هل تفعلها مصر قريباً وتعلن الحرب على إسرائيل؟ وهل تتمخض ظاهرة إدارة شؤون البلاد وفقاً لمزاج وضغوط الشارع عن قرار رسمي بمواجهة عسكرية مع "عدونا الأول"، الذي حاول النظام الحاكم في عهديَ السادات ومبارك أن يجبرنا على حبه "بالعافية" أو على الأقل عدم كراهيته، ولكن دون جدوى؟ هل يمكن تفسير ما حدث من اقتحام لسفارة "العدو الصهيوني" القابعة، منذ سنوات طويلة وعلى غير رغبة الأغلبية الساحقة من المصريين، في قلب القاهرة النابض على أنه تصعيد رسمي، ذو طبيعة شعبية، تمهيداً لخطوة لاحقة رداً على غطرسة إسرائيل ورفضها الاعتذار عن قتلها جنوداً مصريين على الحدود في رمضان الماضي؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه تعبيراً عن المشاعر الحقيقية لجموع المصريين، قام به شبان ألهبت مشاعرهم الاستفزازات المتكررة لإسرائيل، ورأوا في هذا الاقتحام شفاء لغليلهم وأبسط رد على دماء اخوانهم، التي أراقتها قذائف العدو على الحدود؟ أم هم "فلول النظام السابق"، الذين يسعون لكسر هيبة الدولة المصرية وإحراج الثورة أمام الرأي العام العالمي، بل وجرها إلى منعطف خطير بالمواجهة مع "العدو المتربص"، الذي لطالما نجح الرئيس السابق (المخلوع) في إبعاد البلاد عن الانجرار إليه، وهو ما يعتبره مناصروه و"أبناؤه" واحدة من أهم إنجازات عهده؟ عليَّ أن أعترف أولاً بأنني لست من هواة تفسير الأحداث وفقاً لنظرية المؤامرة، مع يقيني أن مصر حالياً أصبحت تربة خصبة لتدبير المؤامرات، بل أضحت ملعباً مفتوحاً لكل من هب ودب، ولكل راغب في اللعب. المعطيات وسير الأحداث تشير إلى أن خيار المواجهة العسكرية غير مطروح حالياً، ليس فقط لأن الولاياتالمتحدة التي تحاول الظهور في دور المساند للثورات العربية "والديمقراطيات الجديدة الوليدة الناشئة في الشرق الأوسط"، على الأقل إلى أن يثبت أنها ستهدد مصالحها في المنطقة، إذا لم تنجح واشنطن في احتوائها، وكما جرت العادة فإن إسرائيل لن تشن حرباً من دون ضوء أخضر أمريكي، إضافة إلى ميزان القوى المتغير في المنطقة، وتوتر العلاقات بين أنقرة وتل أبيب. إذن خيار الحرب والتصعيد العسكري مؤجل، على الأقل في الوقت الراهن. ويبقى السؤال الأهم: هل جاء الاقتحام عفوياً أم مدبراً بهدف إحراج الثورة؟ وفقاً للرواية الرسمية، فإن من قاموا بهذه العملية "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوصفوا بأنهم شرفاء"، كما جاء في نص البيان الرسمي الصادر عن الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء المصغر. كما أنهم "مأجورون ينفذون جزءاً من مخطط يستهدف إسقاط مصر"، وفقاً لما جاء على لسان وزير العدل. وهنا يظهر تناقض غير مفهوم، إذ كان رد الفعل الرسمي على إنزال العلم الإسرائيلي من فوق مقر السفارة في واقعة سبقت الاقتحام بأيام محل ترحيب، على الأقل من جانب رئيس مجلس الوزراء عصام شرف، الذي استقبل من اصطلحت وسائل إعلام مصرية على تسميته ب"بطل موقعة العلم" الشاب أحمد الشحات، وكذلك من جانب محافظ الشرقية الدكتور عزازي علي عزازي، الذي منحه شقة سكنية، وذلك بعدما خاض الشاب معركة قانونية في النيابة، لإثبات كونه "بطل" الموقعة، وليس شاباً آخر حاول منازعته عليها. يحدث ذلك علماً بأن إنزال العلم، وأنا شخصياً مع إحراقه بل ومع طرد السفير وقطع العلاقات "من زمان"، يعتبر انتهاكاً لتعهدات مصر الدولية في ما يخص حماية البعثات الأجنبية، انتهاك يماثل أو يقل قليلاً عن اقتحام السفارة نفسه. وإذا كان منْ نجحوا في الاقتحام فلولاً أو جزءاً من مؤامرة، فهذه مصيبة أكبر، لأن معنى ذلك أن أهل الحكم في مصر حالياً عاجزون عن السيطرة، وعاجزون عن التصدي لحفنة من من "المشاغبين" تحركهم أيدٍ متآمرة، سواء كانت من أزلام النظام السابق، أو من قوى خارجية متربصة بمصر، كما رجح وزير العدل. والسؤال الذي يحيرني صراحة، كيف نجح المقتحمون في تحقيق هدفهم والصعود إلى مقر السفارة الشاهق ودخوله، فيما عجز الآلاف في الليلة نفسها في اقتحام مقر مديرية أمن الجيزة؟ وفيما عجز عشرات الآلاف، في أوج الثورة، عن اقتحام مبنى وزارة الداخلية؟ هل كانت الحماسة والغل في نفوس مقتحمي السفارة أكبر مما كانت عليه لدى الثوار، حينما حاولوا اقتحام حصن "لاظوغلي" العتيد؟ أم أن الأمر لا يخلو من تراخٍ أو تهاون أو ربما تغاضي؟ منْ من مصلحته اقتحام السفارة في هذا الوقت؟ بالتأكيد مثل هذا الأمر يصب في مصلحة كثيرين. هل هي قوى تسعى إلى لجم الثورة ودفعها إلى تغيير مسارها، بدلاً من تصحيحه، بل ووضعها والثوار المخلصين في موقف دفاع عن النفس، على اعتبار أنهم من أشاعوا الفوضى، وسببوا الأذى للمصالح العليا للبلاد؟ هل هي قوى تسعى لبقاء الوضع على ما هو عليه، وتحويل الفترة الانتقالية إلى فترة ثابتة وغير انتقالية بدعوى أن الوقت غير مناسب لإجراء انتخابات أو لتسليم السلطة حالياً؟ هل هذه أسئلة مغرضة وتحريضية و"تودي في ستين داهية"؟ حقيقة ليس لدي إجابات. الحقيقة الوحيدة التي لدي يقين بشأنها أن "موقعة السفارة" ستتحول إلى لغز آخر غامض، ينضم لإخوانه من الألغاز الكثيرة في تاريخ مصر الحديث، التي صمدت طويلاً أمام أي محاولات لحلها. أتمنى أن أكون مخطئاً، وأن تكون ثورة يناير العظيمة سبباً في فتح "طاقات نور" لنفهم ما يجري حولنا، أو على الأقل في جعل "موقعة السفارة" آخر الألغاز.