أكلم مين لما أحب أكلم مصر؟ ولا أى واحد! اتفضل كلم الثمانين مليون مواطن، فردا فردا، لأنه لا يوجد أحد الآن يستطيع أن يتكلم باسم مصر وشعبها.. نعمل إيه فى المصيبة دى؟ هى مصيبة طبعا، فالمجلس العسكرى حين يقنن ويشرع فإن كثيرين جدا يملكون القدرة على أن يرفضوا ما يقر ويقرر، معتبرين أن مهمته -فقط- هى تنفيذ مطالب الثورة، وأنه لا يملك شيكا على بياض للتصرف بشأن البلد بعيدا عن أصحابه، أو بمعنى أدق بعيدا عن ثواره! المجلس نفسه يشعر أن هناك أغلبية صامتة، منحته ثقتها وشرعيته فى اتخاذ القرار (هى أغلبية الاستفتاء المشؤوم) وأن الثوار الذين يطلقون على أنفسهم هذه الصفة ليسوا المعبرين عن الشعب، بل هم قطاع صغير منه لا يحق له أن يصادر رأى الأغلبية. التيار الإسلامى، إخوانا ووسطا وسلفيين، الذين قالوا نعم فى الاستفتاء (وهم -إذن- جزء كبير من مانحى الشرعية للمجلس، لو اعتمدنا تصوره أن الاستفتاء هو أصل الشرعية) يرون الآن أن المجلس يجب أن لا يتصرف ويقرر دون أن يسمع الأغلبية (التى هى هم!!) وأن المجلس لا يتحدث باسم الشعب فيعارضونه ويختلفون معه ويخالفونه! أما الليبراليون وأنصار الدولة المدنية فيعتقدون أن الإسلاميين لا يمثلون الشعب، وأنهم مجرد تيار داخله، لا يملك أن يتحدث باسمه، ولا أن يفرض رؤيته ورأيه على الناس بالصوت العالى أو بالتكفير، وبالزعم أنه ممثل شرع الله على الأرض. الإسلاميون من ناحية أخرى، خصوصا السلفيين والجماعة الإسلامية، رأيها أن الشعب أصلا مالوش رأى وأن الشرع يجب أن يتبع، ولن يأخذوا رأى الناس فى حكم ربنا. الإسلاميون -إذن- لا ينتظرون الانتخابات، بل ينتظرون البيعة تقريبا، ثم إنهم يؤمنون بأن أنصار الدولة المدنية كَفَرة لا يحق لهم رأى ولا يُسمع منهم مشورة، وأنهم لا يعبرون عن الناس ولا يمثلون الشعب ولا يتحدثون باسم مصر! أما الحكومة فهى آخر جهة يمكن أن تزعم أنها تتكلم باسم الشعب، فالشعب إما أنه لا يطيقها، وإما أنه لا يعيرها اهتماما. وهى بالنسبة إلى الناس عبارة عن كيس ملاكمة يتدربون عليه، كى يعبروا عن غضبهم وقرفهم، وهى حيطة مايلة بكل المقاييس، يعرف المواطن أنْ لا حول لها ولا قوة، لكن يحب أن يحمِّلها المسؤولية، ولا يمكن أن يمنحها الحق فى الكلام باسمه أبدا! شباب الثورة ومجموعات التويتر والفيسبوك فى منتهى الجرأة والاعتداد بالذات والإيمان بالنفس، ويمتلك كل واحد فيهم نظرية متكاملة عن كل شىء فى الدنيا، من تفاعل الذرة إلى شوى الذرة! وكل واحد فيهم أُمَّة قائمة بذاتها، ورأيه من دماغه، ولا يعجبهم العَجَب ولا الصيام فى رجب، ويسخرون ويتهكمون على أىّ كائن مَنْ كان، بما فيهم أنفسهم! ولا يعنيهم ولا يلزمهم أى رأى، ولا يمكن أن يمثل أى واحد فيهم إلا نفسه، ولا يجرؤ سياسى أو مفكر أو حتى شخص منهم وفيهم، أن يدّعى أنه يمثلهم، فقد يناله منهم السخرية والمرمطة! الناقمون على الثورة والكارهون للثوار يرفضون تماما أن يعترفوا بحق متظاهرى ميدان التحرير مثلا فى الحديث باسم مصر، ويضربون بقوة أى محاولة للادعاء أن التعبير عن الشعب يأتى من مجموعات السياسيين والمثقفين الذين يظهرون فى المظاهرات والبرامج. الأحزاب القديمة روبابكيا، يقودها مسنون منفصلون عن أعضائهم، ولا يشكلون أى قيمة عند حزبهم، الذى لا يتورع أفراده عن التمرد عليهم، لو لم يرموا عليه السلام وهم داخلون لمقر الحزب، وأحزاب مباحث أمن الدولة التى يجلس رؤساؤها أمام أعضاء المجلس العسكرى لا يمثلون حتى عيالهم فى البيت! والأحزاب الجديدة تملك من الجرأة أن تعترف بأنها محتاجة إلى وقت كى تلتحم بالشارع ويعرفها الناس، ومن ثم فهى لا تقدر -بالمنطق- على التعبير عن رأى الشعب، حيث إنهم ربما يعرفون الشعب، لكن الشعب نفسه لا يعرفهم، وبالتأكيد لا يعطيهم حق تمثيله، بل إن أعضاءها ينشقون عنها بأسرع من انشقاق شق البطيخ! حتى على مستوى الاحتجاجات الفئوية التى يكره بعض اليساريين أن يطلقوا عليها فئوية، ومع ذلك فهى تعبير عن فئة لا عن شعب، ولمطالب فئة لا مطالب وطن، وبحث عن مصالح فئة لا مصالح المواطنين جميعا، لكن عموما عندما يتظاهرون ويحتجون يجمعهم الغضب، لكن يفرقهم الوعى، ويتفقون على الإضراب لكن يختلفون على موعد فضِّه، ويتوحدون ضد المسؤولين لكن يتطاحنون عند التفاوض معهم. المدرسون لا يعترفون بتمثيل النقابة لهم، والأطباء يرفضون أن يمثلهم أحد فى التعبير عن مطالبهم، وسائقو النقل يسحبون شرعية أى مفاوض باسمهم، إذا جاء باتفاق لم يحصل على رضا اثنين من بين عشرين سائقا. بالحق والصدق لا يوجد شخص أو جهة فى البلد تستطيع أن تقول الآن إنها تمثل الشعب وتتحدث باسمه وعنه، والناس تطعن فى كل الناس ويشكك الناس فى أى ناس! مرة أخرى ما الحل فى التعامل مع هذه المصيبة؟ لا يوجد إلا حل واحد.. الانتخابات. أعرف أن قانون الانتخابات منيّل، وأن التعقيدات خرافية وأن الإجراءات مكلكعة وأن المواعيد مرحرحة، ومع ذلك فهى الحل الوحيد الذى يسمح بالتالى: 1- أن تزعم جهة أنها تمثل مصر وتتحدث باسمها. 2- أن يصدق الكثيرون أن هذه الجهة تملك حجة ودليلا على أنها تتحدث باسم الشعب. كل هذا يا جماعة لأن هولاكو أرسل مندوبه إلى القاهرة كى يتفاوض، وحتى الآن لا عندنا رشدى أباظة ولا أحمد مظهر..... لكن الحمد لله ما زالت لبنى عبد العزيز موجودة!