1 معظم من يؤيدون الآن الصدام مع الجيش، كانوا يسخرون علانية من فكرة تحديد يوم 25 يناير لبدء الانتفاضة، ومعظمهم أعلنوا صراحة عن أنهم لن يشاركوا في "تلك المهزلة". أترك لكم هذه الملحوظة ربما لمحاولة فهم دلالاتها النفسية. 2 إذا كنت ممن يعجزون عن استيعاب ابسط فكرة مركبة، وتعتبر أن "النقد الذاتي هو تبرير لعنف الجيش"، وأن عدم الرغبة في الاصطدام مع المجلس العسكري يعني تأييد المحاكمات العسكرية، فإن هذا المقال ليس موجها إليك. 3 أود أن أطلع على تعريفكم لمفهوم "المسئولية". على ضوء ما يلي : ظهرت دعوات من صفحات غير معروف من يحركها تعلن عن انضمام ضباط جيش لاحتجاجات جمعة التطهير، كتبت وكتب غيري على الفايس بوك والصحافة نحذر من ذلك. ونعرب عن اعتقادنا بحتمية النتيجة المأساوية لمثل هذا التصرف. حضر بعض الضباط وتطور الاحتجاج إلى اعتصام غير متفق عليه حتى وقعت النتيجة المأساوية فعلا وسقط ضحايا أبرياء منهم مراهق (علي ماهر) في السابعة عشرة من عمره. والسؤال : نحن نعرف أن مهاويس الميدان لم يقتلوا هذا الطفل بأيديهم، لكن ألا يشعرون ببعض "المسئولية" عن موته؟ ألا يشعرون أن ترهات مستحيلة من نوع إقالة المجلس العسكري وتدعيم انشقاقات في الجيش قد أرضت غرائزهم الجذرية ولكنها قتلت أبرياء لم يقنعهم أحد بخطورة –وعبثية - موقفهم؟ عندما وضعوا الحواجز لحماية اعتصام يحمي ضباط متمردين ألم يكن لدى أحدهم بعض رحمة كي يبعد الأطفال على الأقل؟ ألا يرضون بأقل من الدماء ثمنا لإثبات وجهة نظرهم ؟ 4 لنختلف أو نتفق على ما ارتضته معظم القوى والسياسية –والشعب المصري بالمناسبة – وهو الضغط على المجلس بمظاهرات مليونية تستمد القوة من الحشد، لنختلف أو نتفق لكنه يبقى طريقا واضحا: الضغط من أجل الإسراع في المحاكمات، ورفع الضغط عن الشارع بقية أيام الأسبوع تمهيدا لاكتمال دورة الحياة السياسية والاقتصادية الانتقالية استعدادا للانتخابات. لكن ألا يخبرنا المهاويس شيئا عن الطريق البديل " الاصطدام بالمجلس العسكري ودعم انشقاقات الجيش" ؟ ما هو السيناريو الافتراضي لهذا الطريق؟ حرب أهلية على الطريقة الليبية؟ كفاح مسلح؟ انقلاب عسكري؟ اغتيالات؟ ميليشيات شعبية ينبغي الاستعداد لها بالتدرب منذ الآن على حمل السلاح وتدبير موارد غذاء مستقلة؟ 5 عندما يتفق أصدقاؤك وزملائك ورفاق ثورتك والقوى السياسية والكتاب الصحفيون على أن موقفك خاطيء، مضر، غير مجد ويتطابق مع أهداف الثورة المضادة، هل يعقل أن تتهم الجميع، الجميع ، من ائتلاف الثورة إلى نوارة نجم مرورا بالإخوان والبرادعي بأنهم خانوا الثورة و"شربوا شاي بالياسمين" وأصبحوا عملاء للمجلس العسكري؟ أإلى هذا الحد يصعب عليك مراجعة موقفك ؟ 6 سؤال آخر : مفهوم أن المظاهرة المليونية تضغط على المجلس العسكري وتواجهه بأن الثورة لازالت قادرة ليس على الحشد فقط، بل على الحشد الدوري أيضا. لكن اعتصام المئتين في ميدان التحرير ، يضغط على من : المجلس العسكري ، أم على المواطنين؟ يستهلك من : المجلس العسكري أم يستهلكنا نحن؟ يشق صفوف من : المجلس العسكري أم يشق صفوفنا نحن ؟ 7 عندما كنت أخضع للتفتيش في الاعتصام المليوني لم أنزعج فقد كنت أعرف أنه يمثلنا جميعا، لكن أن يعتصم البعض رغما عن أنوفنا ثم يطلبون بطاقتي الشخصية كي أمر في ميدان التحرير فتلك ليست أكثر من (.....) ضع ما يناسبك مكان النقط. 8 قيمة ميدان التحرير في أنه رمز لتوافقنا جميعا، وبهذا التوافق وحده يحق للاعتصام الاستيلاء على الميدان، أما الاستيلاء عليه لمصلحة وجهة نظر واحدة فهو يرسي سابقة خطيرة، فغدا سيفعلها من هو أقوى منك وأكثر شعبية، سيحتلون الميدان ويطلبون إقامة شرع الله، ولن أندهش إذا وجدتك أول المطالبين لحظتها بإخلاء الميدان بالقوة ، أو ربما ستبدأ في توضيب حقائبك. 9 أعتقد أن هناك ما ينبغي توضيحه لبعض الأًصدقاء: أنا وغيري نعرف أن الجيش، أي جيش في العالم، أشبه بذئب يكفي أن تقترب منه كي ينهشك، فالدعوة لعدم الاصطدام معه لا تعني إطلاقا أننا متواطؤون، ولا أننا مخدوعون سذج أو نبحث عن سلطة أبوية. أنا وغيري نرى، أن مصر كلها في موقف فريد من نوعه، فهناك حكم عسكري لكنه لا ينوي البقاء "حسب قوله على الأقل"، لكنه الآن يحكم ، المجلس العسكري يحكم، هذه حقيقة لن يغيرها مجلس رئاسي، ولا حكومة ائتلافية، ولا سلطة تسيير أعمال، أي عضو عسكري في المجلس الرئاسي سيكون هو رئيس الجمهورية الفعلي. أي وجود مدني غير منتخب لن يكون أكثر من ماريونيت في يد المجلس العسكري، هل نحتاج إلى مزيد من الماريونيت؟ لكن هذا المجلس العسكري اعلن التزاما أمامنا وأمام العالم نيته تسليم السلطة في فترة محددة، واتخذ العديد من الإجراءات في خلال شهرين فقط، من حل المجالس البرلمانية وأمن الدولة إلى الإعلان الدستوري وإطلاق حرية تكوين الأحزاب والحريات النقابية فضلا عن المحاكمات .. إلخ لدينا ملاحظات؟ طبعا، لكننا نختلف على طبيعتها وهذا طبيعي، هناك من يرى أن استمرار الحزب الوطني يعني أن الثورة فشلت، هناك من يرى أن عدم تطبيق الحدود الشرعية يعني أن الثورة فشلت. إذن : لنستمر في الجدول الزمني، لننتخب سلطات مدنية، ليعود الجيش لثكناته بعد أن يرفع الطواريء، ولنحل حينها أزماتنا المدنية ونضع تصوراتنا حول مستقبل مصر. كل صدام مع المجلس من أجل اعتصام عبثي سيعني المزيد من المعتقلين والأحكام العسكرية، هذا هو الواقع وعليك أن تتقبله لأننا في دولة عسكرية لم يسقط سوى وجهها المدني، علينا أن نعيد بناء هذا الوجه في حدود الإمكان، أما تحويل بنية الدولة جذريا فسيستغرق عقودا من الزمن، هنا فقط يمكن الاستعانة بالتجربة التركية. علينا الآن أن نبعدهم إلى ثكناتهم في أقرب وقت ممكن. أما الذين يحلمون بانقلاب يطهر الجيش، فلست في حل من أضرب كفا بكف، باحثا عن حالة واحدة تنازل فيها انقلابيون عن حكمهم إلا لصالح انقلاب جديد. حتى انقلاب سوار الذهب – الذي يضربون به المثل – انتهى إلى السودان التي أمامكم اليوم. ملحوظة أخيرة : تعرض بعضنا لإرهاب معنوي مخيف لأن رأيه كان "نعم " للاستفتاء على التعديلات الدستورية، ويتكرر الأمر نفسه الآن لكل من لا يقبل على نفسه الصمت أو المزايدة ومسايرة الموجة. لست مستعدا ولا مضطرا بعد الآن كي أدافع عن نفسي لمجرد أن لي وجهة نظر . وحتى الآن لا أًصدق كم الردود والرسائل الخاصة التي شعرت معها أنني عضو في الحزب الوطني، أغلقت هاتفي منذ أمس بعد أن ارتفع ضغطي ارتفاعا جديا . ولهذا فإن هذا آخر كلام لي في ذلك الموضوع. وشكرا لمن قرأ .