رغم النبأ المفجع الذي نقلته لي الاديبة العالمية الدكتورة أهداف سويف يوم الخميس عن رفض القضاء العسكري طلب الإفراج عن المناضل والناشط الشاب علاء عبد الفتاح، إلا أنها هي نفسها التي حاولت أن ترفع من روحي المعنوية وتخفف من وقع الخبر عندما ردت علي تساؤلي اليائس "طيب وبعدين" ؟!.. بالقول إن "التفاؤل واجب وطني".. هذا الموقف الشجاع والنبيل الذي يتسامي علي الجُرح الشخصي ويتجاوزه الي جُرح الوطن والهم العام جعلني أشعر بالخجل لسببين ..اولهما أنني كتبتُ أكثر من مرة من قبل أنني "متفاءل مزمن" ، وعليه ما كان ينبغي لي أن أسمح لليأس والإحباط بأن يتسربا الي نفسي ..وثانيا أنني اعرف أن الدكتورة اهداف هي خالة علاء ، وكان علي أن أبدو علي الاقل أكثر تماسكا منها.. كنتُ قد قرأتُ مقالا مؤثرا" كتبته الدكتورة أهداف في صحيفة "الشروق" عن علاء ..ورغم أنني كنتُ أعرف علاء من خلال نشاطه السابق كمدون رائد مع زوجته منال ( إبنة زميلنا الحقوقي المعروف بهي الدين حسن ) ،وأيضا من خلال نشاطه في ميدان التحرير اثناء وبعد الثورة حيث ابتكر ندوات التويتر "تويت ندوة" ، إلا أن ما جاء في مقالها ضاعف من تعاطفي مع علاء وألقي مزيدا من الاضواء علي عطائه المتميز ومسيرته المهنية الفذة .. ولا أجد أبلغ من كلمات الدكتورة أهداف لوصف المسيرة المهنية لعلاء ، وإن كان هناك جانب آخر من ريادته لم يبرزه المقال كما يجب وسوف اتعرض له لاحقا"..تقول الدكتورة أهداف "علاء ، إلي جانب صفة "الناشط السياسي والمدون"، مهني متميز، له مساهمات هامة في مجال البرمجة، وبالذات في إنشاء وتطوير طبعات عربية من أهم البرمجيات..كما أن له، هو ومنال، تجارب هامة في العمل في تلك المنطقة التي يتقاطع فيها المهَني مع العام..ففضلا عن أنهما من أوائل وأنجح المدونين المصريين، كانا أول من أنشأ بوابة جامعة للمدونات العربية، فكانا كمن أنشأ ميدانا يجتمع فيه كل من يريد من المدونين، فيسهل عليهم التواصل، ويسهل علي العالم التواصل معهم، وأزعُم أن هذه البوابة كانت من المسببات الرئيسية للموقع المتميز الذي يحتله مدونو مصر ضمن مدوني العالم، وأخذ علاء ومنال عنها أكثر من جائزة عالمية منها جائزة "صحافة المواطنين" (إسبانيا) وجائزة "صحفيون بلا حدود" (ألمانيا). وشارك علاء ومنال في تأسيس امعسكرات الكمبيوترب الدورية، التي تُدرِّب الشباب العربي علي الكمبيوتر والمواطنة، وأسسا "التقنيون العرب" الذي، يجمع العاملين في مجال تقنيات البرمجة علي مستوي المنطقة".. الجانب الاهم في مسيرة علاء من وجهة نظري ، والذي لم يبرزه مقال الدكتورة أهداف ربما لضيق المساحة، هو مساهمته بنصيب وافر وجوهري في الحراك الذي شهدته الساحة السياسية المصرية ابتداء من عام 3002 وتوج بإندلاع ثورة 25 يناير..فمع ظهور المدونات علي شبكة الانترنت ، برز اسم مدونة "منال وعلاء" في تغطية النشاط السياسي والحقوقي الي الحد الذي ازعج سلطات النظام البائد ، وخاصة كلاب أمن الدولة، وفي 7 مايو 6002 وأثناء وقفة احتجاجية سلمية تأييدا" لإستقلال القضاء المصري، اعتقل علاء مع 10 آخرين من المدونين ونشطاء الديمقراطية، مما أدي إلي اندلاع احتجاجات داخل وخارج مصر..وشهدت نقابة الصحفيين احتفالية نظمها المدونون تضامنا مع زملائهم المعتقلين ..وليلتها قابلت والدي علاء الدكتورة ليلي سويف استاذة الرياضيات بكلية العلوم ، والناشط الحقوقي المعروف أحمد سيف الاسلام ..وأذكر أنني تناقشت معهما ومع العديد من الحضور عن ظاهرة المدونين الذين بدأ يرتفع صوتهم دفاعا عن الحرية والوطن في وسيط إعلامي جديد هو الانترنت لا يستطيع جهاز امن الدولة السيطرة عليه..بل طالبت في هذا الوقت المبكر بتكوين كيان موحد للمدونين لحمايتهم والدفاع عن حقوقهم ..واقترحت انتساب المدونين الي نقابة الصحفيين باي صورة من الصور لتوفير الحماية لهم وتشجيعهم علي مواصلة نشاطهم الجسور في التصدي لسياسات القمع والظلم والفساد التي انتهجها نظام مبارك بصورة ممنهجة ومنظمة..وأعتقد جازما أن ما قام به المدونون من كشف وحشية جهاز الشرطة والعنف والتعذيب الذي مارسه ضد النشطاء والمعتقلين السياسيين، كان الارهاصات الحقيقية الاولي لثورة الانترنت التي تفجرت علي نطاق أوسع وأشمل في 25 يناير.. غير أنني لم اتمالك نفسي من الضحك ، وإن "كان ضحكا كالبكا" كما يقول المتنبي،عندما قرأتُ أن إحدي التهم الموجهة الي علاء هي حيازة أسلحة!!..فأنا اعرف علاء ووالده ووالدته وجدته لأمه استاذتي الراحلة الدكتورة فاطمة موسي الرئيسة السابقة لقسم اللغة الانجليزية بآداب القاهرة ..وجده لامه الدكتور مصطفي سويف ابرز اساتذة علم النفس في مصر والعالم العربي ، فضلا عن خالته الدكتورة اهداف، وجميعهم من رهبان العلم والادب ولا يمكن أن يكون هناك ما يجمع بينهم وبين الاسلحة أو حتي العنف ،من قريب أو بعيد!!..واتمني أن يصدر المجلس العسكري امرا فوريا بالافراج عن علاء عبد الفتاح ورفاقه ، بل وكل المدنيين الذين احيلوا الي محاكم عسكرية ..ليس فقط لعدم مشروعية هذه المحاكمات ..ولكن ايضا لأن ما حدث وصمة عار في جبين الثورة ..وهناك سبب آخر ، أرجو أن نعقله جيدا ، وهو أن علاء ليس ناشطا عاديا ،بل إنه مناضل معروف علي المستوي العالم ..وقد بدأت منظمات حقوقية عديدة بالفعل حشد جهودها لإدانة محاكمته والمطالبة بإطلاق سراحه..ومَن لا يعلم ذلك يجب أن يعلم وإلا فلا يلومن إلا نفسه..