كنت واحداً من الكثيرين الذين كتبوا عن استعباط الشرطة وعدم رغبتهم فى العودة للعمل لنشر الأمن والأمان (المحدود) فى جنبات المحروسة (نهاراً فقط)، وأيضاً كنت من "ولاد الذين" الذين صدقوا إن الشرطة بتعند معانا لغاية مانحلف بحياتهم ونقول "حقى برقبتى" لكى يتعطفوا علينا بالعودة لأداء ما كانوا يظنون أنه عملهم، وأيضاً أعترف وأنا بكامل ما تبقى من قوايا العقلية المخلوطة بالضعف الإنسانى إننى كنت أظن إننا لو لايمناها شوية وخففنا من حدة الإنتقادات اللاذعة الموجهة لوزارة (لامؤاخذة) الداخلية، سنرى إخوتنا وأبائنا وأصدقائنا (كما يسميهم ويصر على ذلك خيرى رمضان) ظباط الشرطة وقد أرتضوا اخيراً بأن يظهروا العين الحمراء، وأن يبسطوا يدهم التى تحمل معجزة الأمان إلينا وأن يهووا جميعاً بقبضتهم الحديدية على كل بؤر الإجرام والبلطجة والفوضى، حتى حدث ما جعلنى أغير رأيى وأكف عن الإدعاء والإفتراء على هؤلاء الناس (العاديين جداً فعلاً) وأن أكف يدى عن "الكتابات المسيئة" إليهم وأن أكتفى بأن أرفع يدى إلى السماء طالباً الأمن والأمان والرحمة لنا وإياهم (هؤلاء الغلابة المنكسرين) من الله سبحانه وتعالى .. والسبب فى تغيير رأيى ما يلى: كنت أمر يومياً أثناء عبور أكتوبر العظيم (من أكتوبر إلى ميدان لبنان) بإشارة ونقطة مرور زايد، والتى يوجد بها عدد لا بأس به من الظباط والأمناء وعساكر الشرطة، وبرغم إن الإشارة الكترونية الا إن وجود هؤلاء ضرورى لمنع النقل والميكروباص من السير فى هذا الطريق، وإتخاذ طريق فرعى مخصص لكلا النوعين من المركبات، وبعد ثورة يناير إختفت كل القوى الأمنية التى كانت موجودة، مما أدى طبعا لأن يعيث الميكروباص والنقل فساداً فى الطريق، وأستمر هذا الوضع لفترة حتى خرج علينا وزراء الداخلية المتتابعين (وجدى ثم العيسوى) ليعدنا كل منهم إن الأمن سوف يستتب خلال أسابيع وتعود الأمور لطبيعتها (التى أدت لقيام ثورة أساساً!!!) ولكنى فرحت وقلت مش مهم فى سبيل التخلص من الميكروباص والنقل، ليصدمنى خطأى الفادح وخيبتى القوية فى التنظير والتحليل من خلال مشاهدتى حادثتين متتابعتين فى نفس اليوم الأغبر لأكتشف إننا لن ننعم أبداً بأمن ولا أمان فى ظل هؤلاء (هؤلاء هنا عائدة على كل من يحكموننا). الحدث الأول: بعد عودة قوة الشرطة وتواجدها بشكل كامل فى نقطة زايد لاحظت إن الميكروباص والنقل مازالوا يعيثون فساداً وكأن شيئاً ما لم يتغير، وعند وقوف الميكروباص أمام نقطة الشرطة فى منتصف الطريق الممنوع فيه مرور الميكروباص أصلاً، هلعت بمنظر الظابط وقد نظر للجهة الاخرى واضعاً يديه الاثنتين فى جيبه ومحدقاً فى الفراغ عاقداً قدميه وكأنه بنت بضفاير صغيرة ومكسوفة! أين القبضة الحديدية والهيبة الأمنية و"وحياة أمهم ليبوسوا رجلينا عشان نرجع"؟ أقسم بالله العظيم قسماً أحاسب عليه يوم الدين إن أول ما ترائى لذهنى وأنا أرى هذا المشهد هو إن هذا الظابط إسمه "بخاطرها" لأنه كان يشبه الخالق الناطق فتاة ريفية بسيطة أغتصبها شيخ الغفر تقف منكسرة حتى لا تتلاقى أعينهم! الحدث الثانى: مساء نفس اليوم فى شارع 26 يوليو أمام نقطة مرور الزمالك، وكانت ورائى زفة بالتوكتوك والموتوسيكلات (فى الزمالك والله العظيم) وكانت أصوات الكاسيت الصادرة عنها تطرش الأموات، ناهيكم عن الحركات البهلوانية فى طول الشارع وعرضه، مع منع مرور السيارات بالقوة حتى إنتهاء إستعراض البلطجة أمام نادى القوات المسلحة. توقفت أمام نقطة المرور وأخبرت الظابط بأن يفعل أى شئ لهؤلاء المقاطيع فقاللى "طبعاً طبعاً بس لما يوصلوا هنا"، فتوقفت فى البنزينة التى على ناصية شجرة الدر لأرى الإنتقام الرهيب من هؤلاء الأوباش، وإذ بى أفوجئ بهم يمرون من أمام أنف الظابط وهم يؤدون نفس الحركات البهلوانية بنفس الضجة والدوشة وإذ بالظابط (والذى أطلقت عليه لقب "ست أبوها") وقد هرول مسرعاً وهو ينظر للأرض مختفياً داخل كشك المرور وكأنه شغالة صغيرة تتفادى النظر فى عين المكوجى الذى هتك عرضها!! كنت طوال عمرى على خطأ .. هؤلاء الناس لا يملكون أى هيبة من أى نوع إلا هيبة الكارنية والبذلة الخاوية. لذلك فبمجرد سقوط هيبة تلك الأدوات لم يتبقى لهم من شىء يمت بعلاقة للشرف أو الواجب أو الرجولة حتى (إلا من رحم ربى مثل الشهيد "محمد عبد العزيز") أما البقية فلا تؤدى أى عمل لأنهم خائفين فعلاً بسبب سقوط من كان يحمى تجاوزهم وكان يعتبرهم عزوة عددية يأنس بهم ويأنسون له ومازالوا يدينون له بالولاء بالرغم من أنه سبب الخيبة التى مُني بها كل منهم وفضحهم على رؤوس الميكروباصات! إنتقدت من فترة أحد البلهاء المتلونين من كتبة العهد البائد الذى كتب فى صحيفة يومية خاصة مقالاً بعنوان "نار الأمن ولا جنة الفوضى" كان يدعوا فيه المواطنين "أن يسلموا قفاهم عن طيب خاطر لما يسمى بظباط (لامؤاخذة تانى) الداخلية، حتى يستعيدوا ثقتهم المفقودة فى أنفسهم". وأنا أعترف إن هذا الأبله كان على حق وأنا (الذى أفترض فى نفسى بعض الذكاء) كنت على خطأ مبين. كنت على خطأ فى ظنى إن هؤلاء الناس وحوش لا تعرف الرحمة عندما يريدون ذلك، هؤلاء الناس مساكين فعلاً فقدوا أعز ما يملكون مثل بنت غلبانة فقدت عذريتها ولا سبيل لإصلاح ما حدث (لا بالصينى ولا بالجراحة)، وأصبح عندنا ظباط من نوعية "ست أبوها" و"بخاطرها" و"أم الخير" و"كيداهم" و"حلاوتهم"!! غلابة ومنكسرين لا بيهشوا ولا بينشوا، أتمنى من الله ألا يفضح ولايانا وأن يسترنا دنيا وآخرة .. أمين يا رب العالمين. جاتكوا خيبة.