منذ الساعات الأخيرة فى يوم الجمعة والجميع متأكد اننا مقبلون على لحظات تاريخية..ربما هذا التعبير المستهلك لم يكن له مكان مناسب حقا سوى الآن، ومع الدقائق الأولى التى سبقت فتح أبواب لجان التصويت على التعديلات الدستورية وقف أفراد الشرطة والجيش على المداخل لتأمين عملية دخول المواطنين الذين اصطفوا بجوار أسوار المدارس فى انتظار الادلاء بصوتهم لأول مرة وهم يحملون احساسا بأن صوتهم أصبح له قيمة. فى لجنة مدرسة قصر الدوبارة بشارع القصر العينى أجلس احد الشباب عجوز تتكئ على عصا بعد أن أدلت بصوتها وحينما اقتربت منها الكاميرات داعبتنا ثم قالت: عندى سبعين سنة ومش قادرة أمشى وأول مرة أنزل أحط صوتى لاننا خلاص شمينا الاكسجين ومش هنكتم نفسنا تانى، بعد أن أنهينا التسجيل التفت لأتجنب صدامى بسيدة أخرى كانت خارجة من اللجنة وتتحدث الى صغيرها الذى سألها :ماما هو ايه البتاع الأحمر ده؟ ابتسمت لنا ثم أجابته :ده علشان ما أحطش صوتى تانى، بينما رجل يتابعهما ويردد: الواد ده عمره ما ينسى اللحظة دى..ربنا يسامح اللى حرمنا من اليوم ده كل السنين اللى فاتت.أما فى لجنة جمال عبد الناصر بالدقى فكان رئيس الوزراء ونائبه واقفين وسط المواطنين بانتظار الدخول والادلاء بصوتيهما. وفى الطريق الى لجنة أخرى بدأ سائق التاكسى حديثا عن مميزات لا ثم أكد بلهجة أقرب الى المسرحية: انتم يا بتوع الصحافة فاكرين اننا جهلة ومبنفهمش حاجه وبيتضحك علينا، احنا بنقول لا لاننا مش هنرقع، احنا لازم نفصل من أول وجديد، أما فى مدرسة المنيل فكانت الشرطة على أبواب اللجنة تتابع الداخلين فى صمت واندهاش بينما صبى يدفع رجلا على مقعد متحرك يدخل الى اللجنة التى اكتظت بالاعلاميين المنتظرين وصول مرشد الاخوان المسلمين، بالداخل تجادلنا مع سلفى يحاول اقناع الناخبين داخل اللجنة بالتصويت بنعم وحينما واجهناه أنكر ثم ابتعد واستمر فى عمله فتوجهنا لضابط جيش أمره بالخروج من اللجنة، لكنه عاد ليطلب منا الخروج للحديث الى رجال الشرطة فوجدناه أقنعهم بأننا وجهنا اليه سباب وطردناه من اللجنة فشرحنا لهم الأمر فقالوا له : "بتقول للناس نعم ليه مش عارف ان ده ممنوع؟ انت حطيت صوتك يلا امشى من هنا" أما مشهد دخول المرشد الى اللجنة فكان هو الأكثر إثارة فالرجل الذى دخل محفوفا بأعضاء مكتب الارشاد ووسائل الاعلام سلك طريقه الى باب اللجنة غير عابىء بالصفوف فوجد أصوات عالية تطالبه بالوقوف فى الصف كالباقين فامتثل لأوامرهم ووقف من خلفه من معه بانتظار انتهاء من سبقوه من الانتهاء من التصويت.