قرأت خبرًا على أحد المواقع الإلكترونية يقول اننى سأشارك مع مجموعة من الكتاب والمثقفين يوم الاثنين، 3 يناير 2011 الساعة الخامسة مساءً في وقفة صامتة بالشموع والشارات السوداء لمدة ساعة احتجاجًا على تفجير كنيسة القد يسين بالإسكندرية، رأيت اسمي ضمن من سيشاركون بالوقفة وتصدرت الخبر صورة الناشر محمد هاشم مدير دار ميريت للنشر، إذن فقد وضع هاشم اسمي مفترضًا موافقتي، لما بيننا من مفاهيم لإخلاف عليها، فضلاً عن كوننا جيران في نفس العمارة، فهو يسكن في مدخل" ب" وأنا في مدخل" ا" ويمكن نظريًا إجراء محاورة عبر النافذة، وبالتالي فإننا سكان البناية الواحدة مفترض فينا أننا لن نقبل أن نتربص بالأستاذ صفوت عشم الله المحامى جارنا بأن نحمله بحقيبة الجلدية السوداء، وكرشة الذي أسقط حزامه لأسفل ونظارته ذات السلسة، وتهذيبه الذي لا يصدق، ونقذف به من النافذة لكونه مسيحيًا، افتراض محمد هاشم حسن النية، أو رومانسي جدًا مثل الوقفة الاحتجاجية بالشارات السوداء والشموع ، يمكن افتراض أن هناك من يريد إلقاء الأستاذ صفوت من النافذة لمجرد انه لا يسير في الطريق المعتمد لدخول الجنة مثلنا نحن المسلمون، لقد تلقيت تحية احترام كبيرة من لواء على المعاش حين أخذت شقة مصر الجديدة من أستاذ سامي، قال لي الحاج المهذب أخيراً صارت العمارة المكونة من 42 شقة خالية من أي مسيحي، رغم اعترافه بأمانة وخلق أستاذ سامي، إذن المسألة مجرد وقت، حتى نتخلص من كل "مسيحي" ونرتاح من هذا الصداع لنفرغ بعد ذلك لبعضنا، ولنقضى على الشيعة والبهائيين، وعلى كل من ليس وهابيا، المسألة مجرد وقت وخطط تنظيف مصر تسير بنجاح منذ رحيل اليهود المصريين مع صعود الضباط على خشبة الحكم، في الساعة الخامسة سرت مع محمد هاشم ومحمد عبلة وإبراهيم داود ولطفي لبيب ومحمد داود وآخرين إلى ميدان طلعت حرب، كان تمثال صاحب الميدان واقفًا كعادته ينظر إلى امتداد شارع قصر النيل بحيث يرى بالكاد تمثال الزعيم الشاب مصطفى كامل يحتل ميدانًا خاصا به، هل لمح الورقة بين يدي السيد طلعت حرب؟ كان كيساً من الشموع القصيرة في جيبي، وكان الأمن المركزي بخوذاته ودروعه وأحذيته الثقيلة وعصيه وملابسه السوداء قد احتل الميدان بكامله، فوجئنا بتجمع آخر من المثقفين يتحرك من أمام جروبي إلى الرصيف المواجه لمكتبة مدبولى، كان بينهم الروائي بهاء طاهر، سار تجمعنا وراءهم، وصلنا إلى أمام المكتبة، كان لطفي لبيب قلقًا وحريصًا على عدم الاصطدام بالأمن، جاء احد الضباط الذين يرتدون ملابس مدنية وراح يتكلم بتهذيب قائلا: ممنوع يا جماعة انتو كلكم ناس كبار ولكم احترامكم لكن ممنوع قال لطفي لبيب: دول الكتاب والمثقفين ضمير مصر عايزين يعبروا عن حزنهم ورفضهم للتفجير اللي حصل ودى وقفة صامته دون اى هتاف، ثم التفت إلينا قائلاً : خلاص يا جماعة الباشا وافق على عشر دقائق ونمشى على طول، والتفت للضابط ليشكره فقال الضابط المهذب بحزم: ممنوع، لم تنطل عليه حيلة الممثل القدير لطفي لبيب فهو لم يوافق أصلا، بعدها أفسح الضابط المهذب المجال لضابط آخر يرتدى الزى الميرى راح يتكلم بعبارات قوية فيما يتزايد توافد الناس من فجوات مختلفة، كنا نشعل الشموع في الصفوف الخلفية، كان بالكيس عشر شمعات وزعت سبعة شمعات وبقى في يدي واحدة واثنتان في جيبي. كان الضابط يزداد غضبا كلما رأى الشموع تتزايد، وكان بدء دخول المساء يعطى إيحاءً بتزايد عدد الشموع وبالتالي خروج الأمر عن السيطرة، في هذه اللحظة بدأت صفوف الأمن المركزي تطبق علينا ثم سمعت شعبان يوسف يزعق غاضباً وهو يشير لبهاء طاهر، كان احد الجنود قد دفع بهاء طاهر وكاد يسقطه على الأرض، كان صوت شعبان يوسف الغاضب هو التعليق الصوتي الوحيد حتى ألان على حركة جنود الأمن المركزي وهم يدفعوننا باتجاه شارع الانتكخانة، كان يقول ده حاصل على جايزة مبارك اللي هو رئيسك، ويشير إلى بهاء طاهر ثم يتابع شعبان: إحنا واقفين ضد اللي حصل انتو، سبتو الكنيسة تتفجر ليه، كان لغضب شعبان وقع الصدق وكان ناطقًا بما في صدور الجميع، كان يريد أن يقول للأمن إننا جابين ندافع عن اللي انتو وصلتوا البلد ليه بتسلطكم وغبائكم، وأن مجرد الدور الامنى بتأمين كنيسه انتم عاجزون عنه، كان الأمن بضغطه يضطر الناس للنطق وحتى الصراخ بما يتنافى مع الوقفة الرمزية الصامتة، راح الأمن يدفعنا ويحاصر حركتنا، بدا أنهم يريدون إدخالنا إلى شارع كريم الدولة، ارتفعت الأصوات من حاملي الشموع ما تدخلوش الشارع عايزبن يحاصرونا هناك.. الشارع سد مالوش مخرج. كانت صفوف الأمن المركزي تدفعنا بالفعل إلى شارع كريم الدولة، احتمينا بالرصيف لكن الحيز الضيق وإخلاء الأمن للميدان وإفراغه في شارع كريم الدولة دفعنا إلى الهبوط في دائرة إلى مدخل شارع كريم، وسرعان ما أطبق الأمن على هذه الدائرة، كانت الشمعة تتسايل على أصابعي، وكنت مندهشاً أن الشمع المنصهر كان دافئاً لا يلسع، فكرت أن ذلك- ربما- من برودة الجو. كانت إضاءة الكاميرات الكثيرة التي تتحرك في نطاق ضيق تنعكس على الوجوه وتحاول الإسراع بالالتقاط قبل اعتراض الأمن وملاحقة الكاميرات. اشتبك جندي أمن مركزي مع شاب يحمل كاميرا محاولا انتزاعها منه، لم يطاوعه الشاب وراح يقاومه.. صديقة الشاب راحت تصرخ بشكل هستيري، كان هدف الأمن هو إسكات الناس وفض وقفة الشموع إلى أن أوصلنا إلى مدخل شارع كريم الدولة أمام الواجهة الجانبية لمبنى حزب التجمع، بدأ أعضاء التجمع يطلون من بلكونة الحزب، و يلقون بهتافاتهم وتتجاوب معهم الجموع المحاصرة داخل شارع كريم الدولة، راحت الهتافات وإلقاء الخطابات أمام الكاميرات تتكاثر بحيث انقسمت الدائرة إلى عدة دوائر، كل دائرة بها كاميرا وإضاءة وشخص يخطب أمام الكاميرا، رأيت كاميرا تقترب من الفنان محمد عبلة لتصور معه، رفض محمد عبلة قائلا ببساطة: الاتفاق أن الوقفة وقفة صامته. كان الخروج من شارع كريم الدولة مستحيلاً تقهقرت إلى الخلف، دخلت الأتيلييه، كنت في حاجة لكوب شاي دافئ.