قبل الثورة، ولآلاف الأعوام التي مضت ، ومما قرأته في كتب وصف مصر، وتحليلات جمال حمدان أن الشعب المصري هو شعب يصبر على حكامه ويلتمس لهم الأعذار مهما فعلوا به. هذه المقولة انتهت وراحت في ستين داهية ليحل محلها قول آخر جديد وجد ليبقى، قول جديد أتى به جيل جديد من شبان وبنات صنعت أرواحهم من نار ونور لا صلة لهم بآبائهم المدجنين الخانعين عباقرة المواءمات والحلول الوسط، قول جديد أن حكم هذا الشعب لم يعد نزهة، وأن هذا الشعب لن يسكت على ظلم ولا على حكامه الظلمة، وأن هذا الشعب لن يتراخى في القصاص من كل من جروء على حياة ابنائه واستباح لنفسه عرضا أو روحا أو مد يدا آثمة قذرة تسلب روحا أو نور عين ثم يذهب بغير حساب. إن سيادة القانون مبدأ أخلاقي في الأساس، ولا يجوز أن يحاسب شخص على فعل ، ويكافأ شخص آخر على ذات الفعل، أما الفعل هو القتل والدهس وفقأ العيون وتمزيق الملابس وهتك الأعراض ، أما الفاعلين فمنهم من يمثل للمحاكمة عقابا، ومنهم من لا يزال يكافأ بالجلوس في كراسي الحكم حتى اليوم، ولو تأجل حسابهم ساعة واحدة نكون قد تهاوننا في مبدأ سيادة القانون الذي لا يفرق بين حاكم ومحكوم، وانهدمت الفكرة الأخلاقية التي قامت عليها الثورة كلها لنخطيء كالعادة في حق أنفسنا فلا نلومن بعد ذلك غيرها، مخطيء من يحاول الإيحاء بأنه خلاف بين جيش وشعب، لا ..إنما هو خلاف بين حاكم ومحكوم ، حاكم يقتل ومحكوم يستشهد، لا حصانة لمن يقتل إبنا من أبنائنا او يهتك عرض بنتا من بناتنا، لا حصانة ولا عاصم مهما كان منصبه ومهما علا موقعه وحتى ولو كان في الجيش أو غيره طالما جلس على كرسي الحكم، إن الحكم العسكري يقوم بطبيعته على طاعة الأوامر دون مناقشة، وهذا أمر مطلوب بحكم طبيعة العمل الأصلي لأي جيش وهو الدفاع عن البلاد وحماية الحدود، أما أن ينتقل قادة الجيش بذات المنهج لكراسي الحكم لأنهم هم من يحوزون السلاح الذي ندفع نحن ثمنه فهي الديكتاتورية والقمع من بشر جبلوا على أن العصيان خطيئة تستحق المحاكمة العسكرية، جربنا هذا النوع من الحكام ستين عاما، واليوم نقول كفى، كفى قمعا كفى قتلا وتعذيبا وقمعا وسحلا وإرهابا وتخوينا ومبررات الأيدي الخفية والمتآمرين ومش عارف إيه، لن نتسامح في روح مصرية تزهق أو عرض مصري ينتهك ، ولو سكتنا على كل ذلك فإننا نخون أنفسنا ونضحك عليها ونضيع ثورتنا ومستقبل أبنائنا وحقهم في حياة حرة كريمة تصان فيها الحقوق والأعراض ويأخذ فيها كل ذي حق حقه، نريد أن نحيا كما تحيا الشعوب المحترمة من باب التغيير، نحن لسنا أرقاما تدون في كشوف الخسائر، نحن بشر فينا من استشهد وهو ملقى في الحجز وفينا من حرم من العلاج من إصاباته وهو مقيد إلى سريره في الأغلال كالإبل في الحظائر بينما المخلوع يأتي من جناحه الفاخر لمقر المحكمة بالطائرة! من فعل بنا ذلك ولماذا؟ ومن يرضى بذلك لأن ده جيشنا؟ هؤلاء ليسوا الجيش، فالجيش هو هؤلاء الذين في الثكنات يتدربون وليس هؤلاء الجالسون على كراسي حكم مصر يقمعون ، هل نكتب دستورا في ظل هؤلاء الذين يبحثون عن حصانة أو مخرج آمن؟ لقد قامت الثورة وانتهى الأمر، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء مهما حاولوا، فلقد تغيرنا إلى الأبد، نريد مصرا جديدة حرة ابية عزيزة كريمة، انتهى زمن الصبر والسكوت والتبرير، وحل زمن الحساب، ولا شيء غير الحساب .