قراءة في المشهد السوري.. تشرف الأزمة السورية على أبواب شهرها العاشر مع صدور أول تقرير لبعثة لمراقبة العربية التي ما زالت تعمل على الأرض السورية حتى أواخر الشهر الجاري يناير 2012م إلا أن الأوضاع في سوريا بلا شك تحتاج إلى مزيد من الوقت فهناك حلقة مستعصية تتمثل في المواجهة المسلحة التي يقف على أحد طرفيها مجموعات من المسلحين أثبتها تقرير بعثة المراقبة العربية وهو ما يعني استمرار الحكومة السورية في استخدام الحل الأمني لمواجهة تلك المجموعات هو من أجل استتباب الأمن في عموم الوطن السوري، ولكن المشكلة أن هناك من يقف وسط هذه المواجهة المسلحة وهو من يدفع ضريبتها ويسقط في أتونها مما يعني مراوحة الأزمة مكانها بين شد وجذب من قبل جميع الأطراف العربية والدولية، ورغم أن الأوضاع في الوقت الراهن متحسنة عما كانت عليه قبل عمل بعثة المراقبين من حيث إطلاق أعداد من المعتقلين الذين لم تتلطخ أيديهم وفق الحكومة السورية، وكذلك السيطرة على الأوضاع في كثير من المدن السورية عدا بعض الأماكن المحدودة التي مازالت تستمر فيها المظاهرات والتقدم باتجاه الإصلاح وصياغة دستور جديد، إلا أن إيقاف المظاهر المسلحة لا يمكن بأي حال من الأحوال طالما وجد هناك بعض الأعمال المسلحة من قبل المسلحين والإرهابيين الذين طالت أيديهم الجمعة الماضية حي الميدان في قلب دمشق بعمل إجرامي يعتبر الثاني الذي يقع في دمشق بهدف زعزعة الأوضاع بشكل أوسع بعدما وجد أولئك المتآمرون أن الأوضاع تتجه بشكل إيجابي مع الجانب الرسمي العربي! ومن هنا يتكرر السؤال نفسه من يدعم أولئك المسلحين؟ ومن يقدم المال والسلاح والمتفجرات؟ ولماذا يستمر العمل الأمني السوري حتى الآن؟! بلا شك أن تقرير المراقبة العربية أكد على وجود المسلحين واستمرار تهريب السلاح وعليه فإن أي دولة في العالم لن تقف مكتوفة الأيدي أمام استمرار مثل هذا الوضع بل ستقوم بنفس الحل الأمني الذي تمارسه قوى الأمن في سوريا، ومن هنا كان لابد للسلطات السورية من الحفاظ على أمنها واستقرارها وعدم ترك ساحة الوطن عرضة لعبث تلك المجموعات لذا ينبغي من اللجنة الوزارية العربية تقييم الوضع جيدا وعدم إلقاء المسئولية على عاتق الحكومة السورية وحدها في استخدام العنف، كما أن تسليح تلك المجموعات وتمويلها يؤكد على حقيقة المؤامرة التي تحاك ضد النظام في سوريا، ولكنها لن تعدو كونها محاولات يائسة لن تفت في عضد الوطن السوري الكبير الذي يلتف حوله مختلف فسيفساء الشعب السوري العظيم الرافض للعبث والتخريب والإرهاب. إن المهم في تقرير بعثة المراقبة العربية أنه أكد على وجود تلك المجموعات ضمنا من خلال التأكيد على استمرار تهريب السلاح وهو ما أكدته السلطات السورية من قبل، مما يعتبر تبريرا لاستخدام السلطات السورية للحل الأمني من وجهة النظر الرسمية في سوريا، ومن هنا بات على بعثة المراقبة العربية ولجنة المتابعة العربية عدم الكيل بمكيالين في معالجة الأزمة إن كانت تتوخى الانصاف، فإيقاف الأعمال المسلحة لن يتم قبل أن تتم السيطرة على العناصر المسلحة التي تعمل باستماتة من أجل زعزعة الأمن والاستقرار والضغط على النظام في سوريا مستفيدة من الضغوطات الخارجية الممنهجة التي تمارسها بعض الأطراف وبعض وسائل الإعلام العربية لتأجيج الرأي العام العربي ضد النظام في سوريا، إلا أن الحقيقة هي أن النظام السوري يحكم سيطرته على المشهد الأمني والسياسي في سوريا، وأن ما يعرض في تلك المحطات الفضائية هو مغالطة للحقيقة التي كنت شاهدا عليها خلال الأسبوع الماضي في سوريا ولم أجد ما يسوق له إعلاميا من حيث حجم المظاهرات التي يعتقد المشاهد العربي أنها تعم الأرجاء في المدن السورية بينما هي لم تتجاوز بعض المواقع في بعض المدن السورية بل أن الغالبية الساحقة من أبناء الشعب السوري يأمل إنهاء هذه الأزمة وهذه حقيقة ينبغي أن يفهمها الجميع بغض النظر عما تبثه وسائل الإعلام التي لم تراع المهنية في عملها، وعليه فإن المعضلة الأكثر حساسية في المهمة العربية هي مسألة وقف استخدام القوة الذي يصعب وقفه من جهة الحكومة السورية للحفاظ على الأمن الاستقرار خصوصا مع وجود تلك العناصر المسلحة التي تواصل أعمال السلب وقطع الطرق واستهداف المدنيين والعسكريين وتصوير المشاهد المفبركة على اعتبار أن قوى الأمن السورية هي من يقف وراءها بهدف تشكيل ضغط عام عربي على الحكومة السورية، ولكن تلك المشاهد باتت مكشوفة لدى الجميع، ورغم ذلك تواصل تلك القنوات الإعلامية بث تلك المشاهد ما يؤكد على افتقارها للخبرة التراكمية بالاعتماد على تسويق الكذب والمشاهد المفبركة التي تسقطها في مزبلة المهنة الإعلامية، ومن هنا نهيب بالمشاهد العربي توخي الدقة في متابعة تلك المحطات المغرضة التي لا تخدم الأمن القومي العربي على الإطلاق.بلاشك أن هناك الكثير من التسويق الإعلامي الذي يحاول البعض بثه عبر وسائل الإعلام ومن حق الجميع أن يتحدث ولكن للانتقاد ايضا معطيات يجب أن تبرز لا مجرد تسويق للأحداث بشكل عام، ولكن بالبراهين والدلائل الواضحة وتقديم القناعات التي يفتقر إليها بعض عناصر المعارضة الخارجية، وبلا شك إن الأعمال المسلحة التي تقوم بها السلطات السورية تتطلب من بعثة المراقبة العربية تفهم دوافعها الحقيقية النابعة من سيادة الحكومة السورية على أراضيها ومسئوليتها بالحفاظ على الأمن والاستقرار في عموم الوطن السوري، كذلك من المهم على الحكومة السورية المسارعة في برنامجها الإصلاحي مع توخي الحذر في استخدام القوة، كما أنني أدعو جامعة الدول العربية إلى تبني مبادرة عربية للإشراف على حوار وطني على غرار عمل بعثة المراقبة العربية بشكل متزامن للإطلاع على مطالب المحتجين والتحاور مع المعارضة الوطنية السورية وذلك على الأراضي السورية لتقريب وجهات النظر من أجل إنهاء الأزمة وعلى جميع أبناء الشعب السوري الابتعاد عن مكامن الفتنة والمساهمة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في بلادهم، وبالتأكيد أن التجربة الراهنة تقتضي من النظام السوري والأنظمة العربية عموما الانطلاق في مسارات الإصلاح والتغيير في ما من شأنه تحقيق الاستقرار الآمن للشعوب والازدهار للأوطان.