كنت غطسانة بقالي فترة لظروف أسرية وظروف إعادة قراءة الواقع الذي نعيشه، حيث اكتشفت أنني كنت عايشة في بلد تانية غير تلك التي أعدت اكتشافها من كام يوم .... كنت عايشة في مصر اللي بتطلع صورها في التليفزيون حيث النيل ومبني الإذاعة والتليفزيون والراجل أبو كرش المبتسم بتاع العرقسوس والبنت السمرا أم ضفاير اللي بتجري ورا أخوها وسط غيطان خضرا ونخل ع الجنبين.. كنت عايشة في مصر الحلوة أم برج عالي وأهرامات تلاتة لونهم دهبي ...كنت عايشة في مصر مدارس اللغات والرحلات والتردد علي محلات الوجبات السريعة والمصروف اليومي ويوم ما الدنيا تسود في وشي يبقي عشان اتحرمت من عيد ميلاد أو خروجة...! كنت عايشة في مصر وشايفة الحياة مش ضنك ولا حاجة في طبقة متوسطة تعليمها عالي، مطحونين برضه بس طحنة خفافي عشان نعمل فلوس نجوز بيها البنات إنما ظل الستر دائما هو سمة هذه الطبقة.. ربنا سبحانه وتعالي خلقني بلسان بربند في الكلام وشوية لماضة مع عيون واسعة، توليفة اتركبت علي بعضها مع زقة رباني لأدخل مجال براق يضمن حياة كريمة، وسلامات وتقدير في الرايحة والجاية فوق البيعة .. نعمة وفضل نبوس إيدينا وش وضهر عليها...ثم جوازة محترمة عززت هذه الحياة الكريمة، ألف حمد علي حياة لم يكن لي أي يد في اختيارها، إنما بنتزنق ؟ آه ... بنتخنق ؟ طبعا.. بنعيا، بنكتئب، بنحزن، بنتشحتف ؟ بيحصل ... بس وداعا لإحساس الزنقة والخنقة والحزن والشحتفة خلاص مش هيحصل إن شاء الله بعد اكتشافي الجديد ... صحيح أنا لما دعكت براد الشاي بالسلكة ماطلعش غير الهباب اللي في قعره ومفيش لا شبيك لبيك ولا شبهة دخان ظهر في الأفق لينذر بقدوم العفريت اللي بيهبط بديك رومي وخدم وحشم واشولة فلوس ... وصحيح أنا مش ساكنة في بيت قديم من بتوع نزلة السمان كان زماني راقدة علي البيض اللي بيفقس تماثيل دهب ولا عايشة في دبي كان نابني من البرج طابق..! وصحيح أنا كل علاقتي بالاحتكار إن قناة الحياة هي اللي محتكراني يوميا الساعة 2 الضهر وبعد كده العيال بيحتكروني بقية اليوم !!! يعني مفيش أي بوادر أو مؤشرات تقول إنني ممكن أبقي من الطبقة اللي مش ممكن تتزنق أو تتخنق أو تتعذر في مبلغ علي ما قسم ...! إنما الاكتشاف الذي زادني بإحساس القناعة والشكر والحمد واللي باعتبره كنز وقعت عليه ليشعرني بقمة الرفاهية.. كان سفينة نوح ! إنها الرواية التي عرفت من خلالها البلد اللي كنت فاكرة إني أعرفها كويس، طلعت أعرفها طشاش ... إنها الرواية اللي كنت فاكرة قبل ماأقرأها إن برامج التوك شو الليلية شالت الغمامة التي ظلت علي عيوننا لسنوات وكشفت الحقائق وجابتلنا التايهة .. والحقيقة إنها صورت الحقائق من علي بعد بمسافة محترمة تجعلنا نري أن هناك حقائق بس مش مكشوفة بالكامل، مغلوشة حبتين بالقدر الذي يجعل من نقلوها لنا أبطالاً ولكن طريقة عرضها تضمن لهم الاحتفاظ بأماكنهم علي كراسي البرامج لسنوات طويلة !!... إنما سفينة نوح قدمت الحقيقة العارية ... وأنا لا أعرف ما هو موقع أو مركز أو وضع خالد الخميسي مؤلف سفينة نوح ربما لجهل مني، ولكن في نفس الوقت لا يمكن بأي حال من الأحوال لكاتب هذه الرواية أن يتبوأ منصباً أو موقعاً «لا رسمي ولا نظمي».. لجرأته ونبشه في أشياء إن تبد لكم تسؤكم.. وهو ماحدث لي حينما عرفت من الرواية علي سبيل المثال أن منفذي الأحكام من عساكر وظباط بيتقاولوا مع المحامين علي فلوس لتنفيذ الحكم، يعني بياخدوا رشاوي عشان يعملوا شغلهم وإلا تظل الأحكام حبيسة الأدراج في المحاكم ويظل الخارجون علي القانون مبرطعين في الشوارع برغم صدور حكم ضدهم ..ّ!!! ثم التدخل الأمني البجح في الجامعات ومع أساتذة الجامعات لدرجة تلفيق التهم والتربص والتحرش بمن لا يمشي علي هواهم ..ثم قصقصة ريش رجال الأعمال وسن قوانين تعجيزية تخرب بيوت أي حد عنده ريحة طموح.. إلخ، ربما تكون معلومات قديمة ومعروفة ولكنها لم تكن مطروحة بشكل ملموس علي الأقل بالنسبة لي ولأمثالي ممن يعيشون علي السطح وشايفين مصر من ع الوش ولا يمشون في جحورها... أنا وقعت في غرام هذه الرواية التي تسرد حكايات متصلة منفصلة ممتعة مغزولة برقة ودقة عن مصريين من كل حتة في مصر ومنتشرين في كل بقاع العالم معظمهم عمل اللاللي ولعب كل الألعاب وتفنن في ابتكار شتي الطرق عشان يهج من البلد ( وهو الجزء الأكثر إمتاعا في الرواية ). وبالرغم من كثرة المساوئ والسلبيات التي ذكرتها الرواية عن مصر وما يحدث فيها فإنك لن تكره بلدك بعد نهايتها وإنما تنتهي الرواية لتردد المثل الشهير «أدعي علي بلدي وأكره اللي يقول آمين»..!!!