.. لا أعرف السنة التي ولُد فيها الدكتور مفيد شهاب- وزير الشئون القانونية والبرلمانية. .. ولا أدعي أنني ملم بتاريخه الشخصي والسياسي، غير تلك المحطات الرئيسية، التي تبدأ من دوره في عهد «الجهاز الطليعي»، ثم اتهامه وسجنه في قضية «مراكز القوي»، ثم عودته للأضواء في قضية طابا، ثم عودته لأحضان السلطة برئاسته جامعة القاهرة، ثم وزارة التعليم العالي ثم وزارته الأخيرة!... هذه المرحلة التي هي بالقطع طويلة، تشي بأن الرجل بالقطع تجاوز مرحلة الأربعينيات، والخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وربما يكون الآن بين ال «70 عاماً» وال «80 عاماً»!! وربما يزيد مفيد!!.. المهم أن الدكتور مفيد هو الآن في سن مقاربة لسن الرئيس مبارك «الأب»، وبالتالي يبقي له- رغم أي خلاف في الرأي والسلوك الرسمي- احترام الشيوخ، وتقدير العلماء، ووقار أهل الخبرة الطويلة حتي ولو كانت خبرات سيئة!! مع رجل يراه البعض رجلاً لكل العصور!! .. المناسبة- غير السعيدة- التي تحملني علي ذكر الحقائق السابقة هي رواية سمعتها من صديق عزيز مسئول سابق في الدولة كان يروي لي واقعة بعينها، حدثت في اجتماع حضره الرئيس الأب، والابن «جمال»، وعدد من المسئولين والوزراء، من بينهم الدكتور مفيد شهاب وصاحب الرواية!! .. الواقعة التي استوقفتني لم تكن هي تفاصيل اللقاء، ولم تكن أيضاً المعلومة التي أراد صاحب الرواية أن يدلل عليها بما حدث فيها، بل كانت واقعة تبدو ثانوية، وهامشية، بينما هي في تقديري، موحية، وكاشفة، وبالغة الخطورة من حيث الدلالة، والمعني، والمستهل!!.. قال لي المسئول إن الدكتور مفيد شهاب تكرر دخوله وخروجه من مكان الاجتماع لأكثر من مرة لعمل اتصالات تليفونية «علي المحمول» لمتابعة أمر أسنده له الرئيس، وتكرر هذا الخروج والدخول حتي قال جمال مبارك الآتي نصاً: «يا مفيد أنت هتفضل داخل طالع كده؟!». .. ليس مهماً صواب أو خطأ مبارك «الابن» في تقدير أهمية دخول أو خروج الدكتور مفيد شهاب المتكرر، وليس موضوعنا الآن السؤال عن شرعية حضور جمال اجتماعات والده مع الحكومة، والوزراء، بغير صفة أو صلة، غير صلة الدم التي لا تعطي لأبناء سرور- مثلاً- الحق في حضور وعضوية البرلمان!! .. الأهم والأخطر في تقديري هو أن جمال مبارك «46 عاماً» يتحدث إلي رجل في سن والده، وهو الدكتور مفيد شهاب، ويخاطبه في اجتماع رسمي، وأمام الحضور بعد تجريده من جميع ألقابه العلمية- بوصفه دكتوراً- والسياسية- بوصفه وزيراً- قائلاً: يا مفيد «حاف»!! .. ليس الأغرب هو ما فعله جمال «الابن» بل الأغرب هو غياب رد فعل «الأب»، ربما لم يكن متوقعاً أن يلقنه الأب درساً في حُسن السلوك أمام الحضور أو أن يقول إن هذا عمك يا جمال عيب كده!! لكنْ كان بمقدوره أن يقول للدكتور مفيد أي عبارة تفيد الاحترام، وعدم قبول تجريد الرجل من ألقابه، كأن يقول له: «اتفضل يا دكتور مفيد» أو «يا معالي الوزير» أو أي عبارة يفهم منها عدم استحسان الرئيس لسلوك الرئيس «تحت التدريب»!! .. الأسوأ من كل هذا وفقاً للرواية أن الابتسامة لم تغادر وجه الدكتور مفيد- المعروف عنه أصلاً قلة الابتسام أمام الناس وفي الجامعة وفي البرلمان!!- فالرجل لم يبد أي قدر من الضيق من سلوك معيب، وغير مقبول، ممن هو في مثل سنه الكبيرة ومقامه الجامعي والوزاري!! .. سألت مسئولاً كبيراً آخر عن دقة الواقعة، وكان حاضراً ذاك الاجتماع، فسألني: لماذا أنت مندهش؟! لقد كان جمال حتي سنوات قليلة يخاطبني قائلاً: «يا أونكل»!! ثم أصبح يقول لي يا سيادة الوزير!! ثم قبل خروجي سمعته مره يقول لي: «إنت»!! لقد كان جمال عندما يدخل علينا في اجتماع حزبي، يمر علي الجلوس وهم في مواقعهم كي يصافحهم، ثم في مرحلة لاحقة بات يدخل علي مقعده مباشرة ثم يلقي التحية علي الحضور!! وفي الفترة الأخيرة طلبوا منا أن نصطف عند باب القاعة لمصافحته «!!» .. الشيء المحُير هو ماذا سيفعل جمال إذا تحول من رئيس «تحت التدريب» إلي رئيس فعلي، في تلك المجموعة التي كان يقول لها «أونكل»؟! .. تري لو كان جمال ابناً لأي شخص آخر غير الرئيس هل كان الدكتور مفيد سيقبل أن يجرده شاب في عمر أولاده من ألقابه؟!