زمان كان الفنانون يمثلون العدالة في هيئة إمرأة ترتدي جلبابا معصوبة العينين (لأنها لا تميز بين الناس وتعاملهم بسواسية) تحمل سيف العدالة وميزانها .. في دولة الإستبداد يمكن استخدام نفس الهيئة ولكن بمنظور مختلف .. فالعدالة لا تكون معصوبة العينين وإنما "تندب فيها مليون رصاصة" تميز بين الناس فتضرب تعظيم سلام لبعض المتهمين داخل القفص وتسحل الأبرياء على قارعة الطريق .. ولو شمرنا جلبابها قليلا سنجد بالتأكيد ساقا عرجاء .. وإذا كشفنا جلبابها أكثر ستسقط بالتأكيد في كشوف العذرية. في دولة الاستبداد قد يتمتع القضاة بكثير من النزاهة.. ولكن نزاهة القضاة وحدها لا تمنع أن يشاركوا مرارا وتكرارا في تزوير الإنتخابات فطالما أن "كل شئ مضبوط على الورق" تستطيع ضمائرهم أن تنام في سلام .. نزاهة القضاة وحدها لا تكفي إذا كانت المنظومة القضائية فاسدة .. فالقاضي مهما اقترب بنزاهته من منزلة الملائكة، هو في النهاية يحكم حسب الأوراق التي بين يديه والأدلة والشهود التي تصل إلى منصته .. فإذا كانت محاضر الضبط يكتبها الجناة وسلطة جمع الأدلة في يد الفاسدين والشهود يعيشون تحت سلطة حاميها "الذي هو حراميها" فكيف يستطيع القاضي مهما كان نزيها أن يصدر حكما لا يعاني من عاهات الفساد. في دولة الإستبداد يموت الناس على رؤوس الأشهاد بلا ثمن .. يبدو القاتل معروفا للجميع مثل وضوح الشمس .. لكن الشمس لا تحمل بطاقة هوية تثبت أنها فعلا شمس .. وكذلك القاتل لا يوجد من يستخرج له أوراق اتهام تثبت أنه فعلا قاتل .. في جيبه سلاح الجريمة وعلى يديه دماء الضحايا .. ولكن عد التهم العرجاء لا تعترف بغير الورق ولتذهب الشمس ودماء الضحايا إلى الجحيم. في دولة الاستبداد يصل الكذب إلى درجة البجاحة المطلقة .. ومع ذلك يقف الكذب رفيقا للبجاحة في ساحات العدالة على منصة الشهود .. ثم يذهبان معا إلى المؤتمر الصحفي ..ثم ينتقلان إلى شاشات الفضائيات .. وفي حاشيتهما يمشي المنافقون والمطبلون والموتورون .. يؤمنون أن "أنكر الأصوات صوت الحمير" ثم يسمعون الحمار ينهق فيقولون : "ياسلام سلم .. إيه الحلاوة دي ". في دولة الإستبداد تضيع العدالة بأيدي من يحكمون الدولة .. وهم لا يدركون أن ضياع العدالة يؤدي حتما إلى ضياع الدولة .