من يرضى في هذا الزمان أن يكون وطننا العربي هو المنطقة الوحيدة على ظهر هذا الكوكب التي تقوم فيها الشعوب على خدمة الحكام؟! ومن يرضى لنفسه، وعلى نفسه، أن يظل محكوما بشخص واحد إلى الأبد ثم لأبنائه من بعده؟!من يقبل أنه تكون أمة هي الأقدم في التاريخ أن يكون هذا هو حالها؟ لقد تغير العالم منذ عشرات السنين، وتعلمت الشعوب بالدمع والدم كيف تقتنص حريتها ممن يريدون أوطانا تعبدهم وشعوبا تسبح بحمدهم وحكمتهم طول العمر. لن أنسى الاستفتاء الذي جرى في العراق على صدام حسين، والذي انتهى بنسبة مائة في المائة! وهي نسبة لم يحصل عليها نبي بين البشر، ولا حتى إله! وكأن الله سبحانه وهو خالق الوجود يعلمنا أنه إن شاء لجعلنا أمة واحدة، وأنه لولا دفعه الناس بعضهم بعضا لفسدت الأرض، وما هي إلا أسابيع قليلة حتى رأينا العراقيين يرقصون فرحا بسقوطه، ولو على يد غيرهم بكل أسف. وها هي تونس، الدولة الصغيرة المستعبدة لبن علي والمدام المسيطرة وعائلتها الكريمة، ها هي ذي تونس قد غضبت لنفسها وقامت، وها هو شعبها يسترد سلطانه المسلوب لنفسه، فيأمر ويتحكم بينما حكامه يهربون ويرتجفون ويعتذرون . إن الحرية، واحترام حقوق الإنسان، والعيش بلا طوارئ، والقضاء على الفساد وحسن توزيع الثروة كلها أمور لن تمنح من جيب هذا أو إحسان ذاك ولن تعطى إلا لمن يستحقها. إن السكوت على القتل والاعتقال والقمع والفقر والبطالة وفقدان الأمل جريمة نرتكبها نحن أنفسنا في حق أنفسنا، نحن شعب كبير عظيم أبيّ، نحن من علم العالم القراءة والكتابة، ولن نهون على الناس أبدا إلا إذا هانت علينا أنفسنا، ولن يكون هذا إلا إلى حين، نريده وطنا حرا كبيرا متقدما يحترم فيه الحاكم شعبه فلا يزور إرادته ولا يقتل أبناءه في الشوارع والسجون والمعتقلات، ليس من حق أحد أن يفعل هذا بمصري أبدا، فالمصري ليس أقل من غيره في أي مكان في الدنيا، ولا يجب أن يكون. إن عبادة الحاكم لحكمته وعبقريته هي خرافة عفا عليها الزمن، نريد لأولادنا أن يعيشوا أحرارا في دول تحترم حقوقهم حتى لا نتفرج عليها وهم يغرقون في البحر أو ينتهكون في أقسام الشرطة أو تمتهن كرامتهم وتغتال أحلامهم وهم يتفرجون على أولاد السلاطين يأكلون من لحمهم ويشربون من حقوقهم بغير استحقاق أو كفاءة أو حق. إن مصر تصرخ طلبا للعدل بعد أن ناءت بحملها من الديكتاتورية والفساد، آن لكل هذا الهوان أن يتوقف، آن الأوان لمصر أن تعود، وبأيدي أبناءها وليس منحة من حاكم أو خليفة أو سلطان. مصر، التي هي أجمل الأوطان هي بلدنا نحن، ملكنا جميعا ولا يجدب أن ترتهن لأحد مهما كان، إن مصر وطن عظيم يريد أن يكون، وما النصر إلا من عند الله.