منذ شهور كان هناك كليب شائع على الإنترنت (فوتوشوب ومتركب طبعا زى كل إخواته حسبما يرى فنيو الجرافيك، الذين امتلأ بهم البلد فى الفترة الأخيرة، خريجو مدرسة عمرو مصطفى والمذيع بواس الأيادى ونجله المهجن والمذيع الدينى «أو بالأحرى اللا دينى» الشهير بمونولجست الدعاة)، كان ضابط الجيش فى ميدان التحرير يزج بأحد المتظاهرين داخل المدرعة فى أول يوم رمضان، قائلا له بصوت عال «لو سمعت حسك تانى هاطهرك فى ميدان التحرير».. لم أكن أعرف أن الجيش به سلاح للمزينين، وقلت أكيد ما فعله الضابط استثناء، إلى أن عرفت أنه القاعدة واللواء عمارة يشخط فى إحدى الصحفيات المحترمات التى كانت تحضر مؤتمره الصحفى، وحاولت أن تصحح له معلومة، فصرخ فيها بكل ما يتنافى مع أى قواعد أو أصول «لو اتكلمتى تانى هاطلعك برة»، ثم كررها «هاطلعك برة»، مع أداء غسانى مطرى مبهر وعالمى، لم يراع أنه يتحدث إلى سيدة، لم يراع أنها ضيفة عليه فى بيته، حيث يقيم المؤتمر، لم يراع أن المؤتمر منقول لكل شاشات العالم، لم يراع أن الهدف من المؤتمر كان تحسين صورة الجيش وتوضيحا لموقفه.. هددها بالطرد فأضاف إلى رصيد المجلس العسكرى نقطة جديدة من كراهية الناس. كويس إنه اكتفى بالتلويح بالطرد، ولم يتبن طريقة تفكير الضابط الصغير مندوبه فى الميدان. سياسة «اسكت» و«لو اتكلمت تانى» تصلح فى الوحدة العسكرية حضرتك، فى مقر عملك تستطيع أن تتحدث إلى جنودك بهذه الصيغة، لكن خارج حدود الوحدة حضرتك مواطن مثلى مثلك، لا أفضلية لأحد فينا على الآخر، وهذا هو الأمر الذى لن يستوعبه المجلس العسكرى أبد الدهر، وهذه هى مشكلة الكثيرين معكم، أنتم تريدون مواطنين مخلة وإعلام مخلة وسياسيين مخلة، ونحن نحلم بمواطنين أحرار كرامتهم فوق أى شىء. المجلس العسكرى، باختصار، يمكن اختزال فكره فى فكرتين، هما أهم ما فى المؤتمر من وجهة نظرى: الخطوة الأولى: لو اتكلمت تانى هاطلعك برة. الخطوة الثانية: تحية إعزاز وتقدير لجنودنا الذين سحلوا وقتلوا. اللواء عمارة كان حريصا على رفع معنويات جنوده، وهذا الأمر ليس من اجتهاده الشخصى، أغلب الظن أنه النص الذى كتبه شخص ما خارج القاعة على ورقة وأرسلها مع ضابط شاب، ليضعها أمام اللواء عمارة، بينما كان يستعد لمواصلة حواره مع الصحفيين، لكن الورقة غيرت مسار المؤتمر، فانقطع الحوار، وتم تثبيت المشهد عند الإشادة بالجنود البواسل. من فضلكم رحمة بنا واحتراما للمؤسسة العريقة التى تمسكون بزمامها فى هذا الوقت الحساس، واحتراما لجنود وضباط كثيرين بعيدين عن المشهد، وكلى ثقة أنه يزعجهم، أرجوكم شدوا الرحال فى أقرب فرصة، إما أن تسلموها لرئيس البرلمان الذى انتخبه الشعب وإما تتركوا الشعب يختار من يحكمه بنفسه.. على الأقل سيكون مدنيا مثلنا يشبهنا، ويخاف علينا، ولا يعرف طريق التعالى والعند، ولا يجرؤ أبدا أن يقول لواحد فينا «لو اتكلمت تانى هاطلعك برة».