضبابية والتعتيم الكامل عما يدور خلف كواليس السلطة؛ أدّى إلى تثبيت وضع الأثفية الثانية فوق الموقد. ثم كان يوم الأربعاء الأسود في بورسعيد؛ إذ أدى تآمر (اللهو الخفي) إلى قتل ما يزيد على سبعين فتىً وشابا في أعقاب مباراة كرة القدم، وبغض النظر عن الملابسات والأدلة وما ستخرج به لجان تقصي الحقائق؛ فإن تعليق المشير على تلك الأحداث كان مختصرا وغامضا ويحتمل كثيرا من التأويل؛ إذ قال: الناس ساكتة عليهم ليه ؟! وهذا القول؛ مهما كان ما يقصده المشير هو وضع للأثفية الثالثة في مكانها، فإن كان سيادته يقصد البلطجية بضمير الغائب (هم)؛ فهو يشجع الشعب لكي ينتقم من البلطجية بنفسه، وهذه الدعوة قد يؤدي فهم البعض لها إلى شيوع الفوضى والانجراف إلى الحرب الأهلية بين أبناء الشعب الواحد، وإن كان سيادته يقصد فلول نظام مبارك؛ فهذا أيضا سيؤدي إلى مزيد من الحنق والحقد على الرئيس السابق وابنيه وأعوانهم، وبالتالي إلى الانتقام المباشر منهم بقتلهم والتمثيل بجثثهم، كما فعل ثوار رومانيا بشاوشيسكو وعائلته عام 1989، وإن كان السيد المشير يقصد أن المتآمرين من وزارة الداخلية؛ فالنتيجة أيضا ستكون في صالح الشيطان لتجر البلاد إلى الفوضى... وفي حالات تفسير قول السيد المشير الثلاث ستؤدي تصرفات وأفعال الثائرين إلى ما تُحمد عقباه؛ انعدام الثقة في مجلس العسكري، الذي طبعا سيصدر الأوامر للجيش ليرد بعنف وحسم على الثائرين الذين أشاعوا الفوضى بقتل المواطنين (البلطجية) دون محاكمة، أو قتلوا الرئيس السابق أثناء محاكمته (يا عيني !)، أو اقتحموا مبنى وزارة الداخلية؛ رمز هيبة الدولة، أو أحرقوا مجلس الشعب بمن فيه، أو أو .. المهم أن فرض الأحكام العرفية سيكون ساعتها ضرورة تحتمها الظروف للحفاظ على أمن الوطن الذي يحترق.. وهذه هي الأثفية الثالثة. ألست معي عزيزي في أنهم يريدوننا نحن أن نحمل القدر لنضعه على الأثافي الثلاثة ؟ إسلمي يا مصر..