لعلك تذكر هذا الهتاف الآن صديقي القارئ؛ الهتاف الذي نحتاج لإعادة صياغته الآن بما يعبّر عن واقعنا وعلاقتنا بالمجلس العسكري، الذي كان يختزل الجيش المصري في المجلس العسكري كما كان مبارك يختزل مصر كلها فيه، وكنا نصدقه في البداية حتى كشف نفسه بنفسه وب"شرفه" الذي كتبتُ مرارا أنه ما مِن رجل أضر بشعبه في لحظة تاريخية مفعمة بالأمل كما فعل شرف، وما من رجل أحبط ثورة عظيمة كما أحبط شرف ثورتنا وكتم أنفاسها. كانت هناك قرارات كثيرة حاسمة يجب عليه اتخاذها لتوجيه مسار البلد باتجاه الإصلاح والتطهير، وكان اتخاذها سهلا عليه في حينه كما كان سهلا على المجلس العسكري أن يصدر عدة قرارات ثورية بعد تنحي مبارك مباشرةً لتطهير مصر وإعلامها وقياداتها وساحتها السياسية، ولم يكن المجلس سيواجه أي رفض ساعتها لأن مبارك ورجاله كانوا مختبئين كاللصوص، لكن المجلس قرّر أن يحمي نظام مبارك، وأن يختار شرف ليكون رجل المرحلة: مرحلة إخماد الثورة. الآن لابد لنا أن نفكر في شعار آخر للمرحلة: الشعب والمجلس ..... واحدة. يجب تأسيس هذا الشعار على العلاقة بيننا وبين اللواء مختار الملا الذي قال إن الداخلية لا تستخدم أي خرطوش ولا رصاص مطاطي ضد المتظاهرين... لكن الشعب الذي تعلّم من القفا الذي تلقاه بعد 11 فبراير أصبح يدرك الآن أنه لن يكرر خطأه. أعجبني كثيرا هذا الشعار في مليونية الإسكندرية: "المرة دي بجد. مش هانسيبها لحد". دعنا من مليونية العباسية التي يدّعي خيري رمضان أن عددها 700 ألف مواطن!! فزمن الأفاقين انتهى يا خيري يا رمضان، لكن الأهم أن نطبّق شعار "مش هانسيبها لحد"، وأن تُشَكّل حكومة إنقاذ وطني تضم أطيافا مختلفة لإدارة المرحلة الانتقالية. بعض القراء يسألونني: "طيب إيه عيب الجنزوري؟ ده كان راجل شريف ومبارك غضب عليه" وأنا أقول لهم إنه بغض النظر عن وزرائه: حبيب العادلي وبطرس غالي وصفوت الشريف وعاطف عبيد ويوسف والي وإبراهيم سليمان وكمال الشاذلي... بعيدا عن هؤلاء، أتصوّر أن فلسفة الحكم في مصر لها نطاق محدد منذ 30 سنة، وأنا أتخيّل هذا النطاق على أنه دائرة يقع داخلها عدد من السياسيين لهم ملامح مشتركة عامة حتى لو اختلفوا في التفاصيل، لكن لهم ضوابط ما لا يخرجون عنها ولا يمكنهم حتى أن يفكروا في الخروج عنها، مثلا لا يمكن لهؤلاء أن يفكروا في المواطن على أنه إنسان ذو عقل ناضج وليس إنسانا ذا قفا عريض، كما لا يمكنهم أن يفكروا في صاحب السلطة على أنه إنسان يجب محاسبته وليس إلها يسجد له الجميع، هل عرفت إذن لماذا قال اللواء الملا إن الداخلية لم تطلق طلقة على المتظاهرين؟ ولماذا اعتمد شرف ميزانية الدولة بما فيها مرتبات فلكية تصل للملايين يتقاضاها أكثر من 17 ألف موظف عام بالبلد بمن فيهم شرف نفسه؟ بينما كانت الثورة تطالب بقانون الحد الأدنى والأقصى للأجور؟ وهل عرفت أيضا كيف يجرؤ الدكتور سراج الدين على وصفنا نحن العاملين الثائرين عليه بأننا سلفيون نريد إغلاق المكتبة بسبب ما تقدمه من عروض غنائية ومسرح ونقاشات حرة؟ رغم أننا لسنا سلفيين أبدا. يردد سراج الدين ذلك في هولندا، ثم يفتري علينا مرة أخرى في تصريحات لموقع إسباني معروف نقلتُ رابطه في مقال سابق حيث يقول إننا نتصرف بطريقة غير محسوبة ونشكّل خطرا على سلامته الشخصية هو وفريق عمله كأننا برابرة مثلا، ثم لا يجد الدكتور سراج الدين أي حرج بعد ذلك (حين يستضيفه الإعلامي الرائع يسري فودة) من أن يقول إننا أسرة واحدة وإن المعتصمين هم أبنائي! الآن أصبحنا أبناءه؟! والأعجب من ذلك أن يقول إنه سامحنا على تجاوزاتنا بحقه! بعد إهاناته هذه لنا وتعسفه ضد عدد منا بقطع رزقه تنكيلا وانتقاما، يقول إنه سامحنا، مازلت أقول له أين تجاوزاتنا هذه؟ ومن الذي يسامح من؟ في حوار مضحك له بجريدة الأخبار يقول لمحاوره: "تخيلْ ابنا عاقا شتم أباه.." يا دكتور لماذا لا تريد أن تفهم أنك لست أبي، وأنني لا أشرف أبدا أن يكون لي أب كذاب، وأن نظرية الحاكم الأب قد انتهت الآن، وأن مبارك الأب وصفوت الأب والعادلي الأب... قد ذهبوا إلى مزبلة التاريخ؟ أبي هو أبي وهو أيضا صديقي الذي أستشيره في أموري ولا يفرض عليّ ظلما ولا تنكيلا. هل عرفت إذن صديقي القارئ لماذا يقول الدكتور سراج الدين لفوده إن المكتبة تطبق الحد الأدنى والأعلى للأجور بواقع 31 ضعفا، وهو يعلم أن كلامه مغلوط لأنه يقارن بين مرتب مدير الإدارة والموظف، ويتناسى تماما مرتبه هو الذي يزيد عن 120 ألف جنيه بينما هناك مرتبات كثيرة تصل إلى 1200 جنيه؛ يعني 100 ضعف، ناهيك عن مبلغ سنوي هو 30 ألف دولار بدل تأثيث، مما يجعل الفرق هو 120 ضعفا تقريبا. الحد الأدنى والأعلى للأجور يُقاس بين أعلى مرتب وأقل مرتب دون استبعاد مرتب مدير المؤسسة لأنه ليس على رأسه ريشة ليستبعد مرتبه من الحسبة ويظن المشاهدين أغبياء. يستحق الدكتور سراج الدين مرتبات عالمية إذا عمل في أمريكا أو في الجامعة الأمريكية التي تتقاضى مصروفات فلكية من طلابها، أما في مؤسسة مصرية وطنية وفي مرحلة تقشف اقتصادي رهيب مثل هذه المرحلة، فلا وألف لا. الموظف العام رجل خادم لوطنه ليس أكثر. الذي أطالب به الآن وأستمر في التظاهر لأجله هو أن تكون حكومة الإنقاذ الوطني من خارج دائرة الحزب الوطني التي حدثتك عنها، لا أريد جنزوريا ولا شرفا ولا سرورا ولا شريفا ولا ملا ولا إسماعيلا. الذي سينقذ البلاد أن يقودها رجال لا يكذبون. نكتة أخيرة: مراسل التلفزيون المصري أكد يوم السبت أن معتصمي التحرير أغلقوا مجمع التحرير ومنعوا العاملين فيه من ممارسة عملهم. نسي المراسل "اللذيذ" أن اليوم السبت هو عطلة رسمية لأنه رأس السنة الهجرية. الكدب مالوش رجلين يا حاج ماسبيرو.