المصريون ليسوا ملائكة ، و كل منا لديه توجهات و رغبات و احباطات. و بعد انغلاق و قمع مخيف، ينفتح الباب على مصراعيه ، فتتفجر المشاعر المكبوتة. و كما تتحرر الملائكة، تتوحش الشياطين. لابد من وقفة ، بعض الواقعية و الخطوات العملية لكي لا ينحرف المسار بعيدا : 1. اعلان النوايا: اللي أوله شرط آخره نور. الشعب يتوقع و ينتظر المعجزات من حكومة انتقالية مهجنة ، قليلة الموارد و فريسة لهجمات ضارية من أعداء متنوعين. لابد من ادارة التوقعات، تعلن الحكومة الموقف الحالي في كل قطاع، أهدافها المحددة من الآن و حتى نهاية العام، خطة العمل لتحقيق الأهداف في الوقت المحدد ، معايير التقييم، التزامات كل طرف من أجل تحقيق الأهداف ،و عواقب عدم الالتزام أو التحقيق. و الأهم مما يمكن عمله هو ما لا يمكن عمله. لا داعي للمفاجآت و الاحباطات و ما يليها من انفعالات. حتى التراجع في القرارات لابد له من خطوات و معايير (تعلمنا في التخطيط أن تكون لديك استراتيجية للتراجع و الخروج مثلما لديك استراتيجية للهجوم و الدخول 2. الدين و الدولة: نصور السلفيين كوحش مخيف، جزء من الصورة يخلقه الاعلام و الجزء الآخر بفعل السلفيين أنفسهم و الذين ما زال لديهم الكثير ليتعلموه عن الخطاب الاعلامي و الدعوي. الأفكار المتطرفة موجودة في كل المجالات و ليس الدين فقط. رأيي المتواضع أن المشكلة الأساسية هي في الجدل و الكلام الكثير، و هو ما يعني أن الناس لا تعمل . يروي لنا المؤرخون أن بدايات انهيار الامراطورية الرومانية كانت عندما انشغل الشعب بالجدل الديني، حتى كان شاري الخبز يجادل البائع في كون الاله واحد أم ثلاثة. و نحن الآن ننجرف في هذا المسار الخطير من خلال فتايين غير مؤهلين يصرخون و يفتنون. لا جدال في البديهيات، الشريعة أساس الدستور و القوانين، و الدين هو المظلة الحاكمة لقواعد حياة الشعب المصري سواء اسلاميا أو مسيحيا، و بالتالي لا معنى للحوار عن دولة مدنية أو دينية . ماليزيا و تركيا تنعمان بنجاحات ساحقة تحت المظلة الاسلامية و في نفس الوقت من خلال قوانين عملية حياتية طبيعية. و نفس الأمر ينطبق على ألمانيا الكاثوليكية و أمريكا المتطرفة دينيا و الناجحة عمليا. دعونا من حوارات جدلية لا تولد الا المرارة و القلق. ركزوا على القوانين و اللوائح التنفيذية و قواعد التطبيق، و لا تضيعوا الوقت في وضع المسميات و التصنيفات. بعض المسميات تنفر من منتجات قد تكون جيدة للغاية (مثال ساذج و سطحي بعض الشيء لو تخيلنا رد فعل أطفالنا اذا غيرنا أسماء مثل القرنبيط و العجة و السبانخ. و الله كنا أكلناها جميعا)، خلينا في المضمون و بلاش القشور. 3. محاكمات و مصالحات: لن تصل الى شيئ . القوانين كانت معدة لتقنين الفساد، و بالتالي فكل الأوراق ستكون سليمة. الأمر يحتاج لقرارات حاسمة: تطبيق قانون الطوارئ (و هو ما زال في الخدمة)، تحويل القضايا لمحاكم عسكرية أو أمن دولة. نقدر الحرص على عدم اتخاذ أي اجراء الا من خلال القانون، و لكن الوضع الراهن لا يتحمل مماطلة و استنزاف للأعصاب و المشاعر تمتد لشهور بل و سنوات، و نحاصر بتغطية مستفزة من نوعية مبارك مكتئب و كيف تبكي زوجته و خلافه. الحسم و اغلاق هذه الصفحة يعني التخلص من عبء ثقيل و الانطلاق من جديد. و لو اقترن هذا الأمر بوضع قواعد لتسويات مع رجال أعمال بما يضمن اعادة أموال و أراض (مع عدم المساس بأي قضايا جنائية) فاننا نكون قد بدأنا في جني الثمار. احسموها.. 4. طائفية: المسكنات لا تجدي في علاج أمراض مستوطنة زرعها نظام شيطاني على مدى 40 عاما. البداية تكون بالمصارحة و ووضع كافة الحقائق أمام الشعب، من أعداد المسيحيين و توزيعهم الجغرافي و القواعد الحكومية المطبقة معهم و الاستثناءات و التعديات. ثم توضع و تعلن قواعد و قوانين حاكمة، منطقية و عادلة و عملية، تضمن للمسيحيين حقوقا دينية من بناء كنائس ( بما يتناسب مع التعداد و التوزيع الجغرافي) ، و قوانين أحوال شخصية مطبقة للشرائع المسيحية، و حماية مطلقة من أي تهميش أو اضطهاد أو ضغط. و لكن في المقابل لا دولة للكنيسة داخل الدولة، لا أنشطة خفية خلف أبواب مغلقة، و لا تسليم لمن أسلم من أجل التأثير. أليس هذا ما يحدث في المساجد و مع جماعات المسلمين، أليس من الممكن أن يكون الكثير من تطرف الجماعات هو رد فعل لعقود من الاعتقال و التعذيب و تكميم الأفواه و منع أبسط الأنشطة الجتماعية و الخدمية و اغلاق للمساجد بعد كل صلاة. لن يضير الاسلام و لا المسيحية تنصر أو اسلام شخص واحد أو عشرة أو مئة ( وهنا أستغفر الله اذا كنت أجتهد فيما ليس لي به علم ). اذن فلنعلن كل الحقائق و نضع و نطبق القوانين العادلة بكل صرامة، و نغلق الباب على صحافة صفراء و برامج منحطة تتلاعب بالمشاعر كل يوم مع شائعات تنصر أو اسلام و اختطاف. و لنضع قواعد حاكمة للدعوة و الخطاب الديني، تذكروا امبراطورية مسلمة بأكملها ازدهرت في مالي الأفريقية (تيمبكتو) من خلال مجموعة تجار مسلمين أخلصوا في العمل و أعطوا صورة طيبة للمسلم. لا اكراه في الدين.. 5. أمن: الوقاية خير من العلاج ، و التلويح بالقوة أكثر فاعلية من استخدامها. بدلا من تواجد خجول و محدود و متأخر و متخفي لشرطة مكسوفة، ما رأيكم في تواجد مكثف و منظم و علني و تحت الرقابة لشرطة محترفة أخلاقية و فعالة. لا أعلم العدد الفعلي و لكن أتوقع وجود أكثر من 2 مليون فرد أمن في مصر، و لدينا آلاف القيادات و اللواءات و الخبراء الأمنيين الذين يتواجدون في كل الفضائيات كخبراء استراتيجية و أمن. اذن هل من الممكن وضع استراتيجية أمنية واضحة و صريحة و صارمة، تنفذ بتواجد فعال و ظاهر في الميدان ، و بلاش المخبر المتخفي بزي مدني و حياتك، بعد فترة ينسى أنه مخبر و يستمتع بالفرجة و يمكن يشارك في المعركة. الأمن لا يمكن أن ينتظر حتى وقوع الحدث و استثماره من سفلة الاعلام و الفضائيات في مزيد من البلبلة. و تأكدوا أن الشعب سيلتزم: من تظاهر بالملايين بدون حادثة تحرش واحدة سيضرب المثل في احترام القوانين حال تطبيقها 6. اختيار قيادات: حنجيب منين، هات لي شخص واحد لم يتعامل أو يخدم أو ينتمي للنظام القديم أو الحزب الوطني بصورة أو بأخرى. النظام كان هو البلد. اذن اما أن نستورد حكومة و مسؤولين و قيادات أو نضع و نعلن قواعد محددة لاختيار القيادات في كل مكان. قواعد تحدد المؤهلات و الخبرات و طبيعة الشخصية و يتم اعلانها للجميع و تطبق بشفافية. و لا مانع ، للتهدئة و التيسير، أن يبدا المسؤول عمله بخطاب نوايا و خطط مع خطاب اعتذار و تنقية الصفحة من شوائب الماضي. فعلها جميع مسؤولي ألمانياالشرقية بعد الوحدة الألمانية، كانوا يقرون و يعتذرون ثم يفتحون صفحة جديدة أساسها العمل و الانتاج. لنفعلها و نفرضها حتى تهدأ النفوس ، و الا سنبقى في دائرة مفرغة بلا خروج.. 7. الشعب: أعنف و أنقى الثورات تتفق في النهاية على نظام و منهاج و قواعد، يسميها خبراء علم الاجتماع (method to the madness( ، أي لابد أن يكون هناك منهاج للفوضي و الجنون. نحتاج بشدة له الآن. أدرك الرغبة الشعبية العارمة في التعبير و الانفجار و الصراخ. و اتخيل بعض الاخوة من السلفيين بعد عقود كانوا ممنوعين فيها حتى من تربية لحية أو الصلاة في مسجد، اتخيلهم يرغبون في مناطحة السحاب و اصلاح الكون. طبيعي، بعض الوقت ثم تهدأ الرياح، و حتى ذلك الوقت لابد من نظم صارمة للتظاهر و الاحتجاج و تقديم المطالب. و الايجابية تعني المبادرة، و الدولة تعلم جيدا الكبار و أصحاب الكلمة في كل تجمع و مكان ( مثلما كانوا يعرفون قيادات الثورة في أيامها الأولى). فلنأخذ المبادرة و نصل الى القيادات من عمالية و طلابية و مهنية و دينية و غيرها، و نتفق على الأطر و الاساليب و خرائط الطريق و نضع محاذير من عدم الالتزام بالاتفاقات. و كفاية حوارات في التليفزيون و مع أحزاب تخيلية و حوارات وطنية، خلينا في المهم، حتى نوفر الطاقة المهدرة في اطفاء الحرائق ،دعونا نمنعها من الاشتعال. 8. اعلام: صاحب الحق لا يحتاج للصوت العالي، و شعبنا حقق اعجازا و اقتلع نظاما وحشيا في ظل ماكينة اعلامية جبارة و معارضة و مخربة. اذن لا داعي للصراخ، انظروا حولكم و ستجدون أعلى الأصوات هي أصوات المنافقين و المتنطعين ( كما أن أنكر الأصوات صوت الحمير). اسكات أصوات دعاة الفتنة و البلبلة يتحقق أولا بتجاهلهم تماما حتى يتضاءل و يخفت الصوت، و الأهم هو تطبيق قوانين صارمة لايقاف بث قنوات و برامج من الواضح دورها الملتوي. تفعلها أمريكا و فرنسا مع قنوات لا ذنب لها سوى اعلاء صوت الحق و توضيح الصورة الحقيقية لديننا الحنيف. و فعلتها مصر كثيرا في العهد المظلم بأسلوب مشابه يقطر غرضا و مرضا. ألا يمكن تطبيق القوانين في المقام الصحيح؟ ألا نوقف أصحاب الألفاظ البذيئة و مشعلي الفتن و طالبي الشهرة و الأضواء و ملوك الردح على الهواء؟ أمثولة واحدة و أتحدى أننا سوف نستمتع بعدها بفضاء أكثر نظافة و احتراما و احترافية ، و تحفيزا على الانتاج و العمل 9. رياضة: بعض الواقعية، يندر في العالم كله أن نجد علاقات رومانسية بين أندية متنافسة مثل نموذج الاسماعيلي و الزمالك. في أرقى الدول الصراع يتعدى المنطق و المعقول: الريال و برشلونة، لازيو و روما، سيلتيك و رينجرز، بورتو و بنفيكا. و كثيرا ما يصل الأمر الى مصادمات دامية و لكنها تواجه بأحكام صارمة و مؤلمة . اذن لا تقنعني بأن بعض حوارات مع قيادات مشجعين و نداءات تمثيلية من مقدمى برامج ينقصهم القليل من المساحيق ليصبحوا غوازي في موالد الأرياف ، ثم عقوبات وهمية على مسؤولين هم أكثر جهلا و تطرفا من مدمني الكلة و ادوية السعال ، لا تقنعني أن هذه الأساليب فعالة. مرة ثانية، لنطبق القانون بلا استثناء أو رأفة . لن يتوقف الكون لو هبط الأهلي أو الزمالك ، و هل يقارن غرق ناد بغرق دولة و شعب. طبقوا القوانين بحذافيرها، اعزلوا القيادات ، تمسكوا بالايقافات و الغرامات ، كفاية معلش و المرة دي بس و أصله كان عنده ظروف و جدته كانت بتولد. الشعب الذي تظاهر بالملايين و تحكم في رد فعله أمام الرصاص و المولوتوف قادر على تحمل الخسارة في مباراة كرة 10. العمل، الاتقان، الصبر، الحسم، الاستماع، التقبل، المراجعة، الاصرار،التفاؤل و الثقة. لدينا فرصة تاريخية لنقود من جديد، و نبني قواعد مجد جديد، و نفخر بمصريتنا من جديد. صعبة؟ جدا ، بس مش علينا. تفاءلوا خيرا تجدوه..