"روبرتو دي نيرو" يعرف"زينب" لا تستطيع أن تعزل ما يجري في المهرجان أي مهرجان عن لجنة التحكيم وكواليسها ومداولاتها وأيضاً حساباتها نعم المفروض نظرياً أن التقييم الفني ليس له أي مرجعية أخرى غير الإبداع إلا أن التجربة أثبتت دائماً أنه كما أن القانون يعرف في بلادنا "زينب" فإن نتائج لجان التحكيم حتى في اعتي المهرجانات فيها أيضا "زينب"!! خيم الموقف المعادى للمخرج الدانمركي "لارس فون تراير" من قبل إدارة المهرجان على الأجواء في "كان" حيث شعر العديد من النقاد والفنانين أن المهرجان الذي يعلى من شأن الحرية يتراجع أمام كلمات أخذت ملمح السخرية أدلى بها "تراير" ثم أعلن بعد ذلك التراجع والاعتذار لليهود الذي قال مستطرداً في محاولة لامتصاص الغضب إنه يهودي بالميلاد حيث أنه كان يعتقد ذلك قبل أن يكبر ويكتشف أن أباه اليهودي ليس هو أباه الحقيقي كما أن زوجته يهودية وأبنائه بالتبعية يهود ورغم ذلك صدر قرار لجنة إدارة المهرجان برئاسة "جيل جاكوب" باعتبار أن المخرج الدانمركي شخصية غير مرغوب في وجودها داخل مهرجان "كان" وذلك بعد إعلانه في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد عرض فيلمه "مانخوليا" أنه يتعاطف مع هتلر!! إلا أن السؤال الذي تردد وقتها ما هو مصير الفيلم "مانخوليا" أو "كآبة" الذي شارك في المسابقة الرسمية هل صار أيضاً فيلماً غير مرغوب فيه.. الأمر هنا كان من الممكن أن ينعكس بالسلب على مصداقية المهرجان في الزمن القادم وليس فقط هذه الدورة وهو ما تجاوزته الإدارة عندما قالت إن هذا لا يعنى أن يتم إقصاء الفيلم من التسابق على الجوائز وبالفعل كان الفيلم واحداً من الأفلام المرشحة للجوائز وذلك من خلال الترشيحات والأرقام التي تصاحب عادة أفلام المهرجان في المجلات السينمائية مثل "سكرين" و "فاريتي" و"فيلم فرانسيس" إلا أنه لم يكن هو الفيلم الأقرب للجائزة أو الأوفر حظاً تفوقت عليه بعض الأفلام الأخرى وأتصور أن هذا هو المأزق الذي عاشته لجنة التحكيم التي رأسها النجم "روبرتو دى نيرو"!! لم يكن فيلم "مانخوليا" هو الوحيد المرشح للجائزة كانت هناك أفلاماً أخرى تنافسه بقوة وعلى رأسها الفيلم الأمريكي الذي حصد السعفة الذهبية "شجرة الحياة" للمخرج "تيرانس ماليك" في حدث نادر التكرار حيث تتوافق آراء لجنة التحكيم مع ترشيحات النقاد في المهرجان و"ماليك" مخرج مقل جداً في تقديم الأفلام هذا هو فيلمه الروائي الخامس رغم أنه يقترب من السبعين.. الفيلم بطولة "براد بيت" و "شين بين" ويقدم رؤية للحياة أقصد فلسفة الحياة كلها أنت في الفيلم لا تتابع عائلة رب الأسرة "براد بيت" يعامل الابن الأكبر بدرجة من الجفاء ولا يعنينا الإطار الزمني الذي يتحرك فيه الفيلم الخمسينات من القرن الماضي ولكن هناك تطلع لرؤية تتعمق في الحياة عبر بدء الخليقة إلى اليوم تتساءل عن جدواها ومعناها نشاهد أنفسنا في نسيج هذا الفيلم.. المخرج التركي "نوري بيلجي سيلان" حصل مناصفة على الجائزة الكبرى مع الأخوين "داردين لوك" و "جان" الجائزة الكبرى تلي في الأهمية السعفة الذهبية.. فيلم "نوري" عنوانه "كان يا ما كان في الأناضول" يسخر فيه المخرج من الحياة والموت... الحياة لا تقهرها تجربة الموت حتى لمن هم الأقرب والجسد الذي رأيناه تحت الأرض عرضة لكي تأكله الكلاب الضالة يتحول أمام الطبيب الشرعي أثناء التشريح إلى مجرد أجزاء تتناثر الدماء على وجه الطبيب الذي صاحب الجسد منذ بدء اكتشاف الجريمة .. وفى رحلة اكتشاف الجريمة وإلقاء القبض على المجرم نكتشف أيضا الشخصيات التي تتواجد داخل الدائرة سواء رجال الشرطة أم القاتل ونقترب من تفاصيل حياتهم.. ننتقل عادة من حكايات الشخصيات إلى الحياة التي تستمر برغم كل شيء لأن نداءها أكبر من الموت هذا المعنى نراه مباشراً في اللقطة الأخيرة من الفيلم حيث نشاهد المرأة التي فقدت زوجها مع طفلها في طريق عودتهما للمنزل وعلى البعد كان هناك أطفال يلعبون الكرة تصل إلى الصبي يقذفها إليهم مرة أخرى ويواصل اللحاق بأمه ما حدث ذات يوم في الأناضول هو ما يحدث دائماً في حياتنا ولكن المخرج العبقري أحال العادي المألوف إلى حالة إبداعية!! أما فيلم الأخوين "داردين" فإنهما يلتقطان في فيلم "الصبي صاحب الدراجة" حكاية الطفل الذي تركه أبيه وتبنته امرأة تعمل كوافيرة.. الأب يريد أن يقطع تماماً الصلة مع الابن وكأنه لم يكن نرى كيف أن الابن يمارس العنف على الجميع ويستغله أحد الأشقياء في السرقة بالإكراه ويسرق أب وابنه ويلقى القبض عليه ويتسامح الأب ويرفض الابن التسامح مع الجاني ويعتقد أثناء مطاردته له أنه قد لقي حتفه وتنتهي الأحداث بنهاية سعيدة وهى أن الطفل لم يقتل ويعود مرة أخرى إلى دراجته.. المخرجان بشفافية وألق خاص يقدمان لنا معنى التسامح حتى مع تجاوزات الآخرين بالتأكيد أن كل الجرائم التي شاهدناها تنتهي بالتصالح بين الجاني والضحية وهى بالتأكيد مبالغات درامية لو أننا حللنا الفيلم ببعده الأول المباشر ولكن في المعنى الكامن هو يريد ألا ندين أحد الكل مخطئ ومذنب وفى نفس الوقت التسامح هو القيمة التي علينا أن نضعها أمامنا حتى تستمر الحياة!! حصدت الممثلة "كريستين دانست" الجائزة عن فيلم "مانخوليا" للمخرج "لارس فون تراير" وأتصور أن هذه الجائزة تحمل رسالة واضحة وهى أن اللجنة لم تستبعد الفيلم من الترشيح للجوائز بعد أن استبعد المهرجان المخرج ولم تكن الممثلة هي الأفضل كانت الممثلة البريطانية "تيلدا سوينتون" نحتاج للحديث عن كيفين هي التي تستحق الجائزة!! وتبقى جوائز فيلم "درايف" أفضل مخرج للدانمركي "نيكولاس يندينجرفين" المليء بالعنف والدماء والجائزة أتصورها انحازت لقدرة المخرج فقط على ضبط الإيقاع.. ومن الأفلام التي حصلت على جائزة لا تستحقها جائزة الإخراج لفيلم "بوليس" للمخرجة الفرنسية "مايوين" الفيلم يفضح ممارسات الشرطة لكنه لا يقدم رؤية إبداعية تؤهله لتلك الجائزة.. جائزة أفضل ممثل للفيلم الفرنسي "الفنان" حصل عليها "ميشال هازافانيسيوس" الفيلم كان يستحق جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأنه يتناول مرحلة فارقة في تاريخ السينما في العالم وهى تلك الواقعة بين نهاية العشرينات ومطلع الثلاثينيات التي شهدت بدايات الفيلم الناطق ويبقى جائزة السيناريو التي كانت من نصيب الفيلم الإسرائيلي "ملاحظة" لجوزيف سيدار وهو فيلم متواضع فنياً لا يستحق أي جائزة بل أن أضعف عناصر الفيلم هي السيناريو.. يبدو أن "دى نيرو" يعرف "زينب"!!