أبرز بنود «إعلان القاهرة» خلال الجلسة الختامية لاجتماع وزراء السياحة بدول منظمة (D-8)    الخارجية الأمريكية: الاتفاق مع الحوثيين يتعلق فقط بوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر    السيسي يهنئ فريدريش ميرز بانتخابه مستشارا لألمانيا    منتخب مصر لرفع الأثقال يحقق أرقاما قياسية بالجملة في بطولة العالم للناشئين    التعادل يحسم نتيجة مباراة زد ضد الاتحاد السكندري في الدوري المصري الممتاز    ضبط 8 طالبات بالصف الثاني الإعدادي لتعديهم على زميلتهم في العاشر من رمضان    محكمة النقض تحدد جلسة لنظر طعن سائق «أوبر» المدان في قضية «فتاة الشروق»    منطقة أهرامات الجيزة تستقبل وزير السياحة التركي    ما حكم ترك ركن من أركان الحج؟.. القاعدة الشرعية    البنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية يتعهدان بتقديم ملياري دولار لمشاريع التنمية المشتركة    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    "ثقافة الفيوم" تشارك في فعاليات مشروع "صقر 149" بمعسكر إيواء المحافظة    "الأزهر" يرفض و"الأوقاف" تتغول على صلاحياته " .."برلمان الانقلاب " يقر قانون تنظيم الفتوى بعد فتوى الدكتور "إمام    في اليوم العالمي للربو 2025.. كيف تسيطر على النوبة؟    وفد البنك الدولى ومنظمة الصحة العالمية في زيارة لمنشآت صحية بأسيوط    "قومي المرأة" يشارك في تكريم المؤسسات الأهلية الفائزة في مسابقة "أهل الخير 2025"    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني لحماية المرأة    الكرملين: بوتين سيزور الصين في أغسطس المقبل    نجوم الفن وصناع السينما يشاركون في افتتاح سمبوزيوم «المرأة والحياة» بأسوان    أحدث ظهور ل ابنة نور الشريف    ظافر العابدين ينضم لأبطال فيلم السلم والثعبان 2    بولندا تتهم روسيا بالتدخل في حملة الانتخابات الرئاسية    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    أمين الفتوى: الزواج قد يكون «حرامًا» لبعض الرجال أو النساء    محافظ دمياط: إطلاق حزمة من الإجراءات لإحياء حرفة النحت على الخشب    حالة الطقس غدا الأربعاء 7-5-2025 في محافظة الفيوم    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    رئيس شباب النواب: استضافة مصر لبطولة العالم العسكرية للفروسية يعكس عظمة مكانتها    رافينيا يرشح محمد صلاح للفوز بالكرة الذهبية    بعد اغتصاب مراهق لكلب.. عالم أزهري يوضح حكم إتيان البهيمة    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الحكومة المؤقتة في بنجلاديش    البابا تواضروس الثاني يزور البرلمان الصربي: "نحن نبني جسور المحبة بين الشعوب"    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    مشروبات صحية يُنصح بتناولها لمرضى السرطان    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    المخرج جون وونج سون يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    جامعة كفر الشيخ تنظّم ندوة للتوعية بخطورة التنمر وأثره على الفرد والمجتمع    "الخارجية" تتابع موقف السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    جزاءات رادعة للعاملين بمستشفى أبوكبير المركزي    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    مجلس مدينة الحسنة يواصل إزالة الآثار الناجمة عن السيول بوسط سيناء    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    باكستان تتهم الهند بوقف تدفق مياه نهر تشيناب    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    إلغاء الرحلات الجوية بعد استهداف مطار بورتسودان بمسيرات للدعم السريع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.أشرف الصباغ يكتب:تحالفات السلطة العسكرية الانتقالية في مصر وتداعياتها الإقليمية والدولية
نشر في الدستور الأصلي يوم 26 - 07 - 2011

بعيدا عن نظرية المؤامرة، الغرب لم يحرض على الثورة المصرية. والولايات المتحدة لم تدفع أبناء 25 يناير للخروج بالشعب في وجه صديقها حسني مبارك (شخصا ونظاما). كل ما في الأمر أن الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تحاول الاستفادة مما حدث وإدارته بشكل يضمن لها مصالحها، سواء في مصر أو في المنطقة.
لقد بدأت الثورة في تونس بشكل فاجأ الجميع إقليميا ودوليا. وبالتالي كان لابد من إدارة ما يحدث حتى لا يخرج المارد من القمقم وتنقلب المنطقة رأسا على عقب، وهي المنطقة التي تمثل دائرة مصالح استراتيجية للعديد من الدول الغربية. وانتقلت الشرارة إلى مصر ليسقط رئيس النظام وبعض أركانه خلال 14 يوما فقط.
إذا نظرنا إلى المنطقة اليوم، سنجد أن السودان انقسم إلى دولتين مستقلتين. الشمالية تعتمد النظام الإسلامي نظاما رسميا لها، وتخضع لحصار اقتصادي وسياسي، ورئيسها مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية. إضافة إلى الاحتكاكات والمعارك الدائرة في دارفور وجنوب كردفان وجبال النوبة ومنطقة أبيي، وما يمكن أن يستجد من بؤر توتر. أما دولة جنوب السودان فهي تعاني من الفقر والجهل والبطالة وغياب البنية التحية بالكامل. إضافة إلى الصراع بين النظام الحالي بقيادة سلفا كير (الذي بدأ يفقد الكثير من بريقه السياسي والقيادي بعد إعلان الدولة في 9 يوليو 2011) والمعارضة الجنوبية التي قد تبدأ القتال مع الجيش الشعبي الجنوبي في أي لحظة. كما لا يمكن استبعاد نشوب حرب أو احتكاكات عسكرية بين الشمال والجنوب بسبب الخلافات على توزيع إيرادات النفط وترسيم الحدود.
الوضع في ليبيا لا يبشر بأي خير. فالأمور تسير في اتجاه تقسيم ليبيا إلى دولتين شرقية يسيطر عليها المجلس الانتقالي الذي يواجه صراعا حقيقيا مع المعارضة الليبية في الخارج (في الولايات المتحدة وبريطانيا بالذات)، وغربية يسيطر عليها القذافي أو أحد أبنائه أو أحد أنصاره. وقد تتطور الأمور إلى القضاء على القذافي بالاعتقال أو الاغتيال أو الترحيل، وتسقط ليبيا في صراعين: الأول: قبلي بين قبائل الشرق والغرب. والثاني سياسي – قبلي بين القبائل التي يشكل ممثلوها المجلس الانتقالي في بنغازي وبين المعارضة الليبية في الخارج، وهي المعارضة غير البسيطة والتي تملك الكثير من العلاقات الخارجية والدعم في كل من واشنطن ولندن.
الوضع في تونس يقف على حافة الانفجار، لأن الغرب قام بدعم الحكومة التونسية التي لا تعتبر إطلاقا حكومة ثورة، بل هي قريبة من النظام السابق. وتم تفريغ العديد من مطالب الثورة من مضمونها، وعاد الجيش والأجهزة الأمنية مرة أخرى إلى نفس الممارسات السابقة بعد أن خدعا الشعب بالانضمام إليه أثناء الثورة. وقد يضع ذلك أيدينا على بعض أسباب قيام الشعب التونسي بين الحين والآخر بهبات ثورية استكمالا لمسيرة الثورة التي تحاول الحكومة الحالية بالتحالف مع المعارضة التونسية العتيقة وأدها تماما تمهيدا لتوزيع الأدوار في دولة جديدة لا تختلف عن القديمة إلا في بعض وجوه مسؤوليها.
لقد نجح الغرب ودول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، في تجميد الثورة اليمنية وإدخالها في متاهات لتبديد طاقات قياداتها وتثبيط همة الشعب اليمني. وأضيف عنصر "القاعدة" والإرهاب، وتدخل الولايات المتحدة عسكريا لدعم نظام على صالح ضد ما يطلقون عليه "الإرهاب" في اليمن.
أما الوضع السوري فسوف يستمر على ما هو عليه إلى أن يتفق الغرب والولايات المتحدة مع روسيا والصين على معادلة لتغيير النظام السياسي والحفاظ على ما يسمونه "الاستقرار"، أي النظام القديم مع بعض التعديلات الشكلية. فإضافة إلى ما يتم استخدامه من ملفات طائفية في سوريا، بدأت الملفات العرقية تفتح عن طريق الأكراد الذين دعوا في مؤتمر اسطنبول برفع العلم الكردي إلى جانب العلم السوري واستبعاد كلمة "العربية" من اسم "الجمهورية العربية السورية".
المنطقة تعيش على برميل من الديناميت الساخن: مصر والسودان وجنوب السودان وليبيا وتونس واليمن وسوريا والعراق والأردن ولبنان. هنا يصبح الملف المصري في غاية الأهمية والخطورة، لأن ترسيم هذا الملف وترتيبه سينعكس حتما على جميع هذه الملفات والأوضاع.
كان من المفترض أن تفلت كلا من تونس ومصر من تأثير العامل الخارجي لفترة محدودة. وهي الفترة الأولى التي كان من الممكن أن تتحقق فيها مطالب الثورتين وتبدأ مرحلة تغيير وجه البلدين إلى ما يتلائم مع القرن الحادي والعشرين على مستوى الدساتير والأنظمة السياسية والإدارية وحقوق العمال والكادحين. ولكن النظامين القويين في تونس ومصر تركا السلطة (على مستوى القيادات العليا) ولم يتركا المنظومتين الإداريتين والأجهزة الأمنية والقوات المسلحة.
لقد بذل المجلس العسكري في مصر كل الجهود والطاقات الممكنة لتعطيل تنفيذ مطالب الثورة إلى أن يفيق الغرب من غفوته وتظهر اصطفافات جديدة من جانب الأعداء - الأصدقاء السياسيين القدامى لنظام مبارك، وعلى رأسهم تيار الإسلام السياسي. ونحن هنا لسنا بصدد مؤامرة بقدر ما نواجه قوى دولية حريصة على مصالحها ومصممة على عدم ترك المنطقة ترتب أوراقها بطريقتها. من هنا تحديدا يظهر إصرار الغرب والولايات المتحدة على استثمار كل ما يحدث والضغط أحيانا في اتجاهات معينة لدعم الأنظمة الجديدة الخالية من الوجوه القديمة ولكنها في الوقت نفسه حريصة على عدم الإخلال بكل مقومات وعناصر وتركيبة النظام القديم. واتضح أن "البعبع" الإسلامي لم يكن هكذا مخيفا لا للغرب ولا للأنظمة الفاسدة السابقة، بل كان ورقة يعرف الطرفان (الأنظمة السياسية والدول الغربية) أنها شكلية تماما ولكن من شأنها الحفاظ على استمرار هذه الأنظمة مقابل تحقيق كل مصالح الغرب. بدليل أن كل طرف كان يستخدمها وقتما يشاء لتبرير خطوات وإجراءات معينة سواء ضد الشعوب (من جانب الأنظمة) أو ضد الدول (من جانب الغرب والولايات المتحدة).
إن الحدود الفاصلة والاصطفافات تظهر الآن بوضوح في مصر بعد 6 أشهر من 25 يناير 2011. فالمجلس العسكري أحكم قبضته بنسبة هائلة على الدولة. واستطاع الإخوان المسلمون والسلفيون (تيار الإسلام السياسي) اختطاف مساحة ضخمة للعمل. وهو أمر ذو حدين، إما أن يعمل لصالحهم في حال التحالف مع المجلس العسكري، أو يكون عامل لكشفهم أمام الكثيرين ممن انخدعوا ببروباجندا الإخوان والسلفيين. وخلال 6 أشهر عاد المجلس العسكري للتنسيق مع الأجهزة الأمنية لتصفية الثورة على مستوى مطالبها الرئيسية وعلى مستوى عناصرها النشطة باستخدام إجراءات قمعية منها النفسي ومنها الجسدي عن طريق الإهانات والإذلال وقمع المظاهرات ودعم أعمال البلطجة ضد المتظاهرين وتوزيع الاتهامات بالخيانة والعمالة على التيارات السياسية الأخرى عدا الإخوان والسلفيين. وفي نفس الوقت قام الإخوان المسلمون بالاشتراك في حملة الاتهامات بالعمالة والخيانة للتيارات السياسية والأفراد، ثم أسسوا حزبهم السياسي (الحرية والعدالة) بمشاركة ممثلي الأجهزة الأمنية وممثلين عن حكومة عصام شرف. وقام نائب رئيس حزب الإخوان (الحرية والعدالة) عصام العريان بإطلاق تصريحات خطيرة من قبيل عدم منع شرب الخمور في حال قيام الإخوان بتشكيل الحكومة والبرلمان. ما أشاع حالة من البلبلة والاستهجان والاستهزاء. واعتبرت أوساط سياسية مختلفة أن ممثل الإخوان لخص كل خلافات الإخوان المسلمين مع التيارات السياسية والاجتماعية والعلمانية الأخرى في موضوع شرب الخمر، ما يضر بصورة الإخوان الذين يتخبطون ليس أقل من المجلس العسكري في تصريحاتهم، وما قد يفقدهم حتما جزء ضخما من قاعدتهم الشعبية التي لا تتجاوز 22% من الشارع المصري.
وعلى الرغم من أن الإخوان المسلمين لم يعلنوا إلى الآن عن شكل الدولة التي يريدونها، إلا أن كل المؤشرات تؤكد أن التحالف المقبل سيكون مع المجلس العسكري لتشكيل دولة تحدث الكثيرون عن ملامحها التي تتراوح بين النموذج الباكستاني والنموذج التركي. إلا أن قطاعا آخر من المحللين رأى أن تحالف الإخوان مع المجلس العسكري وما يمثله من أجهزة أمنية وقوات شرطة ومنظومة إدارية فاسدة لن يطول، لأن كلا منهما يتحين الفرصة لاقتناص الآخر. وبالتالي أصبح النموذج التركي أبعد عن التطبيق، لأن الإخوان لن يقبلوا بدستور "علماني" يفصل الدين عن الدولة. وقد يتسبب أي ضغط من جانب المجلس العسكري في استنفار وقطيعة من جانب الإخوان. وربما يقبل الإخوان بالنموذج التركي شكليا (أي بدون دستور علماني، ولكن بسن بعض القوانين لصالح المصريين المخالفين لهم في العقيدة أو في مجال السياحة والاقتصاد) إذا حصلوا على ضمانات أكيدة بأنهم الشركاء الوحيدون والاستراتيجيون للمجلس العسكري. ومن الواضح أن الغرب والولايات المتحدة يدركان جيدا أن الأوضاع في مصر ليست ناضجة لتطبيق النموذج التركي العلماني (ولماذا تحتاج الولايات المتحدة أصلا إلى نموذجين تركيين في المنطقة؟!). من هنا تتجه الأنظار إلى النموذج الباكستاني الذي لا يصلح لمصر إلا في حال وضع المنطقة ككل على برميل من الديناميت الساخن.
هكذا يجري استثمار ما يدور في مصر. وهكذا يدير المجلس العسكري والإخوان المسلمون والغرب الأزمة المصرية ويوجهون مسار الثورة في علاقتها بالأحداث الجارية في ليبيا وتونس والسودان الشمالي والسودان الجنوبي واليمن وسوريا والعراق والأردن ولبنان. وقد يتحول السودان أو ليبيا إلى أفغانستان، بينما ستصبح مصر هي باكستان بنظامها العسكري – البرلماني كمرتع للاستخبارات الأمريكية والغربية ومركز انطلاق لقواتها العسكرية في المنطقة. كل المؤشرات تؤكد أن جهود الولايات المتحدة والغرب تتركز على تحويل المنطقة إلى بؤرة ساخنة من الحروب والخلافات الدينية والقبلية و"الإرهاب" والمتهمين المطلوبين للمحكمة الدولية (عمر البشير ومعمر القذافي ومن الممكن بشار الأسد أيضا). هذا السيناريو هو الأقرب لرغبة كل من يريد أن يصل إلى السلطة في مصر من بقايا الأنظمة السابقة أو بعض الفصائل والجماعات السياسية (المقصود هنا المجلس العسكري ممثلا للقوات المسلحة والإخوان المسلمون ممثلين لتيار الإسلام السياسي). لن يكون هناك تدخلا عسكريا أو استخبارتيا واضحا في مصر، ما سيعطي المجلس العسكري والإخوان ورقة رابحة لإقناع المصريين البسطاء بأنهم نفذوا مطالب الثورة وأقاموا نظاما جديدا. ولكن مستقبل هذا النظام سيكون مرهونا ببرميل الديناميت من حوله وستدخل الأمور إلى اتجاهات أخرى شبيهة تماما بما يجري في أفغانستان وباكستان. وبالتالي على المصريين أن ينتظروا إلى أن تهدأ الأمور لتحقيق العدالة الاجتماعية ووضع دستور علماني للبلاد ومحاكمة أركان النظام الفاسد الذين قد يخرجوا من السجون كأبطال وليس كمجرمين.
إن أكبر المستفيدين من الدعم الغربي والأمريكي هما المجلس العسكري والإخوان المسلمون. وبالتالي يمكن أن نلمح توجهات التصريحات السياسية لكلا الطرفين والمغازلات المتواصلة باستخدام كل الأساليب، بما فيها الاتفاق على خريطة تخوين وعمالة ضد التيارات السياسية والأفراد، ومحاولات الإخوان وضع تفسيراتهم الدينية واستثناءاتها وتبريراتها أيضا تحت أمر المجلس العسكري ليستخدمها كما شاء ولكن ليس بدون مقابل. وبعد فشل الطرفين في الترويج لشعارات من قبيل (المطالب الفئوية لملايين العمال والكادحين المصريين) و(الاتهام بالخيانة والعمالة) و(استخدام أبناء 25 يناير للعنف) و(تعطيل عجلة الإنتاج) والربط القسري بين (المجلس العسكري وبين الجيش المصري، ما يذكرنا بشعارات المنظومة السياسية والإدارية الفاسدة بأن مبارك هو مصر، ومصر هي مبارك) والربط القسري الانتهازي أيضا بين الإخوان المسلمين والإسلام، بدأ استخدام مصطلح في غاية الخطورة، ألا وهو (الانقسام). وهو مصطلح مضلل للغاية يتيح للمجلس العسكري والإخوان التفضل على أي فصيل سياسي بضمه إليهما وبشروط معينة، ويجعل من الإخوان لاعبا سياسيا رئيسيا في الشارع، وذلك بالدعوة إلى (توحيد الصفوف) و(الاجماع الوطني). الفكرة هنا هو أنه لا المجلس العسكري ولا الإخوان المسلمين لديهما أي قدرة على إدراك قيمة التنوع والاختلاف، وأن حيوية المجتمع وتطوره تقوم بالدرجة الأولى على عمليات التنافس السياسي والتنوع القيمي والثقافي والمعرفي، بل والديني أيضا. وبالتالي لا يجد المجلس أو الإخوان وسيلة للإفلات من مأزق عدم القدرة على الفهم والاستيعاب إلا توجيه الاتهامات. إن كل ما يحدث الآن في مصر أمور صحية مئة بالمئة. فبعد أي انعطافة تاريخية تقع مثل هذه الأمور وأكثر منها. غير أن التشكيلات المحافظة والرجعية والاستبدادية لا ترى في ذلك إلا انقساما وبالتالي عدم "استقرار" و"خيانة" و"عمالة". وأمامنا تجربة حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم في السودان الذي رفض الاستفادة من ثروة التنوع الثقافي والعرقي والديني وأصر على إقامة دولة دينية، ما أدى في نهاية الأمر إلى تقسيم السودان إلى دولتين.
أما الأمر الأخطر من ذلك فهو أن مصطلح (الانقسام) يمهد على مستوى الخارج مباركة ودعم تطبيق النموذج الباكستاني الذي يتلاءم مع مصالح الولايات المتحدة والغرب في إحكام قبضتهما على كل منطقة البحر الأحمر حتى مضيق باب المندب من الجانبين، وشمال أفريقيا، والمنطقة التي تضم العراق وسوريا والأردن ولبنان. والأهم إبقاء الوضع كما هو عليه لأطول فترة ممكنة، بالضبط مثلما هو عليه الآن في كل من أفغانستان والعراق.
ماذا سيكون دور مصر في هذه المنظومة؟! سيكون أخطر من دور باكستان. فإضافة إلى دور مصر في فترة مبارك كمنفذ للأجندات الأمريكية تحديدا، والغربية عموما، في المنطقة، سيكون هناك دور أمني أكثر اتساعا من دور باكستان. وكانت أقرب تصريحات في هذا الصدد هي تصريحات اللواء محمد العصار (نائب وزير الدفاع المصري وعضو المجلس العسكري) أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في إطار خطط التعاون الاستراتيجي القائمة منذ عهد مبارك. فاللواء (عضو المجلس العسكري) قال، فى رده على سؤال بشأن ماذا تريد مصر من الولايات المتحدة بالتحديد، "إن مصر تريد الدعم السياسى إضافة إلى الدعم الاقتصادي. وإن مصر تتطلع إلى الإسراع فى تقديم الدعم الاقتصادي الذى أعلن عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمصر ليكون فوريا وليس على المديين المتوسط والطويل لتلبية الاحتياجات الحالية التى ترافق المرحلة الانتقالية وبداية التحول الديمقراطي، وهى أكثر مرحلة تحتاج فيها مصر إلى المساعدة". وقال أيضا: "إن المرحلة الحالية فى مصر تشهد تعارضا فى مطالب مختلف الأصوات، ويتعين على إسرائيل أن تدرك هذا التعارض فى المرحلة الحالية". وأكد: "على ضرورة اجتياز هذه الفترة بسلام حتى تعود مصر للقيام بمسئولياتها الإقليمية لتحقيق الاستقرار للمنطقة ككل". لن نتحدث عن التصريحات التي أدلى بها عما جرى في العباسية، لأنها تصريحات معيبة ولا تستحق الاهتمام. لكن المدهش أنه استبدل في حديثه كله وفي جميع تصريحاته كلمة "المجلس العسكري" ب"الجيش". وكأن المجلس العسكري غير موجود إطلاقا في مصر. بالضبط مثل مجلس الوزراء ورئيسه ونواب رئيسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.