لعل المتابع للدوريات المتخصصة في الصحافة، يلاحظ أن عنوان أزمة المجلات أصبح متكررا فيها من «جورنالزم ستديز» إلي «كولومبيا جورنالزم ريفيو»، إلي مؤتمرات متخصصة تعقد في أقسام الصحافة في كبار الجامعات حول نفس العنوان، ومن يتابع المجلات المصرية سيجد أنها تواجه الأزمة التي تعاني منها زميلاتها في العالم، لكنها لم تسع إلي البحث عن مخرج. وفي العام الماضي أعلنت مجلة نيوزويك عن أسلوب تحريري جديد للتكيف مع الأزمة، وبدأت في تطبيقه وحقق نجاحا كبيرا جعلها تستطيع امتصاص الأزمة بصورة أو بأخري. وإذا كانت الصحافة الورقية بوجه عام تواجه أزمة أثرت في توزيعها وفي دخلها من الإعلان، فإن تأثر المجلات بالأزمة كان أكثر، وهو ما يرجع إلي طبيعة المجلات نفسها من حيث الإخراج ودورية الصدور والألوان المستخدمة فيها، وكلها تجعلها لا تستطيع مواكبة المحطات التلفزيونية التي جعلت المشاهد يستغني عن المجلة مالم تتطور المجلة في التحقيقات التي تقدمها وتجعلها أكثر عمقا واستقصائية. والمتابع لأحوال المجلات المصرية سيجد أنها أكثر تأثرا بالأزمة سواء فيما يتعلق بالمنافسة مع المجلات العربية ذات التمويل الكبير، أو بالأزمة المالية التي أثرت في دخلها من الإعلان، لكنه سيجد أمرا آخر مختلفا هو أنها لم تبذل أي محاولات للتكيف مع هذا الأمر، فالمجلات المصرية مازال تبويبها مستمرا منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ومازال إخراجها كما هو لم يتغير، وهذا الأمر صعب من أزمتها، علي عكس المجلات في الدول الأخري. ومن أسف أن بعض الصحف المصرية بدأت في تطوير نفسها والاستعانة بالشباب من خريجي كليات الإعلام لكي تعطي بعدا شبابيا لها، ولكن المجلات كانت بطيئة في هذا الأمر. وأعتقد أن من بين مسئوليات المجلس الأعلي للصحافة، ونقابة الصحفيين أن ينظما مؤتمرات نوعية للبحث في أزمة الصحافة المصرية علي أن تبدأ هذه المؤتمرات بتناول أزمة المجلات المصرية. كذلك فإنه علي المجلات نفسها أن تستعين بأهل الخبرة من أجل البحث عن مخرج يعيد لها وضعيتها في سوق الصحافة المصرية، ويعيد للمجلات المصرية ريادتها في الوطن العربي. وإذا كان بعض رؤساء تحرير المجلات المصرية قد أضفوا الطابع الحكومي علي اصداراتهم، مما أدي إلي تراجع التوزيع، فهم ليسوا مسئولين بصورة كاملة عن أزمة مجلاتهم، التي طالت حتي مجلات الأطفال ومجلات أخري متخصصة. وحتي المجلات الخاصة التي لاتهتم بالسياسة والتي صدرت منذ أعوام قليلة لمخاطبة الشباب، تراجع توزيعها هي الأخري، وقل دخلها من الإعلانات أيضا، كذلك أغلقت مجلات متخصصة خاصة، بما يؤكد أن الأزمة شاملة، وهم في الخارج يتناولونها باعتبارها أزمة مجلات، في الوقت الذي نتعامل معها نحن بالقطاعي وكل حالة علي حدة، مع أنها شاملة. إن الحفاظ علي صناعة الصحافة في مصر، من صحف ومجلات، خاصة وقومية، مهمة يجب أن تهتم بها المؤسسات المعنية، مثل نقابة الصحفيين، والمجلس الأعلي للصحافة، وذلك ليس فقط بسبب العاملين فيها من صحفيين وعمال وإداريين، ولكن لأنه يتعلق بالقوة الناعمة لمصر، ذلك أن المجلات المصرية لعبت دورًا مهمًا في تأسيس الدور الثقافي المصري في الدول العربية خلال النصف الأول من القرن العشرين، وعلي مصر أن تعمل علي استمرار دورها، خاصة أن انتشار المجلات السعودية في ثمانينيات القرن أدي إلي سعودة العقل العربي بعدما كان هذا العقل مصريا.