أنتمى لجيل لم يرى فى حياته رئيسا سوى الرئيس المخلوع غير المأسوف عليه حسنى مبارك جيل عاش فى حالة طوارئ مستمرة ، جيل عاش يحلم بالتغيير ، وكانت الثورة بالنسبه لنا مجرد حروف لكلمة لم نعرفها إلا من كتب التاريخ، وحينما كنا نريد التفاخر أمام أصدقائنا العرب والاجانب ، كنا نسترجع ثورة يوليو وجيش عبد الناصر ووقفه عرابى وكلمة مصطفى كامل "لو لم أكن مصريا لو ددت أن أكون مصريا " كنا نرددها – من باب العشم والامل- لكن فى حقيقة الامر لم نشعر بها يوما. كنا نتظاهر ونضرب ونحبس أملا فى صنع التغيير ، أحيانا كنا نقول "لسه فيه أمل"وأحيانا أخرى نفقد الامل. بين الأمل والأمل عشنا سنوات طويلة كنا نفكر فى كل لحظة أن نرحل من هذا الوطن الذى لم يعد وطنا ..كنا نفكر ألف مرة قبل نأتى بأطفال نعذبهم معنا فى وطن يقتل ويعذب أبناؤه لمجرد الحلم بالتغيير. بين حالة الثورة والهروب عشنا بين اليقظة والحلم حتى وقعت ثورة تونس التى أعادت لقلوبنا الأمل من جديد، شاهدنا شباب يقتل ووطن يحرر، ومن أجل هذا الوطن الحر ولأننا نعرف جيدا أن مصر تستحق هذا نزلنا إلى أرض الميدان خوضنا معارك بكل قوة وصلابة ،بخطوات ثابته فى مواجهة زحف البلطجية والأمن،فى الميدان شاهدنا أصدقاء لنا ينزفون وأخرون لانعرفهم يموتون ، وكل قطره دم شاهدناها على ارض الميدان كانت تزيدنا صلابة وتحدى .. وفى الحادى عشر من فبراير الماضى هتفنا بأعلى صوت وقلبنا ينبض بالحرية – أرفع راسك فوق أنت مصرى – خلعنا رئيس وأسقطنا نظام.. هكذا كان مشهد الميدان .. لكن عندما تركنا أرض الميدان بدأت الامور تختلف وبات المشهد وكأننا لم نقوم بثوره ولم يسقط لنا شهداء ..بدا المشهد وكأنا نحكم من ميدان مصطفى محمود ، بالطبع سيرد البعض معلقا ماذا عن محاكمة مبارك ونجليه ؟ماذا عن محاسبة عز وسرور والشريف ؟ الم يعتبر هذا انجازا ..أرد عليهم طبعا أنجاز لكنه إنجاز إجرائى بمعنى أن هؤلاء تم إدانتهم من قبل جهازالكسب غير المشروع ،لذا كان يجب محاكتمهم بسلطة القانون فهذا امر طبيعى ، وبالطبع كان المفروض أن يتم هذا بدون سقوط شهداء وخروج الملايين الى الشوارع ، لكن تلك هى طبائع النظم المستبدة حتى يحاكم رموزها لابد من قيام ثورة ، لكن ما أتصوره هو أننا عندما خرجنا للميدان لم نكن فقط نريد محاسبة مبارك ورجاله بل كنا نبحث عن "الحريه ، العدل" السؤال هو هل تحقق أى منهما ؟بالقطع لا .. هناك من يرد قائلا مازال الوقت طويلا حتى نصلح ما تم إفساده طوال السنوات الماضية ..نعم هذا كلام صحيح لكن هل من المعقول أن نقوم بثورة حتى نأتى بقانون يجرم حق ًأصيل كفله الدستور وهو الاضراب ، فكيف لثورة أن تلغى الضرائب التى كان المفترض اقرارها على الارباح الرأسمالية ، كيف لثورة أن تضع الحد الادنى للاجور 700 جنيه بدلا من 1200 التى ناضلنا سنوات وسنوات من أجلها. هل هذا ما فعلته الثورة بنا أم هذا ما تفعله السلطة التى أبعد ما تكون عن الثوره ومطالبها ، التى تدفعنا للكفر بالثوره والوطن .. هى تحاول ذلك لكن ما تجهله تلك السلطة أيا كانت صيغتها – مؤقتة أو دائمة- أن ماشهدناه فى الميدان يدعونا للثبات وليس التراجع يدعونا ان ننزل مرة ومليون حتى لو واجهونا بالرصاص ..هذا لأن الرصاص والموت فى سبيل استكمال طريق حريتنا أشرف لنا كثيرا من أن نكون شعبا قام بنصف ثورة ..أعادته للخلف.