والبترول وعدد السكان القليل يضمن لليبيين مستقبل أفضل بدون القذافي القذافى و صدام حسين يبدو مشهد خروج مئات الآلاف في الساحة الخضراء بطرابلس، في جو من الاحتفالات الهيستيرية بدخول معقل القذافي القوي، بعد مضي نحو 6 أشهر من اندلاع ثورة ال17 من فبراير، يبدو نسخة كربونية لمشهد تدفق مئات الآلاف أيضا من العراقيين إلى شوراع بغداد في مارس من العام 2003، احتفالا بسقوط طاغية آخر هو صدام حسين في أعقاب الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة. وبين الرجلين صدام والقذافي وجوه شبه كثيرة أيضا، فكلاهما جاء إلى دفة الحكم بانقلاب عسكري، كما أن كليهما أسس أسرة سلطوية استمر حكمها لما يقرب من 40 عاما، وحظي أبناؤهما بنفوذ اقتصادي وعسكري هائلين. الصورة التي تتشابه تفاصيلها، تثير تخوف بعض وسائل الإعلام الغربية من أن تؤول ليبيا إلى المصير ذاته الذي انتهى إليه عراق ما بعد صدام، في حين يرى البعض الآخر بصيص نور يلوح من بعيد. مجلة تايم الأمريكية تقول إن قادة المعارضة الذين يفترض أنهم سيقودون ليبيا الجديدة يأتون بشكل كبير من الصفوف الداخلية المحيطة بالقذافي، ومن بينهم الرئيس المحتمل للبلد مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، الذي كان حتى فبراير الماضي، وزير عدل القذافي، ومحمود جبريل، الذي عمل مستشارا اقتصاديا لحكومة القذافي حتى انشقاقه في فبراير، والذي من المتوقع أن يكون رئيس الوزراء في الحكومة الجديدة. ويجعل هذا من المستحيل - بحسب تعبيرها - تطهير الحكومة الجديدة من المرتبطين بالنظام القديم، على غرار عملية تطهير مؤسسات الدولة العراقية من فلول حزب البعث الحاكم في عهد صدام. وتقول المجلة المرموقة إن احتمال اندلاع حرب أهلية بعد رحيل القذافي بدا يوم- الاثنين- أمرا محققا، وبخاصة بعد اختفاء القذافي منذ آخر رسائله الصوتية، ونجله خميس، الذي كان حتى يوم الأحد، يقود بنفسه كتيبة تحمل اسمه، لسحق الثوار. ويثير هذا الغموض مخاوف من أن القذافي ربما كان يدبر لهجوم عسكري مضاد، يستخدم فيه آخر ما في جعبته، إن كان تبقى فيها شئ من الأساس. الشهور القليلة القادمة في ليبيا لن تكون سهلة، لكن أسوأ السيناريوهات لن يتكرر في البلد أيضا، ومن المرجح أنها لن تكون عراقا آخر، بحسب صحيفة الجارديان البريطانية. وكتب الصحفي البريطاني برايان وايتيكر أن بشائر هذا تلوح من خلال الخطوات التي بدأها المجلس الانتقالي، وتتمثل في الدستور المؤقت الذي صدر الأسبوع الماضي ويحتوي قدرا من المرونة والحزم في آن معا، فهو يعترف بحقوق الأقلية من البربر، ويقبل بدور الشريعة الإسلامية لكنه يضع قيودا عليها أيضا. وبالنسبة إلى محاسبة عناصر النظام السابق، تشير المؤشرات الأولية إلى أن "الانتقالي" لا ينوي الخروج عن النص، فقد تم اعتقال سيف، نجل القذافي، حيا، تمهيدا لمحاكمته. كما أنه لا يوجد ما يدعو للافتراض بأن ليبيا ستكون دولة فاشلة، فهي حتى في ظل حكم القذافي كان ترتيبها 111 من 171 على مؤشر الدول الفاشلة، وهو ترتيب أقرب إلى دول المقدمة عنه إلى الصومال أو أفغانستان. وبغض النظر عن جنون العقيد، والفساد وجرائم أجهزته الأمنية، لدى البلد جهاز حكومي "معقول"، وهوما لا يستدعي هدم كل شئ والبدء من نقطة الصفر، كما حدث في العراق، بل البناء على ما هو موجود وعمل الإصلاحات المطلوبة. الكاتب البريطاني يرى أيضا أن لدى ليبيا نقطتي تفوق في مقابل مصر وتونس، يمكن أن تساعداها على تجاوز المرحلة الحالية بنجاح، تتمثلان في قدراتها الاقتصادية الكبيرة، من عائدات نفطية ضخمة وعدد سكان قليل (6.5 ملايين نسمة فقط) ، وهو ما تفتقر إليه مصر وتونس. الميزة الأخرى أن ضربات الناتو أصابت البنية التحتية للنظام بالشلل، فمكاتب المخابرات ومقرات أجهزة الأمن وقدرات الجيش تضررت بشدة إلى درجة الانهيار، ما يعني أن ليبيا ستكون البلد العربي الوحيد الذي ستبدأ المعارضة فيه عهدا جديد مع نظام قديم محطم القوى. ويقول وايتيكر: "يكفي النظر إلى تونس ومصر لإدراك الأهمية الكامنة في هذا الأمر، ففي مصر، حيث تولى المجلس العسكري السلطة من بعد سقوط مبارك.. يشكل بقاء قوى الأمن التي لم تتم إعادة هيكلتها حاجزا أمام التغيير السياسي،" وتدمير جيش القذافي يفتح بحسب رأيه الطريق للسياسيين، لا العسكريين، لتكون لهم اليد العليا. على أن الكاتب لم يوضح في تحليله الفارق بين الجيش المصري، وربما بدرجة ما الجيش التونسي، من ناحية القدرات والاحترافية العالية، وبين جيش القذافي، فالأخير لا يمت إلى الجيوش النظامية بصلة بقدر ما يشبه الميليشيات.