مرة واحدة رأيت يوسف الشريف متجهم الملامح، كان قد عرف نبأ وفاة توأم روحه «محمد عودة» منذ لحظات. عندما مددت يدي لأصافحه اختفت «التكشيرة» وعادت ابتسامته إلي مكانها الثابت. كان يوسف الشريف لا يتوقف لحظة عن الابتسام.. والاهتمام بالآخرين والترحيب بهم. حتي في أشد لحظات الألم عندما كان السرطان يضغط بكل قوة علي خلايا جسده. كان يغني.. هذا ليس مجازاً كان بالفعل يغني.. «البيض الأمارة والسمر العذاري». وعندما يخف ألمه بفعل المسكنات ينخفض صوته ويتسرب النعاس إلي جسده فيطلب من صديقه محمد الخولي أن يغني.. وكان الخولي يستجيب.. كان يغني في غرفة الرعاية المركزة.. ويغمض يوسف عينيه ليدخل في النوم.. فيتوقف الخولي عن الغناء فينهره يوسف.. «إيه يا أخي ده إنت عمرك ما كنت بخيل.. غني.. سمعني صوتك». فيعود الخولي للغناء وهو يبكي.. ويشاركه الأصدقاء الملتفون حول السرير الغناء والدموع يسمع يوسف الغناء ولا يري الدموع. هذه هي فلسفة يوسف الشريف.. التغلب علي السرطان بالغناء.. واستطاع أن يطبقها علي نفسه حتي اليوم الأخير. كان الشيخ محمد إمام الشريف- والد يوسف الشريف- عالماً أزهرياً.. وكان يجيد العزف علي العود.. وهذا هو أصل علاقة يوسف بالنغم. عاش يوسف الشريف «76 عاماً» كفنان وكصحفي وكصعلوك وكحكيم.. عاش- أيضاً سياسياً من الدرجة الأولي.. بل كان دبلوماسياً غير محترف. عمل يوسف مراسلاً حربياً في العديد من الحروب «حرب اليمن- حرب الاستنزاف- حروب في إريتريا». وفي الوقت نفسه كان يكتب عن الفنانين والشعراء وكان يوسف وظل واحداً من أهم المتخصصين في شئون اليمن والسودان. وفي الوقت نفسه- أيضاً- واحداً من أهم المتخصصين في سيرة الصعاليك والظرفاء. إذا كان والده هو أول المؤثرين فيه فإن عمله في «روزاليوسف» كان له أكبر الأثر في خلق هذا التنوع في شخصيته. وقتها كان كل تلاميذ مدرسة «روزاليوسف» يمتلكون هذه المواهب المتعددة. كتب يوسف الشريف أهم المراجع عن السودان وأهل السودان وعن اليمن وأهل اليمن. زار يوسف الشريف اليمن أربعين مرة وزار السودان أكثر من الأربعين مرة كما كتب أهم المراجع عن «صعاليك الزمن الجميل». رحم الله الأستاذ يوسف «عاشق النور» كانت آخر جملة قالها «الله ياولاد الشمس حلوة النهاردة».