مصر تشارك بفيلم واحد وتركيا وإيران تشاركان بسبعة أفلام لكل منهما دعاء سلطان كان السؤال الأهم الذي ظل يتردد في ذهني بعد وصول دعوة مهرجان كازان الدولي للسينما الإسلامية في دورته السابعة: هل يترك عاقل مصر مدة سبعة أيام بكل ما فيها من زخم وثراء وأحداث تتبدل من النقيض إلى النقيض في ثوان، ليحضر مهرجانا للسينما في جمهورية تترستان في روسيا؟! منذ عام مضى سعيت للمشاركة في المهرجان هربا من مصر.. وهذا العام أرسل المهرجان دعوته دون أن أطلبها، بل إنني فكرت في رفضها.. هذا العام أفكر.. كيف التصق بمصر أكثر.. قبلت الدعوة الكريمة.. وأنتم تقرأون هذه الكلمات سيكون مهرجان كازان الدولي للسينما الإسلامية قد افتتح دورته السابعة بمشاركة 52 فيلم من 23 دولة. منذ اللحظة الأولى التي وصلت فيها مطار دوميدوف في موسكو، أدركت أن قرار قبول الدعوة كان هو القرار الأصوب.. "أنت مصرية.. واو.. الشأب يوفيد.. سيلمية.. سيلمية".. هكذا قالت موظفة الجوازات في المطار.. أدركت أنها تقصد: الشعب يريد.. سلمية سلمية.. فهمت أنها تحيي الثورة المصرية.. أدركت أن الثورة هي أول حدث رفع رؤوس المصريين عالياً في العالم كله.. أنهت الموظفة إجراءت دخولي ومعي المخرج محمد رمضان بسرعة لم نكن نتخيلها، وقالت لنا في النهاية بلغة إنجليزية رديئة: Egyptian revolution inspired the world.. الثورة المصرية ألهمت العالم. في مصر أصبنا بالإحباط بعد نتائج مخيبة للآمال، لكن من يسافر خارج مصر يدرك عظمة الثورة المصرية، وعندما ترى كيف ينظر إليك العالم، لابد أن يختفي إحباطك. في تتارستان تلك الجمهورية التي تدين بالإسلام، والذي تظهر سماحته في وجوه كل سكان المدينة.. مسلمين ومسيحين ويهود وملحدين، سيفتتح اليوم مهرجان كازان دورته السابعة.. تشارك مصر في المهرجان بفيلم في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة عنوانه "حواس" للمخرج محمد رمضان وهو مشروع تخرجه في معهد السينما. المهرجان الذي افتتح أمس دورته السابعة الشيخ راوي عين الدين رئيس جمعية المفتيين في روسيا وممثل من الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، يعرض سبعة أفلام لإيران ومثلها لتركيا وفيلماً واحدا لمصر، ففي مصر لا يهتم المنتجون بمهرجان ميزانيته محدودة ولا يحصل فيه النجوم على مبالغ معتبرة لحضوره، بينما ترسل إيران وتركيا ضعف عدد الأفلام التي تقبل للمشاركة! تغيرت مصر ولم يتغير صانعو قوتها الناعمة.. إيران وتركيا تهتمان بالمهرجان أكثر من اهتماماهما بمهرجان كان السينمائي الدولي رغبة في التواصل ومد خيوط مع عالم إسلامي لا نرغب نحن سوى أن نرى "السعودية" ممثلة له، بينما العالم أرحب من ذلك.. وحتى الإسلام نفسه أرحب من حدود دولة.. إنه دين يحتضن العالم وإيران وتركيا بلدان ترغبان في اكتشاف الإسلام بصورته الرحبة، أو ترغبان في فرض قوتهما الخشنة في السياسة والناعمة في الفن على العالم كله. عندما رفضت آثار الحكيم دعوة مهرجان كازان لعضوية لجنة تحكيم هذا العام، قبلها المخرج التونسي ناصر خمير عضو لجنة تحكيم المهرجان ومخرج أفلام "الهائمون" و"طوق الحمامة المفقودة" و"بابا عزيزة".. وكان الاختيار رائعا، فالمخرج التونسي مؤمن ومعتز بثقافته ذات المرجعية العربية الإسلامية كما يتضح من أفلامه وأهمها وآخرها "بابا عزيز" الذي مسح من خلاله عار الإرهاب والعنف عن الدين الإسلامي السمح بعد تفجيرات 11 سبتمبر، مقدما فيلمه باللغة العربية والفارسية.. مهرجان كازان نفسه افتتح أولى دوراته عام 2005 برسالة مفادها: الإسلام دين سمح لا يعرف الإرهاب، والمسلم إنسان، حتى إنه يقدم فنا ويعرف السينما.. استغل المهرجان الاحتفال بمرور ألف عام على إنشاء مدينة كازان عاصمة تترستان ليعرض فكرة إقامة المهرجان للترويج لصورة مختلفة عن الإسلام، فشل المفتي الشيخ في إيصالها عبر خطبه المتتالية، فلجأ إلى دعاية أكثر انتشارا لدين يقهره معتنقيه أكثر مما يقهره أعدائه، ووصلت الرسالة ونجح المهرجان. اعتذرت إذن آثار الحكيم ليقبل التونسي ناصر خمير الدعوة، وحمدا لله على الاختيار الموفق للمهرجان، الذي ينسق له بدأب الجزائري مراد سكيككماية المؤمن بأن القوة الناعمة تصلح جداً لإعادة الصورة الأروع للإسلام دون ضجيج الخطب والمقالات، حتى إن مهرجان كازان يعرض أفلاماً في المسابقة الرسمية هذا العام للولايات المتحدة واليونان وأستراليا وألمانيا.