نقلت لنا وسائل الإعلام الأسبوع الماضى ثلاثة أنباء سارة تمس مصر : الأول كان هو نجاح صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين مقابل جلعاد شاليط تحت رعاية مصرية كاملة والثانى هو تقديم إسرائيل اعتذار رسمى لمصر عن حادثة قتل الجنود المصريين على الحدود بعد امتناعها عن ذلك لأكثر من شهرين والثالث هو سماح إسرائيل بزيادة قواتنا فى سيناء بمقدار كتيبة أي حوإلي 1000 جندى إضافى عن تلك الأعداد المسموح لنا بها بموجب معاهدة السلام بهدف إحكام السيطرة الأمنية على سيناء بما سيعود بالفائدة على امن إسرائيل . * * * ورغم ان كلها أنباء سارة لما تعكسه من تحسن فى دور مصر الاقليمى قياسا على دورها فى ظل مبارك ، إلا أنها لم ترتق بعد إلي مرتبة الأدوار الإقليمية الكبرى التى تليق بحجم مصر الطبيعى خاصة وان هناك بعض الملاحظات على الأحداث الثلاثة المذكورة : فعلى الرغم مما ستضفيه صفقة الاسرى من سعادة بالغة على حياة 1000 أسرة فلسطينية ، إلا انه لا زال فى السجون الإسرائيلية 6000 أسير فلسطينى كما أن إسرائيل قادرة فى أي وقت على اسر واعتقال ومطاردة أي عدد تريده من الفلسطينيين وللعلم فان فى شهر أغسطس الماضى وحده قامت باعتقال 250 فلسطينى هذا بالإضافة إلي ما سربته بعض الصحف العبرية برفض القيادة الإسرائيلية بالتعهد بعدم التعرض للأسرى المفرج عنهم بالاغتيال والتصفية أو بالاعتقال مرة أخري وللتذكرة فان عدد المواطنين العرب الذين اعتقلتهم إسرائيل منذ 1948 حتى الآن بلغ 800 ألف أسير مقابل ما يقرب من 1000 أسير إسرائيلى من كافة الأنظمة العربية عن نفس المدة وأخيرا علينا أن نتذكر أن كل فلسطين لا تزال أسيرة الاحتلال الصهيونى ، وبالتإلي علينا إلا نبالغ فى الاحتفال ، وعلينا بعد أن نفرح قليلا أن نعود على الفور لمواصلة النضال ضد هذا الكيان اللعين . * * * أما فيما يتعلق بالاعتذار الإسرائيلى لمصر عن حادثة الحدود ، فهو اعتذار تحيطه الريبة والشك فلقد نقلت لنا بعض وسائل الإعلام الغربية والعبرية انه تم تحت الضغط الامريكى فى إطار جهود متعددة وكثيفة أخري لتحضير الساحة الإقليمية إلي عدوان محتمل على إيران وأيضا قالوا إن الاعتذار جاء لتخفيف حدة الاحتقان الشعبى فى مصر ضد إسرائيل بعد حادث الحدود لما يمكن أن ينعكس سلبيا على نتائج الانتخابات البرلمانية لغير صالح أمريكا وإسرائيل وكامب ديفيد . كما أن الاعتذار جاء ليغلق هذا الملف بالضبة والمفتاح ، مع وجود ضمانات مصرية بالامتناع عن المطالبة بأي تعويضات أو القيام بأي مطاردات جنائية دولية ضد القادة الإسرائيليين على وزن تلك التى اتخذت ضدهم فى بريطانيا بعد العدوان على غزة عام 2008 وذلك على النقيض من السلوك الصهيونى المنهجى بحتمية القصاص والأخذ بالثأر لأي قتيل إسرائيلى ، وليس أدل على ذلك ما حدث لسليمان خاطر فى محبسه . و أخيرا هو اعتذار قد يقبله الدبلوماسيون أو الحكام ، ولكنه على وجه اليقين لن يشفى غليل غالبية المصريين . *** أما فيما يتعلق بسماح إسرائيل بزيادة قواتنا بمقدار 1000 جندى مصرى فقط ، فهو لم يحل المعضلة الكبرى والرئيسية فى المعاهدة وهى تجريد ثلثى سيناء المجاورة لإسرائيل من القوات بما يجعلها عرضة على الدوام لخطر عدوان صهيونى جديد مماثل لما حدث فى عام 1956 و1967 . *** ولكن على حال قد تكون رغم كل ذلك مكاسب جيدة على طريقة المثل القائل ان مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة . نعم قد تكون كذلك بالفعل إلا إذا ... إلا إذا وهذا هو مربط الفرس أن تكون الإدارة المصرية قد قدمت التزامات معينة لإسرائيل مقابل خدماتها المذكورة ، التزامات لا نعلم عنها شيئا و لم يعلن عنها احد ولم ترد لنا فى ثنايا هذه الأخبار السارة المعلنة . ومصدر هذا القلق هو انه ليس من المنطقى أن تقوم إسرائيل التى نعلمها جيدا بتقديم ثلاث تنازلات دفعة واحدة للمجلس العسكرى قبل شهرين من الانتخابات البرلمانية التى قد تأتى بما لا تشتهيه إسرائيل وأمريكا . وبقول آخر لماذا تتنازل إسرائيل للإدارة المصرية الحالية التى ستنتهى ولايتها جزئيا أو كليا خلال بضعة شهور ؟ الم يكن من الأحوط أن تنتظر لترى ما ستسفر عنه الانتخابات وإلي من سيؤول حكم مصر قبل أن تقدم ما قدمته ؟ وهو ما يطرح سؤالا مشروعا ومنطقيا هو ماذا أخذت إسرائيل فى المقابل؟ هل أخذت وعودا بسياسات والتزامات استراتيجية طويلة الأمد ، بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات؟ وهو ما يعنى ، إن صدق ، أن حكام مصر القادمين والمنتخبين برلمانيا ورئاسيا سيستلمون السلطة منقوصة و مخصوما منها ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية وربما ملفات أخري لا نعلمها ، هم يعلمونها . سنرى .... ***** [email protected]