عندما أرسل البنك الدولي في بداية عام 2000 خطابه إلي الدكتور عاطف عبيد - رئيس وزراء مصر السابق - يطالبه بضرورة التخلص من المخلفات الصلبة في مصر وعلي وجه التحديد في محافظات القاهرةوالجيزة والإسكندرية لم ينتبه رجال الأعمال المصريون للأهمية الاستثمارية من وراء هذا الطلب، فما كان من رئيس الوزراء إلا أن أرسل خطابا للبنك الدولي إلي د. عبد الرحيم شحاتة - محافظ القاهرة - في ذلك الوقت طالبا منه عمل مناقصة عالمية لشركات النظافة للتخلص من المخلفات في القاهرةوالجيزة والإسكندرية. وتصور المصريون ومن قبلهم المسئولون أن الخواجات الذين قدموا إلي مصر من أوروبا ليساعدوا المصريين علي نظافة بلادهم أنهم سيجعلون مصر قطعة من أوروبا إلا أن الأمر لم يكن بالشكل الذي تخيله المصريون فرغم أن شركات النظافة الأجنبية تعمل في مصر منذ عام 2002 أي ما يقرب منذ سبع سنوات فإن القمامة مازالت متكدسة في الشوارع وعلي قارعات الطرق بشكل لافت ولا يكاد المواطن يفرق بين حيي المهندسين وإمبابة، فالقمامة هي القاسم المشترك بين أحياء القاهرةوالجيزة سواء الراقية أو الشعبية. ورغم رسوم النظافة التي يدفعها المواطن المصري علي فاتورة الكهرباء فإن المواطن في غالبية الأحوال هو الذي يحمل القمامة بيده إلي أقرب صندوق قمامة أو يلقيها في الشارع، وهذا يعني أن المواطن يدفع فاتورة في مقابل خدمة ليست موجودة من الأساس. وفي الوقت الذي غفل فيه رجال الأعمال المصريون عن أهمية الاستثمار في الزبالة، وكما وصفها الدكتور عبد الرحيم شحاتة - محافظ القاهرة السابق «خيبة رجال أعمال مصريين» تنبه الأجانب إلي أن قمامة القاهرة هي أغني قمامة في العالم حسبما أكدت الدراسة التي أجراها الدكتور محمود حلمي - رئيس قسم البحوث في معهد بحوث الأراضي والمياه - وذهب عبيد وشحاتة وجاءت شركات الخواجات إلي القاهرةوالجيزة والإسكندرية لتلتهم من جيوب المصريين ملايين الجنيهات سنوياً، وبدلا من أن تنظف المدن الكبري نجحت في فرض عقود إذعان بدأت منذ عام 2002 تنتهي في عام 2017 تعمل بشروطها متهمة سلوك المصريين بأنه السبب الرئيسي في عدم نظافة القاهرة. العقود المبرمة بين هذه الشركات والحكومة المصرية تصب في الأساس في صالح هذه الشركات التي تعرف جيدا كيف تأخذ مستحقاتها المختلف عليها إذا ما لجأوا إلي لجان التحكيم وذلك لأن عقودها مع المحافظات الكبري التي تعمل بها والتي تمثل الحكومة المصرية تحوي كل الضمانات اللازمة والبنود التي تقوي مركزها تماما. ورغم إبرام العقود في القاهرة ب 130 مليون جنيه، والجيزة ب 72 مليون جنيه، والإسكندرية ب 80 مليوناً بخلاف الشركات الوطنية التي أصابتها الغيرة مؤخراً بعد خمس سنوات من عمل الأجانب في مصر وأخذت مناطق جنوبالقاهرة ومنطقة السلام والمرج فإن القاهرةوالجيزة وقعتا في فخ فروق الأسعار وتغيير بنود العقد لزيادة عقود القاهرة 100 مليون جنيه منذ أول يناير 2009 لتصبح استثمارات هذه الشركة في القاهرة أكثر من 200 مليون جنيه، وفي الجيزة حوالي 10 ملايين جنيه. المفاجأة أن الحكومة المصرية حسبما صرح مصدر بهيئة النظافة ل«الدستور» فشلت في تطبيق الغرامات التي تفرض علي هذه الشركات والتي بلغت في عام 2008 أكثر من 30 مليون جنيه واحتكمت هذه الشركات إلي لجان التحكيم الدولية، ووصل الأمر إلي قيام هذه الشركات بتهديد الحكومة المصرية لدي منظمة حماية الاستثمار «ومقرها الولاياتالمتحدةالأمريكية» لإجبار الحكومة المصرية علي عدم توقيع هذه الغرامات علاوة علي أنها هددت بتشويه سمعة مصر في الخارج مما قد يؤثر في حجم الاستثمار الأجنبي في مصر. الغريب في الأمر أن شركة «إف.سي. سي FCC» الإسبانية والتي تعمل حاليا في شرق القاهرة كانت محافظة الجيزة قد فسخت العقد المبرم معها في عام 2006 وذلك لأنها لم تلتزم بنصوص العقد ولم تقم بالمطلوب منها بحسب ما يقول المهندس أحمد نصار رئيس الهيئة العامة لنظافة وتجميل الجيزة. وقال نصار: إن المحافظة متعاقدة حاليا مع الشركة الدولية للخدمات البيئية «إيطالية» وهي مسئولة عن أحياء الدقي والعجوزة وشمال الجيزة بعقد قيمته 36 مليون جنيه سنوياً. وانتقد نصار عزوف رجال الأعمال المصريين عن الاستثمار في النظافة قائلا: إن مصر تحتاج إلي الاستثمار في النظافة بقوة في الفترة المقبلة لكي تصبح حصالة استثمار وطنية في معظم المجالات وتصب في خانة الاقتصاد المصري آملا أن تصبح رسوم النظافة كافية لتأدية الخدمة حيث لا تزيد حصيلة الرسوم في الجيزة علي 5 ملايين جنيه شهريا يتم تحصيلها علي فاتورة الكهرباء. منتقدا وجود شركات النظافة في مصر وقال: لا أعرف ما الذي أضافه الخواجات في نظافة القاهرة أو الجيزة فهم لم يستطعيوا أن يجعلوا القمامة تتحدث الإنجليزية ولم يرفعوها بالكمبيوتر. وعلي طريقة «دكة الاحتياطي» لهذه الشركات قام محافظ الجيزة بتوفير معدات وسيارات كنس آلي وتعيين عمال نظافة بديلا لهذه الشركات في حالة تلاعبها في عمليات النظافة في المحافظة الأمر الذي يعطي مؤشراً بعدم استمرار الخواجات في الجيزة كثيراً. وحصد اللواء وجيه الرفاعي - رئيس الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة - الشركات العاملة في النظافة في 4 شركات، هي: شركة FCC الإسبانية تعمل في شرق القاهرة، وشركة «أما» العرب الإيطالية وتعمل في شمال وغرب القاهرة، وأضاف إنه يتم تسديد 130 مليون جنيه سنويا للشركتين. كما تعمل شركة الفسطاط التابعة لهيئة النظافة في جنوبالقاهرة، بالإضافة إلي شركة مصر سيرفيس وهي شركة وطنية تعمل في السلام والمرج. ونفي الرفاعي أن يكون هناك إقبالامن رجال الأعمال المصريين علي الاستثمار في النظافة مرجعا ذلك إلي عدم الوعي الاستثماري وعدم حب النظافة علي حد تعبيره. وأضاف: قبل ظهور شركات النظافة في مصر كان يتم التعامل مع دفن المخلفات بأسلوب بدائي ولم يكن هناك مصانع تدوير مخلفات كافية بينما يتم التعامل حاليا مع المخلفات الصلبة بطريقة آمنة، وتم إنشاء ثلاثة مصانع لتدوير القمامة في القاهرة في مدن السلام والوفاء والأمل ومنطقة شق الثعبان بما يوازي 12 خط إنتاج. وتابع: لا نستطيع السيطرة علي سلوك المواطن فالمشكلة تكمن في أنه لا توجد لدي المواطن المصري ثقافة النظافة من المهد إلي اللحد، فالموضوع ليس موضوع شركات أجنبية، وإنما هي حلقة مترابطة إذا اختل منها عنصر لن تنجح حتي لو أتينا بأوروبا كلها تنظف مصر! وأضاف: إن الهيئة لديها خط ساخن برقم «152» وذلك ليتم التبليغ عن أي مخالفة. ورغم أن الانطباع السائد أن القمامة عبء تلوث فإن الدكتور محمود حلمي - رئيس البحوث بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة التابع لمركز البحوث الزراعية - له رأي مختلف ويعتقد أن القمامة في مصر هي أغني وأغلي قمامة في العالم. موضحا: قمت بدراسة عن قمامة القاهرة فوجدت أنها أغني قمامة في العالم فقيمة القمامة في محتواها من المادة العضوية، فالشعب المصري شعب يحب الأكل - علي حد تعبيره - لذا فإن القمامة التي تخرج من بيوت المصريين قيمتها عالية بسبب النمط الاستهلاكي للمصريين خاصة أن المادة العضوية هي الأساس في صناعة السماد العضوي ونطلق عليه سماد القمامة ومحتوي المادة العضوية في قمامة القاهرة يفوق 55%. وحذر «حلمي» من استخدام سماد القمامة، وقال: لا أحبذ استخدام سماد القماة دائما وذلك لأن نسبة العناصر الثقيلة بها تكون عالية مثل الرصاص والزئبق والنحاس، وإذا ما زادت نسبة هذه المواد علي 50% من النسبة المسموح بها فإن هذه العناصر تترسب ولا يظهر تأثيرها إلا بعد سنوات فيجب التعامل مع سماد القمامة بحذر في التسميد. وبعيدا عن الاستفادة من القمامة يواجه نشاط الشركات الأجنبية في مصر رفضا وهو موقف يتبناه د. جمال زهران - عضو مجلس الشعب - الذي يقول: الحكومة التي لا تستطيع أن تقوم بنظافة الدولة وإزالة قمامة شعبها لا تستحق أن تستمر في حكم مصر دقيقة واحدة. وأضاف قائلا: لقد تقدمت بطلبات إحاطة واستجوابات حول عمل هذه الشركات في مصر، فلا أري لوجودها أي داع فالبلد حالته تزداد سوءا بعد سوء. نحن في حاجة إلي مشروع قومي للقمامة يقوم علي أساس توفير معدات متطورة لرفع القمامة وعمال متدربين تدريباً عالياً علي رفع القمامة ليقوموا بهذه الأعمال عن حب وقناعة، ونحتاج أيضا إلي ميزانيات ضخمة لإنشاء مصانع تدوير للقمامة، ولهذا كتبت مذكرات لوزير البيئة ووزيرة التعاون الدولي كي يعطيا أولوية في القروض لمثل هذه المشاريع. موضحا أن الإعلام له دور مهم في توعية المواطنين كي يصبح سلوك المواطن أكثر رقيا والتشديد علي ضرورة نظافة البلد لأنه حسب التقارير والدراسات نسبة كبيرة من الأمراض التي يتعرض لها المصريون سببها التلوث الذي يحيط بهم من كل جانب.