من الضرورى ان نقرأ الأحداث الجارية جيداً ونعمل على ربطها لنصل إلى استنتاجات من الصعب الوصول إليها مباشرة وذلك لأنها فى الغالب سرية وغير معلنة , منها ثلاثة أحداث هامة خلال الأيام القليلة الماضية جمعتها كالتالى: الحدث الأول : اعتذار الكيان الصهيونى عن مقتل الجنود المصريين على الحدود مع العلم أن الكيان الصهيونى ليس من عادته أن يعتذر عن جرائمه وأيضا هو يعلم تمام العلم ان هذا الاعتذار قد يكون ورقة فى يد مصر للتقدم بتحقيق دولى وطلب تعديل اتفاقية كامب ديفيد او طلب تعويض كبير . الحدث الثانى : إتمام صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين مقابل الصهيونى شاليط الأسير لدى حماس وذلك برعاية مصرية كاملة بعد سنوات طويلة من الممطالة الإسرائيلية . الحدث الثالث : السماح الصهيونى لكتيبة عسكرية مصرية بالتواجد فى سيناء فى المنطقة سى بالقرب من طابا رغم مخالفة ذلك لبنود اتفاقية كامب ديفيد وان الكيان الصهيونى كان دائما يهدد بأن تواجد اى قوة عسكرية مصرية قد يدفع المنطقة لحرب جديدة . عند تفسير هذه الأحداث الثلاثة نرى أنها تمت بموافقة أمريكية كاملة بالتنسيق مع الجانب المصرى المتمثل فى المجلس العسكرى والصهيونى المتمثل فى نتنياهو, بل والمؤكد أنها تمت بضغوط أمريكية على الكيان الصهيونى من باب تحسين العلاقة بين المجلس العسكرى والكيان الصهيونى, وأيضا لتحسين صورة المجلس العسكرى أمام الشعب المصرى وإكسابه مزيدا من التأييد الشعبى, بل والأصعب فى تفسير هذه الأحداث هو انها تمت من خلال صفقة برعاية أمريكية بين المجلس العسكرى والكيان الصهيونى بمقتضاها تحقق إسرائيل هذه المطالب الثلاثة ويتعهد المجلس العسكرى بحماية اتفاقية كامب ديفيد والتطبيع مع الكيان الصهيونى والحفاظ على أوضاع رجال الأعمال المصريين الأمريكيين الاحتكاريين فى مصر كما هو ويكون للمجلس العسكرى سيطرة كاملة على السلطة المنتخبة القادمة (مجلس الشعب والرئاسة) وهذا لن يتأتى إلا عندما يعقد المجلس العسكرى صفقة واضحة ومحددة مع التيارات والحركات والاحزاب المؤثرة فى الشارع والتى ستحصد عددا كبيرا من المقاعد فى البرلمان القادم (نسب محددة فى المجلس لا يتجاوزها احد) بمقتضاها لن يكون لأحد السيطرة على مجلس الشعب القادم (لاحظو طول مدة الانتخابات وذلك لتقييم مؤشرات المقاعد أول بأول ولاتخاذ التدابير اللازمة ) ومع هذا يتم التنسيق أيضا مع الشخص المرشح الأقرب للفوز بمنصب رئاسة الجمهورية ( إذا أجريت انتخابات رئاسة وهذا مستبعد الآن ) أو يقوم المجلس العسكرى بتزوير بعض الدوائر حتى يأتى من يؤيد اتفاقية كامب ديفيد والوضع الفلسطينى الحالى ووضع مصر الاقتصادى الحالى (وأمر التزوير مستبعد قليلاً) . ومع هذه الإحداث يجب الإشارة إلى أن الطابور الخامس من السياسيين والكتاب المؤيدين لإسرائيل وأمريكا هم محور هام تعتمد عليهم أمريكا بشكل كبير فى هذه الأوقات لتسويق فكرة أن الحديث عن كامب ديفيد وتعديلها مستحيل وان الحديث عن كل شيء جائز إلا الاستقلال المصرى الوطنى الحقيقى عن أمريكا وإسرائيل (وهذا مُشاهد فى وسائل الإعلام الآن ). كما يجب ربط ذلك بالمؤتمر الذى دعت له بعض الحركات والشخصيات المصرية الأمريكية والذى سيعقد فى واشنطن يوم 21 اكتوبر الحالى وسيستمر ثلاثة أيام كاملة والذى تم دعوة مرشحى الرئاسة إليه تحت عنوان حق المصريين بالخارج فى التصويت فى الانتخابات ما هو إلا كشف هيئة امريكى لهؤلاء وغيرهم من رموز السياسة فى مصر واختبار للوضع فى مصر إذا أجريت انتخابات رئاسة ماذا سيكون مصير كامب ديفيد والعلاقة مع أمريكا وإسرائيل . ووفق كل هذه المعطيات نجد أن أمريكا هى الثورة المضادة نفسها ومعها فلول النظام السابق و الطابور الخامس ورجال الأعمال والمجلس العسكرى وذلك لان همها الأول والأخير أن تظل هيمنتها العسكرية والاقتصادية على الشرق الأوسط ومصر بالخصوص وانه ليس من مصلحتها أن تحقق مصر استقلالها الكامل واكتفائها الذاتى وبنائها لقوة عسكرية حقيقية ووحدتها مع باقى الدول العربية ودعمها لفلسطين التاريخية. بعد هذا التحليل والتفسير يجب أن اقول كلمة إن الحل الوحيد الآن هو الضغط الداخلى الوطنى على المجلس العسكرى من خلال المليونيات والفعاليات الثورية حتى ينقل السلطة للشعب (مع ضرورة وضع قانون للحجر السياسى قبل الانتخابات) بشكل سريع وان لا تكون له اى سلطات عسكرية على السلطة المنتخبة برلمان أو رئاسة وهذا الضغط هو حماية له من الضغط الخارجى المتمثل فى أمريكا والكيان الصهيونى .