تسود الساحة السياسية المصرية خلال هذه الأيام حملات مكثفة من قبل مرشحي الانتخابات البرلمانية من اجل انتخاب دورة جديدة لمجلس الشعب المصري، وتمثل هذه الانتخابات أهمية كبيرة لدى الأوساط المصرية الرسمية منها والشعبية نظرا لما تقدمه من صورة نمطية للحياة السياسية في جمهورية مصر العربية، وقد شهدت الساحة الانتخابية خلال الفترة الماضية تنافس محموم بين مرشحي المحافظات والدوائر سواء من خلال الأحزاب التي يمثلونها البالغة (24) حزبا والتي يأتي في مقدمتها الحزب الوطني الحاكم وكذلك أحزاب الوفد والتجمع الوطني والعربي الناصري والجبهة الوطنية الديمقراطية وهي التي شكلت الائتلاف الرباعي للمعارضة أو من خلال المرشحين المستقلين الذين يمثل جزء منهم جماعة الأخوان المسلمين المحظورة وفقا للقانون المصري إلا أن مرشحي الأخوان يعدون من المنافسين بقوة في هذه الانتخابات حيث حصد مرشحيهم30% تقريبا في انتخابات هذا العام بالإضافة إلى عدد من المرشحين المستقلين الآخرين، ومن هنا تبدو الحياة السياسية والنيابية في أوج صورتها استعدادا ليوم الانتخابات المزمع انطلاقها بتاريخ 28نوفمبر الجاري، ومن جهة أخرى يبدو أن مراقبة الأوضاع في مصر تأخذ جانبا مهما لدى الإدارة الأميركية فقد صرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي أن الولاياتالمتحدة حريصة على إجراء انتخابات حرة نزيهة في مصر!! داعيا في نفس الوقت إلى وجود مراقبة دولية لتلك الانتخابات وهو ما اعتبرته الأوساط المصرية بجميع أطيافها الرسمية والشعبية والحزبية تدخلا سافرا يمس السيادة المصرية في رسالة واضحة للحليف الأميركي بتجنب تعريض العلاقات بين الطرفين للخلل. التعددية الحزبية السياسية في مصر كانت سباقة في الوطن العربي منذ مطلع القرن الماضي وفي ظل العهد الملكي والاستعمار البريطاني، كما أن الدستور المصري كان داعما لهذا النمط الديمقراطي منذ ذلك الوقت فقد ظهر تعدد الأحزاب في دستور عام 1923م، ولكن مع قيام ثورة الضباط الأحرار 23 يوليو 1952م تم حل الأحزاب، رغم وجود قوى فاعلة مؤثرة على الساحة بشكل أو بآخر كالإخوان المسلمين الذين أبدوا معاداة للثورة بعدما كانوا شركاء لها وفي عهد الرئيس السادات عادت الحياة الحزبية وصدر قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لعام 1977م الذي نظم إنشاء وتكوين الأحزاب السياسية في مصر فأعيد تشكيل الأحزاب من جديد حيث أعلن عن تأسيس أحزاب الوطني والأحرار والتجمع والعمل والوفد والأمة، ثم الحزب العربي الناصري وحزب الغد الذي ترشح من خلاله أيمن نور في الانتخابات الرئاسية لعام 2005م، وتم تعديل المادة (5) من الدستور في 26 مارس 2007م التي حظرت قيام أو تأسيس الأحزاب على أساس ديني، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المادة 76 من الدستور تجيز لمرشحي الأحزاب الترشح للانتخابات الرئاسية بعد مضي 5 سنوات على إنشاء الحزب بشرط حصول الحزب على مقعد واحد على الأقل في الانتخابات البرلمانية لأي من مجلسي الشورى أو الشعب ويبقى حق الترشح ساريا لمدة عشر سنوات قادمة، وهذه المادة لاقت الكثير من الجدل والمعارضة من قبل عدد من القوى الشعبية والأحزاب التي طالبت بتعديلها، وبعد دخول محمد البرادعي في السباق الرئاسي ظهرت عدد من العرائض المطالبة بتعديل المادة 76 من قانون الانتخابات بالإضافة إلى مطالب أخرى قدمها السيد البرادعي تتكون من 7 نقاط أخرى، ورغم عدم وضوح الموافقة بشأنها إلا أن الملفت للمراقبين هو وجود حالة من الحراك السياسي في جمهورية مصر العربية خلال هذه المرحلة. مجلسي الشعب والشورى في مصر يعتبران من أقدم البرلمانات العربية فمجلس الشعب المصري الذي يعد السلطة التشريعية تأسس عام 1966م ويبلغ عدد أعضاءه 454 نائبا يتم انتخاب 444 بالانتخاب الشعبي وأضيف إلى المجلس في هذا العام 64 مقعدا خصصت للتنافس بين النساء بحيث يصبح عدد الأعضاء 518 في الدورة الجديدة ويرأس المجلس حاليا أحمد فتحي سرور، بينما يبلغ أعضاء مجلس الشورى 264 عضوا ينتخب منهم 176 وتعين الحكومة عدد 88 عضوا فقط وتأسس هذا المجلس عام 1980م ، إلا أن حقيقة الحياة النيابية في مصر كانت بدايتها في عهد محمد علي باشا حيث تم تأسيس المجلس العالي في نوفمبر عام 1824م، من هنا تبدو عمق التجربة النيابية والبرلمانية في مصر. بعد هذا التاريخ الموغل في القدم يأتي تقرير الحريات الدينية الذي تصدره الخارجية الأميركية ليسلط الضوء على هذا الملف منتقدا الحكومة المصرية في مسألة الاعتقالات المستمرة في صفوف الإخوان المسلمين ومعرجا على الموضوع الأهم وهو حقوق الأقباط في المجالس النيابية وفي الحكومة مفتعلا موضوع نسبة عددهم في تلك الدوائر وذلك في محاولة للتصعيد والضغط على الحكومة المصرية وإثارة مزيدا من المشاكل الداخلية تعتمد البعد الطائفي الذي تكرر العزف على أوتاره في المنطقة، ورغم فشل هذا المشروع في العراق ولبنان على سبيل المثال إلا أن تحفيز هذا البركان الطائفي مازال مستمرا في جميع الاقطار العربية والإسلامية لمحاولة الضرب بين ابناء الشعوب العربية وبين أبناء الأمة الإسلامية على وجه العموم وهو ما يحدث الآن في السودان تحديدا ولا يستبعد تكرار نفس السيناريو في أقطار عربية أخرى إن لم تنتبه الشعوب لهذا المخطط الذي تتبناه الصهيونية في الوطن العربي والعالم الإسلامي. مجموعة عمل مصر التي ناقشت الأوضاع في مصر بوزارة الخارجية الأميركية وهي بالمناسبة ليست من القوى الشعبية المصرية ولا من المعارضة لها مدلولات تنم عن محاولات من التدخل السافر في الشؤون المصرية، وهي محاولات لها أبعادها في إطار ممارسات الضغط على الحكومة المصرية لمحاصرتها في أكثر من ملف لاسيما إذا ما تعلق الأمر بمسألة الانتخابات البرلمانية والرئاسية وهو ما جاء الرد عليه سريعا وبشكل عاجل من قبل جمهورية مصر العربية رسميا وشعبيا، فالشعوب العربية والإسلامية اليوم ورغم وجود عدد من المهووسين فيما بينهم يدركون جيدا خطورة الانسياق في هذا المسار الآثم ويدركون خطورة الانجراف في هذه المسألة المراد دسها لإثارة الفتنة وخلخلة الوحدة الوطنية والانتماء القومي فالشعور الوطني أكثر ما يجمعهم وأعلى من أن يفرقهم مثل ذلك الاستهداف وليس أدل من ذلك الموقف الكبير الذي وقفه الإخوة في مصر بمختلف شرائحهم وأطيافهم رافضين تلك التدخلات جملة وتفصيلا وهو ما عبرت عنه الخارجية المصرية، ورفضته جميع الأحزاب والقوى الشعبية ما ينم عن قيم وطنية عظيمة تبرز لدى الشعب المصري وجميع الشعوب العربية والإسلامية عندما تدرك دوافع مثل تلك التدخلات المغرضة.