فرق بين السماء والأرض بين علاء عبد الفتاح وعلاء مبارك .. الأول - وقد بدأت به كقيمة وقامة - مصري ثائر .. رجل حر كريم إبن رجل محام كبير وسجله مشرّف في محاربة الفساد والفاسدين .. وأمه استاذة جامعية محترمة أحسنت تربيته وأرضعته كيف يكون حراً ولا يخشى أحدا مادام على حق .. وخالته أديبة يُشار إليها بالبنان .. وزوجته منال " تشرّف بلد " .. باختصار عيلة متأصلة .. مصرية حتى النخاع .. كلما نظرت إلى صورة علاء عبد الفتاح أنحني أمامها إجلالا وتقديرا.. وكلما وجدت إصراره على موقفه أمام القاضي العسكري ،أشعر بطمأنينة عجيبة أن الثورة ستُكمل بمشيئة الرحمن نجاحها رغم أنف الحاقدين. رأيت أمه مع عمرو الليثي .. العمر فوق الستين لكن إصراراها وصمودها يفوق صمود وإصرار فتاة في العشرين .. سعيدة بإبنها آيما سعادة .. فخورة به آيما فخر .. تتوق لرؤيته كأم حراً طليقاً، غير أنها ترفض هذه الحرية المنقوصة لو كان الثمن رضوخا للأمر الواقع ، وانحناءً لما يريده القضاء العسكري. وعلاء مبارك .. أبوه فعل بمصر وشعبها ما فعل .. دمّرها .. جوّع أهلها .. سرق قوتهم .. وشرّد أبناءها .. أمرضهم بأمراض الدنيا .. منحنا بكل اقتدار المراكز الأولى في الكبد الوبائي وفيروس سي والسرطان .. وأمه الهانم الكبيرة كانت حاكمة بلا تفويض إلا من ابنها " جمال " .. البلد بلدها ونحن ضيوف " زي الهم " على قلبها .. التخلص منّا أسهل ألف مرة وأكثر فائدة عندها من ضيافتنا بكوب شاى أو فنجان قهوة .. وأخوه " ابو صباع محصلش " كان ناوي يبقى رئيسنا .. بالذوق بالعافية.. واللي مش عاجبه يضرب راسه في أقرب جدار .. أما هو " سي علاء " فحدث ولا حرج .. مالوش في السياسة نعم ، لكن له في البيزنس والهبش .. بلد أبويا ومال أبويا .. ما الهفش ليه .. على رأى سيف الله مختار في مسرحية روبابيكيا " سجعه وحلوة ..مشربش ليه؟! ". الاثنان الآن في السجن .. علاء عبد الفتاح وعلاء إبن مبارك .. لكن شتان مابين السجنين.. سجن إبن عبد الفتاح شرف وفخر ، وسجن ابن سوزان خزي وعار .. الأول محبوس لأنه صاحب رأى وموقف.. والثاني محبوس لأنه صاحب عزب وأراض مسروقة ومنهوبة.. الأول محبوس لأنه رجل إبن رجل ، والثاني محبوس لأن اباه لم يُحسن تربيته ، وكيف يُحسنها وفاقد الشىء أساسا لا يعطيه .. علاء مبارك مات ابنه - الف رحمة ونور عليه - ، فلم يتعظ ، ولم يخف الله .. لا هو ولا أبوه ولا أمه ولا أخوه .. وعلاء عبد الفتاح ينتظر ابنه " خالد " خلال أيام .. ليسعد به ويقول له : ارفع راسك فوق انت مصري .. وأبوك مصري وجدك مصري وأمك مصرية وجدتك أم المصريين.. تعالى يا خالد بسرعة .. عايز اشوفك يا حبيبي .. كان نفسي أحضر لحظة ولادتك ، واسمع صرختك الأولى .. كي أعلمك ان تظل تصرخ على طول .. انت على حق .. يبقى مفيش خوف لا من حكومة ولا من عساكر .. اصرخ يا خالد .. صحيح صرختي أدخلتني السجن ، لكنه والله أجمل سجن في حياتي .. زنزانته الضيقة أوسع من قصور علاء مبارك .. ولقمة حلوة من ماما أحلى من ولائم الثاني اللي جاية من باريس .. هوا السجن يا خالد اقسم لك بالله أنقى من الهواء الذي كان يتنفسه النظام وحاشيته .. هوا نظيف ورائحته كالورد البلدي الأصلي .. هوا الحرية .. هوا مصر الحقيقي. لما تكبر يا خالد حاخليك تتفرج على فيلم " انا حرة " .. حيعجبك أوي ياحبيبي .. كيف تكون حراً بجد ، وانت خلف القضبان .. كيف تشعر بالحرية بجد ، وانت مكبّل اليدين.. كيف تحوّل سجنك الى ساحة نقاش وتبادل أفكار ، حتى وإن كنت محبوسا " حبس انفرادي " .. ستشعر داخل السجن بأنك أكبر من كل اللي سجنوك.. وان صوتك أعلى ، وصراخك مزعج يُقلق منام من ركب رأسه وأخذه العناد ، فلم يعد يرى إلا نفسه .. .. عجز عن كسر أنفك .. فأراد ان " يكسر نفسك " واكتشف فيما بعد أنه خسر الرهان. لو أب غيري يا خالد كنت قلت لك : استنى شوية .. متجيش دلوقتي .. لسه الهوا بره مش نضيف .. والوقت غير مناسب لتشريفك.. مش عايزك تشوفني بالبدلة البيضا .. وانا محبوس .. ده لو أب تاني ..أو لو أنني علاء التاني إبن مبارك .. لكني بقولها لك بكل فخر واعتزاز : تعالى يا حبيبي ونوّر الدنيا بصراخك وضحكاتك .. واعرف حاجة واحدة .. ان انا هنا عشانك انت .. انت وبس .. انت بكره يا خالد .. والسنة الجاية واللي بعدها .. انت مصر الجديدة .. وشمسها المزهرة وقمرها المنير .. انت الأمل يا خالد يا ابني ياحبيب بابا وماما وجدو وتيته .. فتعالى بسرعة متتأخرش! نسيت اقولك يا حبيب بابا ، انا اخترت لك اسم خالد ليه .. حاقولك : كان فيه واحد عادي زيّنا كلنا .. عايش في الاسكندرية .. امه زي ماما .. واخته زي عمتك .. وبيته زي بيتنا .. وشكله زي شكلنا .. مصري .. البشرة قمحي والقد رمحي .. الشعر اخشن م الدريس .. لون العيون اسود غطيس .. الانف نافر كالحصان والفم ثابت في المكان.. كان شاطر وبيحب الموسيقى وغاوي كمبيوتر .. وفي لحظة يا خالد قتلوه ولاد الكلب .. كان شاب جميل وامه بتعشقه ، واخته مالهاش غيره .. كل ده مش مهم عند اللي اغتالوا ضحكته وفرحته وشبابه .. قتلوه بوحشية كأنه اسرائيلي .. لأ اسرائيلي إيه ؟ .. ده لو كان اسرائيلي كانوا خافوا منه وطبطبوا عليه .. افتكروا لأنه مصري مالوش ديّة .. بس دفعوا التمن غالي .. غالي أوي .. بسببه قامت الثورة .. وبسببه اتحررت مصر .. وبسببه رفعنا كلنا راسنا .. عارف كان اسمه ايه يا ابني يا حبيبي ؟ .. كان اسمه خالد سعيد.