الأهم من الثورات.. هو تفاصيل هذه الثورات، والحقيقة تكمن في التفاصيل، اما الشيطان فهو يخاف الاقتراب من الثورات و تفاصيلها. ويجب إعطاء ثورة مصر حقها العربي، لان الثورة العربية بنسختها المصرية، ساعدت على كل هذا الألق الثوري، الذي يكتسح الشارع العربي والثقافة العربية، وأخبار الجزيرة. نعم شرارة الثورة تونسية، لكن شعلتها مصرية، والثورة بدأت في تونس لكنها كبرت في مصر، وان لم تكن قد مرت على مصر، فربما ما كانت اليوم تزور سوريا، بعد أن مرت بليبيا و اليمن وحتى البحرين و السعودية المسكوت عنها. لقد ساعدت "القنبلة المصرية" الثورة ، على تجاوز كونها مجرد عارض أصاب بلدا شقيقا، و يتمنى له النظام العربي الشفاء العاجل، لتصبح حالة عامة، يجب أن تصيب الجميع، وتُصب للجميع. لان هذا "الجميع" مضطهد ومكتوم، يلعن نفسه بالسر، وان تكلم أصابته لعنة ألعن و بالعلن. انه من يعلق في دكانته وبيته اللافتة الشهيرة "الصبر مفتاح الفرج". ولكنه اخيراااا وجد المفتاح الذي كان تحت قدمه، وهو يتابع بهرم اللحظة التاريخية، وتأكد أن تحسين شروط الانتخابات والقوانين والعبودية ليست هي الحل، وان الكفاح السلمي لا يكون قطاعي، بل جمله واحدة. و الجملة التي فجرت السقف بدأت ب .. "الشعب يريد" ولم تنتهي بعد، فالفكرة العبقرية التي أعادت تونس إنتاجها، "أفهمتنا" جميعا أن زمن الثورات لم ينتهي بعد، وفهمنا، و جاءت مصر لتأخذ المسودة الأولية للثورة وتعيد صياغتها، وتحررها كنموذج، يمكن نسخه بحسب طريقة كل بلد، لتحقيق ذات المطلب. الثورة الآن بخير، أخر الأخبار عنها تقول أنها تكمل مسارها في "مدن الثورة"، و تكمل تفاصيلها في " مدن ما بعد الثورة". وهنا، أي في القاهرة، تنتج الثقافة الجديدة، والتي تركز الخلاصة على " كن ايجابي" وهي تجد طريقها في محطات المترو لتسمع لأول مره شجارا حادا بعنوان " محدش ينزل يا جماعه من باب الطلوع" وتكسر عادة "يلله نطلع من باب النزول"، ويخفت الشجار ويتحول إلى حمله صامته، بلافتات لا تحمل عبارة سياسيه لتسقط النظام، بل تريد إعادة النظام لحركة السير. علشان ينتهي عهد النظام البائد، ويبدأ عهد النظام. فينتهي عصر الغناء الرديء، و الرقص الخليع، والتمثيل البليد، ويحرق عصر الصحافة الصفراء، والثقافة الحمراء. فكل هذه التفاصيل الدقيقة، هي تفاصيل الحياة التي نعيشها، و الثورة عليها أن تحسن شروط الحياة، وليس فقط المحاكمات والانتخابات، يجب أن ينتهي عصر اللوثة، فلوثة العقل لا تعني توقفه عن العمل، بل تعني ما هو أفضع، وأشنع.. فهو يستمر بالعمل لكن دون خيال ويفقد قدرته الايجابية الواقعية ويتجه لاتجاه سلبي غير واقعي. ومصر بحكم موقعها الإعلامي الذي يؤثر في البيت العربي، قادرة على إنهاء ثقافة "اللوثة" ..ياسلام .. أليس جميل .. أن الثورة مرت بمصر. وإن كنا على موعد مع عالم جديد متعدد الأقطاب وللعالم العربي دور فيه، فان هذا سيكون بقيادة مصر، وهذا دورها التاريخي ، وواجب تكليف يفرضه حجمها السياسي. وهي تبدأ بالثقافة الجديدة التي تترسخ بالتفاصيل الصغيرة، كالإعلانات والحملات التوعويه، و لا تكتفي بمحاكمه النظام السابق وعلى رأسه الرئيس السابق، فهذه بالذات بكل المقاييس أحداث سباقة، وخلاقة، وهي سابقة في العالم العربي، لم يسبق لها أن سُجلت، وسبقت بها كل التوقعات عن احتمال فشل الثورة، وأكدت أن السبق القادم عليه أن يعمم مره أخرى التجربة المصرية على كل المدن العربية، التي بلا سوابق محاكمات. فالشعب العربي يريد اسقاط النظام ومحاكمته، وبعد ذلك سيريد تنظيم حركة سير المرور، ورمي النفايات في أماكنها، وإنهاء التحرش والاكتفاء بالغزل العفيف...الخ في الفترة القادمة سنعمل معا على اجتثاث كل الأمثال و الحكم التي تروج للكسل، و سنعطي للعمل قيمة أعلى مش مادية فقط، بل أيضا قيمية. فهناك إعلانات تؤكد على روح ايجابيه، حتى لو هدفها استهلاكي، كإعلان أطفال يرفع شعار "علشان أنا مصري مش حاقول على البامية يع.." يااااه من كان يتصور أن تستهدف الثورة هذه الفئة الضالة "فئة كارهي البامية" و التي ظلت لعقود طويلة تنغص على الأمهات وتمنع تمتعهم بغذاء سليم، الحمد لله أن الثورة قامت. يعني الثورة التي تعيد صوت عايدة الأيوبي، هي بالتأكيد ثورة مقدسة تدقق في تفاصيل اشتقنا لها، لأن النظام ليس فقط منظومة سياسية.