وجّه الناخبون الأمريكيون في ولاية «ماساشوسيتس» إنذارا قويا للرئيس أوباما وللحزب الديمقراطي الأمريكي الذي يتمتع بأغلبية مريحة جدا في مجلسي الكونجرس النواب والشيوخ باختيارهم سيناتورا جمهوريا(سكوت براون) ضد المرشحة الديمقراطية (مارثا كوكلي)علي المقعد الذي شغر بموت أيقونة الحزب الديمقراطي «تيد كيندي» سليل إحدي أعرق العائلات السياسية في أمريكا والذي ظل يحتفظ بمقعده لأكثر من نصف القرن. الرسالة التي وجهها الناخبون وصلت للحزب الديمقراطي وللرئيس أوباما شخصيا واعترف بذلك. مازال الديمقراطيون يحتفظون بالأغلبية إلا أنهم فقدوا ميزة كانت تعطيهم قدرة الحسم بإنهاء المناقشات الجدلية، وهو ما استخدموه بكفاءة أثناء التصويت علي قانون الرعاية الصحية الذي أثار جدلا شديدا في جميع الأوساط، وهجوما شديدا من اليمين علي الرئيس الذي ربط مستقبله بالقانون الذي فشل رؤساء كثيرون في تمريره ولكن يبقي التنفيذ وعقباته، والتمويل الذي يصل إلي 83 مليار دولار وكيفية توفيره. كانت هذه هي الرسالة الداخلية بعد اتهامات إعلامية مثيرة تصف أوباما ب «الشيوعي» أو الاشتراكي أو النازي بعد أن فشلت حملة وصفه ب «المسلم». أما الرسالة الخارجية فجاءت من جهات ثلاث : أفغانستان، وديترويت، واليمن. فبعد قرار أوباما باستمرار الحرب في أفغانستان وإرسال 30 ألف جندي إضافي ليرتفع عدد القوات هناك لأكثر من 70 ألفا، كانت عملية «خوست» المثيرة ضد إحدي أهم قاعدة لل«CIA » هناك استطاع شاب أردني طبيب «همام البلوي» اختراق القاعدة كعميل مزدوج ليفجر نفسه وسط 6 من كبار ضباط المخابرات ومعهم ضابط أردني ليكشف إلي أي مدي وصل التعاون العربي - الأمريكي الاستخباراتي، وفي الوقت نفسه إلي أي مدي وصل ضعف لدي ال CIA أو الغرور الشديد، ووصلت الرسالة إلي أوباما وإلي الميديا اليمنية التي لم تتوقف عن مهاجمة الرئيس الشاب الذي أهدر الأمن القومي الأمريكي. ولم يكد الرئيس الشاب يفيق من الصدمة حتي كانت الصدمة الأشد في مطار «ديترويت» بوصول الشاب «عمر عبدالمطلب» النيجيري سليل عائلة مصرفية عريقة أبلغت عن تطرف ابنها الذي درس في لندن وتعلم العربية في اليمن وفي ليلة عيد الميلاد 25 ديسمبر حيث استطاع الصعود إلي طائرة قادما من أمستردام بهولندا ويحمل متفجرات ولكنه فشل في تفجيرها. الاختراق الأمني أثار غضب أوباما ضد أجهزة المخابرات والأمن القومي التي اتهمها بتهم خطيرة، وبدأت تدافع عن نفسها، ولم يظهر حتي الآن هل السبب هو عدم تبادل المعلومات فيما بينها؟ أم عدم القدرة علي تحليل المعلومات؟ بسبب تدفقها غير العادي بالآلاف حيث يعمل لدي المخابرات الأمريكية آلاف الأشخاص في كل بلاد العالم والجميع يطمع في المكافآت السخية. اشتد هجوم المحافظين الجدد بقيادة نائب الرئيس السابق «ديك تشيني» في قناة «فوكس نيوز» ضد أوباما، مما جعله في موقف الدفاع، ولذلك عندما جاءت الرسالة الثالثة من اليمن أرسل بتريوس- رئيس القيادة المركزية للقوات- للقاء الرئيس «علي عبدالله صالح» الذي يحشد الدعم العربي والدولي لإنقاذ نظامه الفاشل حيث يواجه مشاكل معقدة في الجنوب من الحراك الجنوبي الذي يطالب بالعدل أو الانفصال، وفي الشمال في صعدة من الحوثيين الذين يطالبون بالالتزام باتفاقية الدوحة ويخوضون حربا شرسة منذ سنوات ولا يبدو أن الحرب سيتم حسمها في القريب، وقد بدأت دعوات للتفاوض والمصالحة كما دعا بيان الإخوان المسلمين من قبل وتعرض لهجوم إعلامي سعودي قاس. المفاجأة جاءت وسط هذه المشاكل من ظهور غريب ومريب لتنظيم القاعدة الذي لم نتعود منه علي مثل هذا الإعلان الواضح والتصوير التليفزيوني، ولكن يبدو كما يقول مراقبون إن التنظيم يريد مجرد إثارة الهلع والرعب، وهو ما حدث فعلا، ولعل وراء الأكمة ما وراءها لأن استجابة أوباما وأمريكا كانت سريعة فقد تمت الدعوة إلي مؤتمر بلندن وكان رد الفعل أسرع من مؤتمر علماء اليمن الذي حذر من أي تدخل أجنبي متوعدا بمقاومة شرسة، والتاريخ يثبت أن اليمن وأفغانستان لم يستقر بهما محتل أبدا. إذا أردنا جردة حساب سريعة لأوباما في عامه الأول سنجد أن أهم إنجازاته هي : 1- تمرير قانون الرعاية الصحية في البرلمان وهو رصيد إن تم تنفيذه سيعوض الخسائر الأخري ويضمن عدة نقاط لحملة الرئاسة الثانية وهو الهدف الأهم لأوباما. 2- دعم الاقتصاد الأمريكي بمليارات الدولارات حتي لا ينهار، ورغم إفلاس 140 بنكا، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل، وزيادة عدد البيوت التي فشل أصحابها في سداد قروضها فإن الشعور العام أن الاقتصاد يمكن أن يتعافي، ولذلك بدأ أوباما في التهديد بفرض رسوم علي «وول ستريت» لاسترداد المليارات التي تم دفعها من الحكومة الفيدرالية لدعم المؤسسات المالية. 3- أهم نقاط الفشل كانت : أ ) عدم إغلاق معتقل جوانتانامو رغم الوعد بذلك، ولعل العذر سيكون هو ارتفاع تهديد القاعدة (لاحظ أن ذلك يثير المزيد من الشكوك حول مصداقية تلك التهديدات) وأن هناك من تم الإفراج عنهم ثم عادوا إلي التنظيم ونشطوا في العمليات. ب ) إرسال المزيد من القوات إلي أفغانستان، والتهديد بانتقال الحرب إلي اليمن وإسناد حكم فاسد فاشل في أفغانستان واليمن، وعدم سلاسة العملية السياسية في العراق وتعقدها، والتهديد بمزيد من التعاون مع الهند ضد باكستان، وسيجد له عذرا في أن ذلك هو ميراث الرئيس بوش وجماعة المحافظين الجدد. ظهر ضعف الرئيس في الهجوم المستمر عليه من جميع المعسكرات وانتهت «الكاريزما» وبدأت المشاكل حتي من معسكر الليبراليين الذين شعروا بإحباط شديد من سياسة الرئيس في العام الأول، حيث لم يحقق طموحاتهم وبدا مثقلا بالمسئولية. إذن العقبات تأتي من جهات عديدة: - من الجمهوريين الذين استعادوا الثقة بالنفس ونجحوا في انتزاع مقعد «كيندي». - من الميديا اليمينية التي لم تتوقف عن الهجوم علي شخص الرئيس وتتهمه بتهديد الأمن القومي الأمريكي. - من الديمقراطيين الذين احتشدوا خلف الرئيس في قانون الرعاية الصحية إلا أن الفريق الليبرالي أو اليساري بدأ يتململ ويشعر بالإحباط. - من التركة الثقيلة التي ورثها عن «بوش الابن»، حروب مشتعلة، تنظيم القاعدة الذي لدي البعض شبهات حول عملياته، من رجال المال والأعمال الذين انتعشوا في عهد بوش والمحافظين الجدد ويهددهم اتجاه أوباما الذي يريد إنصاف الفقراء بتأمين صحي وعدالة ضريبية.. . إلخ. كان فشل أوباما الأكبر بالنسبة لنا هو تراجعه المهين أمام الحكومة العنصرية في الكيان الصهيوني بقيادة مجرمي الحرب «نتنياهو» و«ليبرمان»، حيث بدأ الضغط علي الحكام العرب ليضغطوا بالتالي علي «محمود عباس» العالق فوق الشجرة بسبب تعلقه بوعد أوباما ويطالب بالوقف الكامل للاستيطان قبل استئناف المفاوضات العبثية. جاء ميتشل وذهب عدة مرات، وجاءت كلينتون وراحت، وجاء جونز مستشار الأمن القومي وضغط، وفي كل زيارة يتم المزيد من التراجع والمزيد من الضغوط علي الجانب الفلسطيني. الفلسطينيون يطالبون بشيء يخفف من حجم المهانة، ولو وقفاً شكلياً للاستيطان في القدس، ويرفض نتنياهو بعجرفة الديمقراطيين لأنه في دولة لا يستطيع إخفاء شيء فيها عن الساسة والمعارضة والإعلام، بينما يقوم السيد عباس ومعه فياض بتوجيه مباشر من «كيث دايتون» الجنرال المقيم في الضفة بملاحقة المقاومين والمجاهدين ويقوم العدو الصهيوني بقتلهم جهارا نهارا ولو كانوا من أبناء فتح. ومصر التي أعلنت أنها ليست طرفا في المعاهدة الخبيثة بين «ليفني» و«كوندي» إذ بها تخضع وترضخ وتبني جدارا فولاذيا يهدد المسئولين فيها بالمحاكمة لارتكابهم جريمة ضد الإنسانية وتشدد الحصار علي غزة بهدف إسقاط حماس، والأردن والإمارات وغيرهما يشاركون بحماسة شديدة في الجهود الأمريكية والأوربية في الحرب ضد الإرهاب. وحسبنا الله ونعم الوكيل.. ما مستقبل أوباما بعد عام ؟ يصعب الحكم لأنه لايزال أمامه 3 سنوات، قد تكون عجافاً أو سماناً.. إلا أن المؤكد أن الأغلبية المريحة للحزب الديمقراطي ستتقلص في الانتخابات القادمة للتجديد مع مجلس النواب والشيوخ، وهي عادة انتخابية أمريكية. أما هو فموعده بعد ثلاث سنوات، عسي أن يعوض الخسائر ويسترد مصداقيته.