تذكرته أمس صديقي الذي اختفي منذ فترة. ذاب في المدينة. لم يتحمل توازناته معها. هزمته بكل ما في الكلمة من قسوة وهو هزمني بكل ما في الهزيمة من شعور بفقدان صديق قريب.. وعدم القدرة علي مساعدته في معركته مع المدينة. خسر صديقي معركته في منتصف الطريق.. تصور أنه من الممكن أن يختفي خلف ضحكته الكبيرة.. وخلف الحوارات الوهمية التي تصور أنها تكفيه للإقامة في مدينة قاسية وحنونة في الوقت نفسه. تذكرته عندما كتبت حكايته هنا. حكايته في ليلة الvalentine. حين كانت القاهرة باردة. برد خفيف. اللون الأحمر يغطي الواجهات. هل كان السيد فالنتينو يرتدي كل هذا الاحمر ؟ قلوب متناثرة في كل مكان. علي الموبايل. وعلي السترات المثيرة لبنات المقهي المزدحم بالموسيقي والأجساد الحائرة علي حافة بين نيويورك وكابول. أبحث في البرد الأحمر عن صديق أدمن الحب عبر الأصابع. كل ليلة ينسحب من جلستنا لأن عنده موعداً في غرف الثرثرة علي الإنترنت. له قصص فاشلة مع فتيات الواقع. النجاح العاطفي يلقاه فقط في عالم الصور الافتراضية والحوار مع شخص يتخيل ملامحه. ويتنكر في اسم وصورة من صنع خياله. كلمته في التليفون. كنت أريد إثارة انتباهه. حكيت له. كنت أسمع دقات الأصابع. إيقاع رتيب. كانت تقطعه صرخات الإشارة. لم يسمعني وأنا أقول له. تخيل مثلا أن رئيسا أو مسئولاً كبيرًا نشر قصص غرامه في الصحف. هذا طبعا من الخيال. خاصة في عالمنا العربي الذي يخفي الحب. يعتبره عيبا. قصص الغرام هي محرمات تدس في أدراج الذاكرة أو في حفلات النميمة والتفاخر الكاذب أحيانا. والسلطة لا تعرف الحب إلا كفضيحة. المسئول هو زوج ملتزم. وقور. يظهر مع زوجته في الحفلات. وفي المناسبات وفي الصور الرسمية عند مصورين متخصصين في البورتريهات العائلية. لا تسمع عن غراميات مسئول إلا في إطار الحرب عليه أو السخرية منه. مازالت الناس تتندر علي عبد الحكيم عامر لأنه تزوج برلنتي عبد الحميد. ينسون عقد الزواج. ويتذكرون فقط الجانب المثير من الحكاية التي اعتبرها بعض الطيبين السبب الحقيقي لهزيمة يونيو 67. كانت شيرين تغني: «.. إنت قلبك إيه.. بيدق بس علشان تعيش».. هذا امتداد لموجة التمرد علي الاستكانة والمازوخية في أغاني الحب. سميرة سعيد أبرع واحدة في هذه الموجة. تسخر بدلال أنثوي من حبيب متعجرف. وتنهي علاقات تعلمنا أنها أبدية بأقل من كلمتين. لكنها في الألبوم الجديد اختارت أن تناديه من جديد: «.. قويني بيك. قوي قلبي علشان يعيش..». فضلت الثانية طبعا في الرسائل المشفرة بيني وبينها. لكنها اختارت أغنية شيرين: «.. الحياة عندك مراحل اللي جاي زي اللي راحل..» .. وذكرتني بجوليا بطرس عندما أرسلتها لي مشفرة: «.. علي شو بعدك بتحبه علي شو..». ملت علي صديقي الثاني: «.. نظرية ست الحبايب ياحبيبة.. (أغنية عيد الأم، كانت أرحم». صديقي أصر علي صحبته في جولة للبحث عن باقة ورد تمرر عودته المتأخرة في ليلة عيد الحب. محال الزهور أغلقت أبوابها. المفتوح منها لم يعد لديه إلا كناسة الدكان. ستعتبرها إهانة. قال. وضحكنا. وقبل أن يصل التوتر إلي آخره. وبعد أن أنهكنا طول البحث. اقترحت عليه: «.. هل تحب الأرز باللبن.. «ضحك ضحكته الشهيرة: «نعم» وانتصرنا علي السيد فالنتين.. أنهينا اليوم باللون الأبيض.. وعاد صديقي إلي البيت سالما.